تحليل: ما هي "العقيدة النووية" الروسية التي تحدد استخدام الأسلحة الذرية والتي كثيرًا ما يستشهد بها بوتين؟؟
يمن فيوتشر - أسوشيتد برس- ترجمة: ياسمين يوسف الاربعاء, 31 يوليو, 2024 - 10:45 صباحاً
تحليل: ما هي

منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، كثيرًا ما هدد الرئيس فلاديمير بوتين وأصوات الكرملين الأخرى، الغربَ بترسانته النووية.
في اليوم الأول من الحرب، قال بوتين: «كل من يحاول إعاقتنا، ناهيك عن خلق تهديدات لبلدنا وشعبه، يجب أن يعرف أن الرد الروسي سيكون فوريًا ويؤدي إلى عواقب لم يرها في التاريخ».
وعلى مدى ما يقرب من سنتين ونصف من القتال، أعطى الغرب أوكرانيا مليارات الدولارات من الأسلحة المتقدمة، بعضها ضربت الأراضي الروسية. وبينما كان هناك المزيد من تهديدات الكرملين - وحتى نشر أسلحة نووية في ساحة المعركة في بيلاروسيا، عبر الحدود من أوكرانيا - ظلت حتى الآن مجرد رسالة صريحة فقط.

ما الذي يمكن أن يؤدي أخيرًا إلى استجابة نووية؟
ردًا على سؤال من وكالات الأنباء الدولية في يونيو/حزيران، أشار بوتين إلى ما يُسمى بالعقيدة النووية لروسيا، قال في جلسة سان بطرسبرج: «إذا كانت تصرفات شخص ما تهدد سيادتنا وسلامة أراضينا، فإننا نعتبر أنه من الممكن استخدام جميع الوسائل المتاحة لنا».

وقد بدأ الجنرالات الروس (الصقور) بِحّثْ بوتين على تغيير العقيدة لخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، وفيما بعد قال الزعيم الروسي، إنه يمكن تعديل الوثيقة لمراعاة الوضع العالمي المتطور.

ما هي عقيدة روسيا النووية؟
تُعرف رسميًا باسم «المبادئ الأساسية لسياسة الدولة بشأن الردع النووي»، وقد وقعها بوتين عام 2020، ويحدد متى يمكن لروسيا الانغماس في ترسانتها النووية، التي تعد الأكبر في العالم.
وتعتبر الأسلحة النووية «وسيلة للردع»، مشيرة إلى أن استخدامها «إجراء متطرف وقسري». وتعلن روسيا أنها «تبذل كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووي ومنع تفاقم العلاقات بين الدول التي يمكن أن تؤدي إلى صراعات عسكرية، بما في ذلك الصراعات النووية».  
وتنص الوثيقة على أن «الردع النووي يهدف إلى توفير فهم من قبل خصم محتمل لحتمية الانتقام في حالة العدوان على الاتحاد الروسي و/أو حلفائه».

ما الذي سيضطر روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية؟
وتقول العقيدة إن روسيا يمكنها استخدامها -أي الأسلحة النووية- «ردًا على استخدام الأسلحة النووية وغيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها و/أو ضد حلفائها، وكذلك في حالة العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر».

وتقول العقيدة إنه يمكن استخدام الأسلحة النووية في الحالات المحددة التالية:
- إذا وردت معلومات موثوقة عن إطلاق صواريخ باليستية تستهدف أراضي روسيا أو حلفائها.
- إذا استخدمت أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى ضد روسيا أو حلفائها.
- إذا كان هجوم العدو بالأسلحة التقليدية يهدد وجود روسيا.
- إذا كانت هناك هجمات على منشآت حكومية أو عسكرية روسية ذات أهمية حاسمة يمكن أن تقوض قدرة البلاد على الضربة النووية الانتقامية.

هل اقترب أي هجوم حتى الآن من تجاوز هذه العتبة؟
في الوقت الذي هاجمت فيه روسيا أجزاء من شمال شرق أوكرانيا بالقرب من مدينة خاركيف، سمحت واشنطن لكييف باستخدام أسلحة طويلة المدى زودتها بها الولايات المتحدة لشن ضربات في الأراضي الروسية في المنطقة الحدودية. لكن هذه الهجمات كانت محدودة النطاق ولا يبدو أنها تشكل تهديدًا وجوديًا من شأنه أن يندرج تحت العقيدة النووية.
ومع ذلك، أشار الصقور في موسكو إلى سلسلة من الهجمات الأوكرانية على القواعد الجوية الروسية التي تستضيف قاذفات ذات قدرة نووية بعيدة المدى في وقت سابق من الصراع، فضلًا عن الغارات الأخيرة على رادارات الإنذار المبكر.
ويقولون إن هذه الظروف تبرر فيما يبدو استخدام الأسلحة النووية على النحو المنصوص عليه في الوثيقة.
ولم يعلق المسؤولون الروس على الهجمات التي على الأهداف الأكثر حساسية، حيث تم تصميم رادارات الإنذار المبكر لرصد إطلاق الصواريخ الأمريكية للسماح لروسيا بإطلاق صواريخها ذات الرؤوس النووية قبل تدميرها.
وقال جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي، في تعليق حديث، إن الهجمات الأوكرانية على رادارات الإنذار المبكر قد تدفع الكرملين إلى الاعتقاد بأن واشنطن شجعت مثل هذه الضربات لمحاولة إضعاف الردع النووي الروسي.
أضاف أكتون، «إذا اعتقدت موسكو أن واشنطن يمكن أن تشن هجومًا وقائيًا ناجحًا على قواتها النووية، فقد يصاب إصبع الزناد بحكة شديدة، مما يزيد من خطر شن روسيا هجومًا نوويًا واسع النطاق بناءً على تحذير كاذب أو أسيء تفسيره».

ما هي التغييرات التي قيد المناقشة في العقيدة؟
تم إلغاء التهديدات النووية للكرملين مؤخرًا وسط نجاحات موسكو في ساحة المعركة في أوكرانيا. ومع ذلك، كانت هناك أيضًا دعوات في روسيا لتغيير العقيدة النووية، قال بوتين إنه يمكن تعديلها، اعتمادًا على الأحداث العالمية.
حيث دعا الصقور مرارًا وتكرارًا إلى شحذها، بحجة أن الوثيقة الحالية ضعيفة للغاية وغامضة. يقولون إن العقيدة لم تمنع الغرب من زيادة المساعدات لأوكرانيا وتعطي الانطباع بأن موسكو لن تلجأ أبدًا إلى الأسلحة النووية.
ويقترح خبير الشؤون الخارجية دميتري ترينين، من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، وهو مركز أبحاث تموله الدولة في موسكو، مراجعته ليعلن أن روسيا يمكن أن تضرب أولًا بالأسلحة النووية عندما «تكون المصالح الوطنية الأساسية على المحك»، كما هو الحال في أوكرانيا.
وكتب ترينين مؤخرًا، «المهمة الحادة في العام الثالث من المواجهة العسكرية هي منع مشاركة الناتو الأعمق فيها وإذا لم نفعل ذلك، فإن جهود التصعيد المستمر من قبل الغرب سيؤدي إلى اشتباك مباشر بين الجيشين الروسي وحلف شمال الأطلسي، المحفوف بحرب نووية عالمية».

وفي المنتدى الدولي في سان بطرسبرج، حثّ سيرجي كاراجانوف، خبير السياسة الخارجية الذي يقدم المشورة للكرملين، بوتين على تعديل العقيدة لخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية.
وقال للزعيم الروسي: «آمل أن يتم تغييره قريبًا لمنحك الحق الرسمي في الرد على أي ضربات على أراضينا بضربة نووية (...)، وآمل أن يضاف مثل هذا البند إلى عقيدتنا للمساعدة في تهدئة خصومنا».
وشبّه كاراجانوف الغرب بسدوم وعمورة، المدن التوراتية التي دمرها الله بأمطار من النار لشرّها، قال: «دعونا نتذكر هذا المطر ونحاول أن نجعل البشرية تعود إلى رشدها».
ورد بوتين بحذر، قائلًا إنه لا يرى حاليًا أي تهديدات من شأنها أن تبرر استخدام الأسلحة النووية، لكنه أبقى الباب مفتوحًا لمراجعة السياسة.

أضاف، «هذه العقيدة أداة حية، نحن نراقب بعناية ما يحدث في العالم من حولنا، ولا نستبعد إجراء تغييرات في العقيدة».
وأوضح أن الحاجة إلى تعديل الوثيقة كانت مدفوعة بمخاوف بشأن تفكير الغرب في احتمال نشر أسلحة نووية منخفضة القوة.
ولم يذكر بوتين تفاصيل، لكن تعليقاته قد تشير إلى المناقشات الأمريكية حول نشر صواريخ نووية منخفضة الطاقة تطلق من غواصات.
ويقول المؤيدون إن مثل هذه الأسلحة ضرورية لمواجهة التهديدات الروسية، بينما يجادل النقاد بأنها يمكن أن تخفض عتبة استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية وتزيد من مخاطر الحرب.
وقال بوتين: «يتم تطوير أجهزة نووية ذات طاقة منخفضة للغاية، ونحن على دراية بالأفكار المتداولة في دوائر الخبراء في الغرب بأنه يمكن استخدام مثل هذه الأصول الضاربة، ولا يوجد شيء فظيع بشكل خاص في ذلك (...)، نحن ملزمون بالانتباه إلى ذلك، ونلاحظه».


التعليقات