في الأيام الأخيرة، داهمت جماعة الحوثي منازل وأماكن عمل أكثر من 50 يمنياً يعملون في المنظمات الدولية. وكان الرجال والنساء وحتى الأطفال الصغار يُختطفون، في بعض الأحيان في منتصف الليل، ويُسحبون إلى الشارع بإذلال قبل نقلهم إلى السجن. وجه مسؤولون حوثيون متطرفون للأشخاص الذين تم اختطافهم تهمة التجسس. في الواقع، فإنهم ليسوا مذنبين بشيء أكثر من تكريس حياتهم لبقاء اليمن، والبقاء فيها، بينما فر الغالبية العظمى من المثقفين والنخبة خارج البلاد.
في حين أن الاعتقالات السياسية والتهديدات الصادرة ضد منظمات الإغاثة الدولية قد استخدمت بانتظام من قبل جماعة الحوثي منذ سيطرتها على صنعاء في عام 2014، فإن موجة الاعتقالات الأخيرة تأتي وسط جهد أيديولوجي وعسكري منسق للتحالف علناً مع إيران وتشتيت الرأي العام، ولفت انتباهه بعيدا عن الفساد والعنف الذي أصبح يميز حكم الحوثيين. فقد حولت الجماعة البحر الأحمر إلى منطقة صراع عسكري، حيث هاجمت السفن المدنية التي تمر عبر مضيق باب المندب، وبالتالي حولت أكبر الأصول الجغرافية المحتملة لليمن إلى أكبر عبء عليها.
ومع ذلك، فإن أعظم مورد للبلاد هو موهبة شعبها. منذ أن سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء، أُجبر عشرات الآلاف من الأكاديميين والتكنوقراط والمثقفين الأكثر تعليماً في اليمن على العيش في المنفى الدائم تحت التهديد بحياتهم. تم القبض على العديد من الذين بقوا في الخلف بتهم ملفقة: مساعدة "العدو". ويعيش هؤلاء القلائل الذين بقوا تحت التهديد والترهيب المستمرين، وهم يعلمون أن حياتهم وحياة أسرهم يمكن أن تنقلب رأساً على عقب في أي لحظة. بالنسبة لأكثر من 50 يمنياً، جاءت تلك اللحظة في وقت سابق من هذا الشهر.
وفي ردها على العقوبات الاقتصادية المتزايدة والضربات العسكرية الدولية ضد الجماعة، سعت قيادة الحوثيين إلى الحصول على كبش فداء لسياساتها الفاشلة، ولجر بلادهم إلى صراع إقليمي، على حساب 20 مليون يمني يعانون بالفعل من سوء التغذية ونقص التغذية المزمن. ومع عدم وجود مواطنين أمريكيين أو بريطانيين في البلاد، لجأ الحوثيون إلى اعتقال اليمنيين. وكان من بين هؤلاء موظفون سابقون في سفارة الولايات المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأعضاء الفرق القُطرية التابعة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمعهد الديمقراطي الوطني، وبرنامج الغذاء العالمي، وغيرها من المنظمات غير الحكومية. ينضم هؤلاء الخمسون إلى قائمة طويلة بالفعل من موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من اليمنيين العاملين في المنظمات الدولية الذين ما زالوا محتجزين دون تهم ودون الحق في التحدث مع عائلاتهم.
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة في التاريخ الحديث التي سعت فيها السلطات في اليمن إلى الحصول على كبش فداء دولي للجهود السياسية والعسكرية الفاشلة. خلال الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات، انجذب الجيش المصري المحتل إلى مستنقع يشبه فيتنام، مما هدد الرفاهية الاقتصادية للبلاد ومكانتها وسمعة حركة القوميين العرب بين الدول الأخرى في الشرق الأوسط. وبدلاً من الاعتراف بالهزيمة أو السعي إلى إصلاح السياسات المعيبة، اتهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتقويض الدولة الثورية اليمنية ورعاتها المصريين. وفي عام 1966، تم القبض على العديد من موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في حين تم إعلان بقية الموظفين أشخاصاً غير مرغوب فيهم ومنحهم 24 ساعة لمغادرة اليمن.
واستمر احتجاز الأجانب خلال الأشهر اللاحقة، ووصل إلى ذروته بعد الهزيمة المصرية أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة في يونيو/ حزيران 1967. وبعد الحرب مباشرة، جاب الجنود المصريون الريف اليمني بحثاً عن الأميركيين، الذين كانوا يأملون أن يلقوا على أكتافهم المسؤولية عن الهزيمة المخزية التي منيت بها بلادهم. تم استهداف كل منظمة غير حكومية أجنبية، بما في ذلك المستشفى المعمداني الجنوبي الذي تم إنشاؤه حديثا في "جبلة"، حيث لم تنجح سوى الاستجابة السريعة من رئيسة الممرضات في إنقاذ الموظفين الأمريكيين من الاعتقال. وعندما سئلت عما إذا كان الموظفون من أمريكا، أجابت: "لا، نحن من تكساس!". أدى هذا إلى استرضاء الجنود غير المهتمين جغرافياً، وترك مجموعة من ثمانية مبشرين معمدانيين جنوبيين ليكونوا آخر الأمريكيين المتبقين في اليمن حتى السبعينيات.
مرة أخرى، أثر الصراع الإقليمي على هذه الزاوية الجنوبية الغربية من الجنوب العربي. ومرة أخرى، سعت القيادة في اليمن إلى التنصل من مسؤوليتها الشخصية، وبدلاً من ذلك، اتهمت العناصر الأجنبية بالمساهمة في عدم جدوى هذه الجهود.
في العام 2024، كانت هذه المجموعة الشجاعة من اليمنيين بمثابة إحدى النوافذ الأخيرة المتبقية على المجتمع اليمني، حيث أدارت برامج للمساعدات الإنسانية والتنمية الاجتماعية والصحة العامة. ومع عدم وجود مقاييس يمكن الاعتماد عليها في المساعدات والتمويل الدولي، أجرى هؤلاء اليمنيون مسوحاً مهمة وساعدوا في توجيه التمويل الدولي إلى شرائح المجتمع اليمني التي كانت في أمسّ الحاجة إليها. وفي تفسيرها الوهمي للواقع، وصفت سلطات الحوثيين جميع الاتصالات مع الوكالات المانحة بأنها اتصالات لشبكة تجسس أمريكية إسرائيلية واسعة النطاق، عازمة على تقويض الدولة اليمنية. وبالمثل، تم رفض جميع الدراسات الاستقصائية والتقارير باعتبارها جمعاً استخباراتياً سرياً.
ومع ذلك، فقد طغت على حقيقة الأحداث في اليمن قوة ونفوذ وطبيعة شبكة المسيرة الإعلامية التابعة للحوثيين، والتي تنشر الخيال على أنه حقيقة، لجمهور حريص على تصديق دعايتهم. وقد استغلت سلطات الحوثيين تحول انتباه العالم إلى مكان آخر في هذا الوقت لممارسة الحكم الاستبدادي على القطاع المدني في اليمن، مما يزيد عزلة البلاد. في الوقت نفسه، يراقب اليمنيون، سواء في الداخل أو الخارج، بلا حول ولا قوة، بينما يتم نقل الأمل الأخير المتبقي لبلادهم إلى السجن.