بمجرد وصول إدارة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض، وضعت الولايات المتحدة نصب عينيها إنهاء الحرب في اليمن عبر القنوات الدبلوماسية، فأوقفت الدعم العسكري للتحالف، وعينت مبعوثا خاصا بهذا الشأن، وفي خطوة جريئة، رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، ضمن حزمة قرارات دفعت مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث إلى التحدث في مايو (أيار) الماضي، عن طاقة دبلوماسية لم تكن موجودة من قبل، داعياً كافة الأطراف إلى انتهاز الزخم الدبلوماسي الإقليمي والدولي لإنهاء الصراع الدامي.
لكن لهيب الحرب لم ينطفئ على الرغم من مبادرة سعودية لإيقاف إطلاق النار، ورغبة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في تسوية الخلافات، كما لم يحقق تعاقب المبعوثين الأمميين من نيويورك، وسفرهم بين الرياض ومسقط وعدن، وأخيراً، صنعاء التقدم المرجو، إذ لا يزال الرفض الحوثي لمبادرات السلام عقبة أمام الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، الأمر الذي يثير التساؤلات حول موقف واشنطن من اليمن بعد أكثر من خمسة أشهر من تغييرات عاصفة، ركزت أنظار المجتمع الدولي على الحرب لكن من دون تقدم ملموس نحو إنهائها.
وبالتزامن مع وصول المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ إلى السعودية، في زيارة تمتد لثلاثة أيام، تحدثت الناطقة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث، في مقابلة خاصة مع "اندبندنت عربية"، عن الأزمة اليمنية، استنكرت خلالها تعنت الحوثيين، وشددت على أن الولايات المتحدة تكرس جهودها الدبلوماسية لتحقيق حل دائم ونهائي وسلمي للأزمة، بينما تتعاون مع حلفائها في العالم، وخصوصاً في الخليج، لتحقيق وقف إطلاق النار.
وفيما تقر المتحدثة الأميركية أن الحوثيين يمثلون الطرف الرافض لدعوات السلام، قالت إن الولايات المتحدة تستخدم ورقة العقوبات للضغط عليهم، واستشهدت بالعقوبات الأخيرة على بعض القيادات بالجماعة اليمنية المتهمة بولائها لإيران، مؤكدة استمرار ممارسة الضغط على الحوثيين، والعمل مع الشركاء لإيجاد أدوات إضافية.
•الضغط على الحوثي
وعما إذا كانت واشنطن ستعيد الحوثيين إلى قائمة الإرهاب فيما لو واصلت الجماعة شن هجمات ضد مأرب والأراضي السعودية، أجابت غريفيث بأن الولايات المتحدة "لن تتردد في اتخاذ خطوات إضافية وضرورية لممارسة الضغط على الطرف الحوثي"، وجددت التأكيد على أن رفع التصنيف الإرهابي يهدف إلى إنهاء "الكارثة الإنسانية الحالية في اليمن"، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان وصول المساعدات إلى الشعب اليمني، وتعقد إدارة بايدن مشاورات مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لبحث سبل توفير المساعدات، ودفع الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وعن التعاون بين واشنطن وحلفائها لمنع وصول الأسلحة إلى الحوثيين في أعقاب اعتراض أسلحة روسية وصينية الصنع في بحر العرب الشهر الماضي متجهة إلى الحوثيين، أقرت المتحدثة الأميركية، بوجود تدخل خارجي يفاقم الأزمة العسكرية والإنسانية في اليمن، مشددةً على رفض الولايات المتحدة لهذه التدخلات، وضرورة العمل مع المجتمع الدولي للوقوف صفاً واحداً لحل الصراع.
•اتفاق الرياض
وبالحديث عن عودة التوتر بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، قالت غريفيث إن الولايات المتحدة رأت تقدماً فيما يتعلق باستئناف المفاوضات لتنفيذ اتفاق الرياض، وأكدت وجود تعاون مع السعودية في هذا الشأن، مشددة على أن وجود حكومة يمنية موحدة ذات شرعية، مهم لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب اليمني ومحاربة الحوثيين وتحقيق وقف إطلاق النار وحل سلمي ودائم للنزاع.
وكان الفريق السعودي لتنفيذ اتفاق الرياض برئاسة سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، عقد الإثنين الماضي 14 يونيو (حزيران)، بالرياض، اجتماعاً بين وفد الحكومة اليمنية برئاسة ممثلها حسين منصور، وممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة ناصر الخبجي، حيث أكدوا وقف التصعيد بأشكاله كافة، وعلى الترتيبات اللازمة لحماية وعودة الحكومة إلى عدن، والعمل على متابعة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
•الوساطة العمانية
وبسؤال غريفيث عن دور زيارة الوفد العماني الأخيرة إلى صنعاء، التي أعقبها تنسيق دبلوماسي رفيع المستوى بين الرياض ومسقط، في تضييق دائرة الخلاف، قالت إن "الولايات المتحدة تقدر الجهود الدبلوماسية المبذولة من قبل سلطنة عمان"، لافتة إلى أن ليندركينغ سوف يلتقي السلطات العمانية لبحث كيفية تحقيق تقدم إضافي في هذا الشأن.
وأضافت أن الولايات المتحدة تتعاون مع الأمم المتحدة والحلفاء لحث الحوثيين على قبول دعوات السلام، مؤكدة أن إدارة بايدن مهتمة بتحقيق حل سلمي، وأضافت، "هناك رغبة واستعداد من قبل الولايات المتحدة والحكومتين اليمنية والسعودية لبذل كل ما بوسعهم لتحقيق حل نهائي، لكن مع الأسف، رأينا تعنتاً من قبل الطرف الحوثي فيما يخص قبول وقف إطلاق النار واتخاذ الخطوات الضرورية لتنفيذ ذلك".
ولم تكشف متحدثة الخارجية الأميركية عن نقطة الخلاف التي تعيق التوصل لاتفاق مبدئي، قائلة إنها لن تتكلم نيابة عن الطرف الحوثي الذي يواصل المماطلة، ويقول إنه يهتم بالشعب اليمني رغم أن إطالة الأزمة لا يتوافق مع مصالح اليمنيين، لكنها شددت على أن التوصل إلى تسوية غير ممكن من دون وقف إطلاق النار، ولذلك تعمل الولايات المتحدة على إنعاش العملية السياسية بالتنسيق مع الأمم المتحدة وحلفائها.
•الدور الإيراني
وعما إذا كان الحل السلمي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه يجب أن يضمن إبقاء إيران بمنأى عن اليمن وتقليل نفوذها، أكدت غريفيث ان "واشنطن تسعى لتحقيق تسوية سياسية وفق رغبة الشعب اليمني ويجب أن تكون هناك حكومة تمثل جميع الشعب اليمني وتلبية احتياجاته"، أما التفاصيل، فهذا أمر يعود إلى اليمنيين، على حد قولها، فما يهم هو "التوصل لتسوية وعقد مفاوضات بين كافة الأطراف المعنية". إلا أنها اعتبرت التدخل الإيراني في اليمن مزعزعاً للأمن والاستقرار، مشيرة في هذا السياق إلى محاولات النظام الإيراني مد الحوثيين بالأسلحة، الأمر الذي يجعل الوضع في اليمن أكثر صعوبة وتعقيداً.
ونوهت بالتوافق الأميركي– السعودي بشأن الملف اليمني والتنسيق المستمر الذي يتجلى في زيارة ليندركينغ الحالية إلى الرياض، قائلةً إن "واشنطن تقف مع السعودية في صف واحد بشأن ضرورة التوصل لحل سلمي"، وتعمل بشكل وثيق معها لحل الأزمة، مع استمرار التأكيد على حق السعودية في الدفاع عن أراضيها.
وأشارت المتحدثة الأميركية إلى أن السيناريو الأسوأ في اليمن قد حدث بالفعل، فهناك 80 في المئة من اليمنيين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، واختتمت حديثها بالتأكيد على قدرة الدبلوماسية لإيجاد حل لتخفيف معاناة اليمنيين، وأن الكرة الآن في ملعب الحوثيين في ظل استعداد ورغبة الولايات المتحدة والحكومتين اليمنية والسعودية والمجتمع الدولي للتوصل لحل ينهي الصراع.