أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن "المعارك العنيفة" ضد مقاتلي حركة حماس الفلسطينية بمدينة رفح أقصى جنوبي قطاع غزة "على وشك الانتهاء"، ليفتح باب التكهنات بشأن المرحلة المقبلة من حرب قد تلقي بظلالها على المنطقة وخصوصا على الجبهة الشمالية الإسرائيلية.
وقال نتنياهو في مقابلة، الأحد، مع القناة 14 الإسرائيلية، إن "المرحلة العنيفة من المعارك ضد حماس على وشك الانتهاء. هذا لا يعني أن الحرب على وشك النهاية، لكن الحرب في مرحلتها العنيفة على وشك الانتهاء في رفح".
وأضاف في أول مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر، وفق فرانس برس، "بعد انتهاء المرحلة العنيفة، سنعيد نشر بعض قواتنا نحو الشمال، وسنفعل ذلك لأغراض دفاعية في شكل رئيسي، لكن أيضا لإعادة السكان (النازحين) إلى ديارهم".
وردا على سؤال حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة، أوضح نتنياهو أن إسرائيل سيكون لها دور تؤديه على المدى القصير من خلال "سيطرة عسكرية".
وقال: "نريد أيضا إنشاء إدارة مدنية بالتعاون مع فلسطينيين إن أمكن، وربما بدعم خارجي من دول المنطقة، بغية إدارة الإمدادات الإنسانية، وفي وقت لاحق الشؤون المدنية في قطاع غزة".
ويظل أي حل دبلوماسي في غزة غير مؤكد، ويعود ذلك جزئيا إلى أن ائتلاف نتنياهو من المرجح أن ينهار حال أوقفت إسرائيل الحرب في غزة دون إبعاد حماس عن السلطة وتدمير قدراتها العسكرية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وأضاف تحليل للصحيفة أن تصريحات نتنياهو بجانب تعليقات وزير دفاعه، يوآف غالانت، خلال زيارته واشنطن، الاثنين، توضح أن الخطاب السياسي الإسرائيلي والتخطيط الاستراتيجي يتحوّل إلى الحدود الشمالية مع لبنان، وهي جبهة مشتعلة بسبب المواجهات مع حزب الله.
"4 سيناريوهات"
وطرح تحليل صحيفة "نيويورك تايمز" 4 سيناريوهات للمرحلة المقبلة بشأن الحرب التي بدأت في غزة بهجوم غير مسبوق لحماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) في السابع من أكتوبر ضد إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيناريو الأول يشمل عمليات "أقل حجما" في غزة، حيث يتوقع مع انتهاء العمليات العسكرية في رفح خلال الأسابيع المقبلة، أن يركز الجيش الإسرائيلي على عمليات إنقاذ الرهائن في جميع مناطق القطاع.
ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين عسكريين قولهم إنهم سيواصلون المداهمات للأحياء التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية في السابق خلال مراحل سابقة من الحرب، لمنع مقاتلي حماس من استعادة السيطرة على تلك المناطق.
وتلك العمليات على غرار ما قامت به إسرائيل في مستشفى الشفاء بمدينة غزة خلال مارس الماضي، بعد مداهمة أولى للمستشفى قبل ذلك بأشهر، وهناك أيضا عملية مخيم جباليا العسكرية التي دامت لثلاثة أسابيع بعدما سيطر الجيش على المخيم في نوفمبر قبل الانسحاب وتنفيذ عمليات عسكرية لاحقا.
وأشار السيناريو الثاني، طبقا للصحيفة الأميركية، إلى احتمالية وجود فراغ سلطة في قطاع غزة، وذلك بالانسحاب من مناطق كثيرة من القطاع دون السماح للسلطة الفلسطينية بأن تلعب دور بديل حماس. ورفض نتنياهو في أوقات سابقة لعب السلطة الفلسطينية دورا في حكم غزة.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن هذا الأمر قد يسمح لحماس بالاحتفاظ بهيمنتها على القطاع المدمر، على الأقل في الوقت الحالي.
وحال واصل الجيش الإسرائيلي مداهمة غزة بشكل منتظم في المرحلة المقبلة، ربما يمنع حماس من العودة إلى قوتها السابقة، لكن بحسب التحليل، سوف يطيل ذلك أمد فراغ السلطة ما من شأنه أن يتسبب في صعوبة إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات وتخفيف معاناة المدنيين.
ومن المتوقع أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على حدود غزة مع مصر لمواجهة تهريب الأسلحة، وهي اتهامات طالما رفضتها مصر.
ومن المتوقع أيضا أن تواصل إسرائيل السيطرة على المنطقة الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه، مما يمنع حرية الحركة بين المنطقتين.
حزب الله والتوترات مع واشنطن
السيناريو الثالث يتعلق بالجبهة الشمالية، وبالتحديد القتال مع حزب الله اللبناني، فمع نقل مزيد من القوات إلى المناطق الحدودية مع لبنان، بات الجيش الإسرائيلي في "وضع أفضل" لشن هجوم على لبنان لإجبار حزب الله على الابتعاد عن الأراضي الإسرائيلية، وفق الصحيفة.
وكان زعيم حزب الله، حسن نصر الله، حذر الأسبوع الماضي، من أنه لن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل من هجمات جماعته في حالة اندلاع حرب أوسع.
ويتبادل حزب الله إطلاق النار مع إسرائيل منذ أكثر من ثمانية أشهر بالتوازي مع الحرب على غزة. ويشترط الحزب اللبناني المصنف على لائحة الإرهاب إنهاء الحرب في غزة قبل الانسحاب لما بعد نهر الليطاني.
وقبل خطاب نصر الله، حذر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي، من أن قرار خوض حرب شاملة مع حزب الله سيصدر قريبا.
وقال الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق إنه في إطار تقييم الوضع "جرت الموافقة على الخطط العملياتية لشن هجوم في لبنان والتصديق عليها، واتُخذت قرارات حيال مواصلة زيادة جاهزية القوات في الميدان".
وبالعودة إلى تحليل "نيويورك تايمز"، فإن إعلان إسرائيل الانتقال إلى مرحلة جديدة في القتال داخل غزة، يمكن أن يوفر سياقا لتهدئة التصعيد، ما يمكنه أن يهدئ الأمور على الجبهة الشمالية، حيث قال نصر الله في وقت سابق إن جماعته ستتوقف عن إطلاق النار "عندما يتوقف إطلاق النار في غزة".
ومع إعلان قرب انتهاء القتال العنيف في رفح، قلل نتنياهو، وفق الصحيفة، من إحدى نقاط التوتر مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لكنه أبقى على نقاط أخرى.
ويتمثل السيناريو الرابع في احتمالية استمرار التوترات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، حيث يرفض نتنياهو صياغة خطة واضحة للحكم في غزة بعد الحرب، بجانب احتمال اتخاذ قرار بشن هجوم ضد لبنان، وهو ما يزيد الخلاف مع واشنطن.
وترغب إدارة بايدن في إنهاء القتال مع حزب الله، وضغطت على نتنياهو لأشهر لتمكين السلطة الفلسطينية من تولي زمام الأمور في غزة، لكن نتنياهو مستمر في إبقاء مستقبل غزة "غامضا"، وسط ضغوط من ائتلافه اليميني المتشدد لاحتلال القطاع وإعادة الاستيطان.
وأكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لوزير الدفاع الإسرائيلي، غالانت، الاثنين، ضرورة أن تضع إسرائيل بسرعة خطة قوية لما بعد الحرب في غزة وأن تتأكد من عدم تفاقم التوتر مع حزب الله.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية بعد اجتماع الوزيرين "أطلع بلينكن، الوزير غالانت على الجهود الدبلوماسية الجارية لتعزيز الأمن والحكم وإعادة الإعمار في غزة خلال فترة ما بعد الصراع وشدد على أهمية هذا العمل لأمن إسرائيل".
ويقول الفلسطينيون إن إنهاء إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 هو فقط ما سيحقق السلام في الصراع المستمر منذ عقود.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن بلينكن "شدد أيضا على أهمية تجنب مزيد من التصعيد في الصراع والتوصل لحل دبلوماسي يسمح للعائلات الإسرائيلية واللبنانية بالعودة إلى منازلها".