تقرير: الدور الحاسم للشراكات العامة/ الخاصة في أزمة البحر الأحمر
يمن فيوتشر - Cimsec- ترجمة ناهد عبدالعليم: الأحد, 12 مايو, 2024 - 06:44 مساءً
تقرير: الدور الحاسم للشراكات العامة/ الخاصة في أزمة البحر الأحمر

بوصفه نقطة حرجة على طرق الشحن العالمية الرئيسية، اصبح البحر الأحمر منطقة بارزة للتوتر، ما يؤكد ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ فورية صارمة لضمان الأمن البحري.
وقد زادت جماعة الحوثي التوترات الإقليمية، مستغلة إمدادات لا تنضب من الأسلحة، ما يطرح السؤال: كيف يمكن توظيف الأساطيل البحرية بشكل استراتيجي لمواجهة تلك التهديدات واستعادة الاستقرار العالمي بشكل قاطع؟
يمكن العثور على بعض الإجابات في نجاح عملية "أتالانتا"، المستمرة منذ العام 2008. هذه العملية، التي نفذتها القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي كإجراءٍ وقائي لمكافحة القرصنة قبالة الساحل الصومالي، أظهرت فاعلية لا يمكن إنكارها للشراكات العامة/ الخاصة بين القوات البحرية وصناعة الشحن البحري التجارية. ومن خلال الجمع بين القوة البحرية وعمليات الشحن البحري التجارية، أظهرت الدروس المستفادة من عملية "أتالانتا" تحسنا في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الدعم اللوجستي، وتحديث أفضل الممارسات الإدارية. وفي وقتٍ قصير نسبيا، تم تقليص تهديدات القرصنة بشكل كبير على طول الساحل الصومالي. 
ويقدم ذلك دروساً مفيدة لعمليات الأمن البحري في مشهد التهديدات المتغير باستمرار.

 

• مشاركة المعلومات الاستخباراتية واللوجستية وأفضل الممارسات:
شهدت حملة عملية "أتالانتا" الناجحة ضد القرصنة قبالة الساحل الصومالي استراتيجية تعاونية لمشاركة المعلومات الاستخباراتية. بناءً على إطار عام/ خاص، أعطت الشراكة الأولوية للتواصل الفوري ومشاركة المعلومات بسلاسة، مما يُعزز القدرة على التنبؤ بالتهديدات البحرية والتعامل معها.
وأصبحت تُعرف بأنها أنظمة الوعي المترابطة بالمواقف (ISAS)، وربما أصبحت القدرة الأكثر أهمية في تعزيز قدرة جميع الأطراف المشاركة على اتخاذ قرارات مستنيرة. 
وتعد (ISAS) مجموعة من الأنظمة المتصلة التي تحلل وتوزع البيانات في الوقت المناسب لتحسين الكفاءة التشغيلية وعملية اتخاذ القرارات في مجال الأمن البحري. وتتألف من شبكاتِ الاستشعار ومنصاتٍ لتبادل المعلومات والتحليلات ودمج البيانات وأنظمة القيادة والتحكم. وتوفر هذه التقنيات رؤية مشتركة وشاملة للمجال البحري، مما يجعل التعرف على التهديدات المحتملة وتتبعها والاستجابة لها أمراً أسهل، ويوفر حلاً مطمْئناً لتحديات الأمن البحري.
وفيما يتعلق بتشكيل الشراكات العامة/ الخاصة، يمكن أن يوسع الدعم اللوجستي الذي تقدمه شركات الشحن التجارية نطاق العمل واستدامة القوات البحرية. وكان هذا الدعم حاسماً في وقف القرصنة على طول الساحل الصومالي خلال عملية "أتالانتا"، مما يحسن استدامة الوجود البحري في خليج عدن. ويمكن أن يؤثر الشحن التجاري مباشرةً في استعداد القوات البحرية وعملياتها من خلال تيسير الوصول إلى الموانئ الإقليمية وتوفير الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والطاقة وخدمات الصيانة والدعم التقني. وعند القيام بعملياتٍ بحرية بعيداً عن القواعد الرئيسية، فإن إمكانية الوصول الموثوق إلى البنية التحتية البحرية يعد أمراً ضرورياً.
وخلال عملية "أتالانتا"، قام (مركز) إنشاء وتنفيذ أفضل الممارسات الإدارية (BMPs) بتعزيز أمان السفن ضد التهديدات البحرية ومعالجة المخاوف المتزايدة من القرصنة. وتشمل البروتوكولات المختلفة التخطيط للرحلة وتحصين السفن وتعليم الطاقم للحد من عرضة السفن للهجمات القرصنة. وشاركت القوات البحرية وخبراء الأمن وصناعة الشحن البحري التجارية بشكل واسع في وضع هذه الممارسات. كما أظهرت فاعلية المرافق البحرية وأهمية تبادل المعلومات في الوقت المناسب، والتي تم دمجها في نهاية المطاف في إرشادات (BMP). وتؤكد الخبرة المكتسبة خلال عملية "أتالانتا" أهمية التكيف في أفضل الممارسات الإدارية، مما يتيح التعديلات استجابة للتهديدات الإقليمية المميزة والظروف التشغيلية.

 

• أزمة البحر الأحمر وعملية "حارس الازدهار":
تشكل أزمة البحر الأحمر مشكلة متعددة الأبعاد تتطلب فهمًا شاملاً للديناميات الإقليمية وحدود النهج السابقة. ومن الضروري أن نأخذ في الاعتبار العناصر المهمة التي تميز هذه الأزمة عن مشاكل الأمن البحري السابقة، مثل قرصنة الصومال. وتشمل هذه الأزمة تورط الدول الفاعلة، واستخدام تكتيكات الحرب غير المتماثلة، والأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر. وتضيف الآليات المحدودة والاستعداد للتعاون الإقليمي تميزات إضافية. ويهدف التحليل الحالي إلى وضع أساس لفهم الظروف السائدة وتحديد المسارات الممكنة نحو استعادة الأمن البحري. كما تؤكد ضرورة وجود استراتيجيات مبتكرة ومصممة خصيصاً تأخذ في الاعتبار السمات الفريدة للمنطقة.

 

• التعقيدات الجيوسياسية:
 رغم أن الوعي المتصل بالوضع تمكن من تخفيف مخاطر قرصنة الصومال في عام 2008، إلا أن هناك شبكة معقدة من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية تعمل في منطقة البحر الأحمر، ما يجعل من الصعب معالجة الأزمة بشكلٍ شمولي. وتعكس الأزمة الحالية الصراع المستمر على السيطرة بين الفصائل السُنيّة والشيعية التي تمتد عبر معظم الجغرافيا السياسية للمنطقة. وفي حين يدعي الحوثيون علناً أن هجماتهم على الشحن التجاري هي وسيلة لدعم الفلسطينيين، إلا أن هناك اضطراباتٍ سياسية وعنفاً واسع النطاق في مصر والمملكة العربية السعودية وإريتريا والسودان، وخاصة في اليمن.
وفي حين يبدو أن إيران هي اللاعب الرئيسي الداعم للحوثيين، تقدم دول أخرى ذات مصالح استراتيجية في اليمن دعما دبلوماسيا وماليا ولوجستيا كجزء من طموحاتها الإقليمية الأوسع. وقد تظهر هذه الدول دعما أو تعاطفا مع الحوثيين، ولكن مستوى الالتزام والمساعدة قد يختلف. 
رغم أن سوريا ولبنان وقطر متورطة بشكل مباشر نسبياً في الأزمة اليمنية، إلا أنها تدعم إيران دبلوماسيا ولديها هدف مشترك لمواجهة التأثير السعودي في المنطقة. وبالمقارنة، كان للقراصنة الصوماليين دعم قليل من الدول، ما جعل من السهل على الفاعلين الإقليميين بناء شراكات وترتيبات لتبادل المعلومات. وستعرقل التوترات الجيوسياسية المتنافسة القدرة على بناء التعاون الإقليمي واتخاذ تدابير فعالة للأمن البحري الموجهة نحو الحوثيين.
وعلى عكس خليج عدن وساحل الصومال، حيث أدى تهديد القرصنة إلى تطوير آليات تعاون دولي قوية مثل مجموعة الاتصال بشأن القرصنة قبالة ساحل الصومال (CGPCS)، تفتقر منطقة البحر الأحمر إلى إطارٍ موحد مماثل. بالإضافة إلى جو عدم الثقة، تواجه العديد من الدول الإقليمية تحدياتٍ اقتصادية كبيرة مثل نقص المرافق البحرية الحديثة والقدرات البحرية غير الكافية والوصول المحدود إلى التكنولوجيا المتقدمة وأنظمة الاتصال. ونظرا للمخاوف المتعلقة بالسيادة وتبادل المعلومات الحساسة، قد تتردد بعض البلدان في الانخراط الكامل في أنظمة الوعي المتصلة ومبادرات تبادل المعلومات الإقليمية المترابطة خوفاً من المساس بأمنها الوطني.
وستواجه عملية "حارس الازدهار" صعوبة في إنهاء هذه الأزمة بشكل قاطع إذا لم تتمكن من تقويض الشبكات اللوجستية التي تدعم قدرة الحوثيين على تهديد الشحن البحري. وسيكون التبادل المعلوماتي الأقوى ذا قيمة لا تُقدر بثمن في هزيمة هذه الشبكات. بالإضافة إلى إيران، ثمة أطراف أخرى تزود الحوثيين باستمرار بالأسلحة والذخائر. وتتم التسليمات عن طريق قنوات التهريب المحلية، وخصوصا شبكات الأسلحة غير المشروعة التي تعمل على الصعيد الإقليمي والعالمي. وغالبا ما ينطوي ذلك على نقل الأسلحة بصورة سرية عبر قنوات مختلفة، بما في ذلك الطرق البرية والبحرية والجوية، حيث يستغلون ضعف ضوابط الحدود في اليمن والطرق البحرية المفتوحة. ويسهم في ذلك إلى حد ما المسؤولون الحدوديون المتواطئون أو المليشيات المحلية. والتأثير الذي قد يمتد إلى خارج الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن يجعل الساحل اليمني الطويل والعديد من الموانئ وسيلة لتهريب الأسلحة إلى البلاد عبر قوارب صغيرة أو طرق الشحن البحري. ويمكن للمهربين استخدام العديد من الموانئ ومجتمعات الصيد والخلجان المنعزلة المنتشرة على طول الساحل كنقاط دخول محتملة. وتعتبر الموانئ الرئيسية في اليمن، بما في ذلك الحديدة وعدن والمكلا، تقاطعا معروفا لحركة الشحن البحري القانونية وغير القانونية، مما يشكل تحديات للسيطرة على شحنات الأسلحة.
ووجود عدة دول ساحلية بمستوياتٍ مختلفة من تطوير البنية التحتية والقدرات البحرية والودية السياسية يشكل تحدياً أمام إنشاء شبكة توزيع لوجستية متماسكة. وغياب آلية إقليمية قوية أو منظمة، مثل مجموعة الاتصال بشأن القرصنة قبالة ساحل الصومال (CGPCS) في حالة عملية "أتالانتا"، يعوق تنسيق جهود الدعم اللوجستي بين الدول الإقليمية وشركاء الشحن البحري التجاري. 
كما تعطل النزاعات المستمرة وعدم الاستقرار في بلدان مثل اليمن والسودان الوصول إلى الموانئ وسلاسل التوريد والترتيبات اللوجستية الأخرى، ما يجعل من الأصعب الحفاظ على العمليات البحرية وتوفير الأمن الكافي للسفن التجارية.

 

• النهج والاستراتيجيات الجديدة:
تتطلب معالجة القضايا التي أثارتها أزمة البحر الأحمر وحماية الشحن العالمي استخداما استراتيجيا للقوات البحرية، خاصة البحرية الأمريكية. ونظرا لمهاراتها ونطاقها العالمي وعلاقاتها مع صناعة الشحن البحري، يمكن للبحرية الأمريكية أن تلعب دورا كبيرا في استقرار المنطقة وحماية طرق التجارة البحرية الحيوية. كما يمكن أن تتولى قيادة إنشاء إطاراتٍ إقليمية تطبق الدروس المتعلقة بعملية "أتالانتا" على الأزمة الحالية.
ويمكن للبحرية الأمريكية أيضاً تسهيل التعاون والتواصل الأكبر بين الدول التجارية والدول الساحلية. ومن خلال استغلال شراكاتها، يمكنها كذلك تعزيز تبادل المعلومات والتدريب التعاوني والمبادرات التي تعزز الثقة المتبادلة. 
ويمكن أن يعزز مستوى متقدم من التعاون بين الكيانات الإقليمية الثقة ويسهل تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أكثر كفاءة، وهو جانب حاسم في معالجة تحديات الأمن البحري بشكل استباقي.
ويمكن تحديث وتعديل إجراءات حماية السفن (BMPs) بتوجيه من البحرية الأمريكية لمراعاة التهديدات الفريدة في البحر الأحمر. ويجب أن تُتخذ هذه الإجراءات لتعزيز جاهزية الطاقم، وتعزيز أمان السفينة، وتقليل المخاطر المرتبطة بقدرات الحوثيين المحددة.
وقد تم تطوير (BMPs) خلال عملية "أتالانتا" بصورة مخصصة لمعالجة تهديد القرصنة الصومالية، التي تشمل في الأساس قوارب صغيرة وهجمات مسلحة، في حين تكون التهديدات الأمنية في منطقة البحر الأحمر أكثر تنوعا وشدة. 
ونظرا لاستخدام الحوثيين أسلحة متقدمة، مثل الصواريخ والطائراتِ المُسيّرة، يجب مراجعة (BMPs) لاستيعاب تدابير تعزيز أمان السفينة تصميمها لهذه المخاطر، ومثل نظم المراقبة المتقدمة وأنظمة الإنذار المبكر. علاوة على ذلك، يجب أن تخضع برامج تدريب الطواقم للمراجعة بهدف استيعاب التمارين والبروتوكولات المتعلقة بمعالجة هجمات الصواريخ والطائرات المُسيّرة، ومراقبة الأضرار، والاتصالات في حالات الطوارئ.
ومن الممكن أن تستوحي أزمة البحر الأحمر قدرات (ISAS) التي تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والتعاون الإقليمي وأنشطة بناء القدرات كاستراتيجية واحدة من هذا القبيل. ويكون الهدف الأساسي لـ(ISAS) تحسين جمع المعلومات وتبادلها بين الجهات المعنية الدولية وشركاء الشحن البحري والدول الساحلية. 
ويمكن لـ(ISAS) أن تقدم صورة شاملة ومحدثة للوضع الأمني في البحر الأحمر باستخدام قدرات مثل مراقبة الطائرات المُسيّرة وتحليل البيانات بقوة الذكاء الاصطناعي والصور الفضائية. وسيتيح هذا الوعي الموقفي المحسّن إمكانية توفير دعم لوجستي أكثر كفاءة واستجابة للحوادث وتنسيق العمليات البحرية. بالإضافة إلى ذلك، ستعطي (ISAS) الأولوية لإشراك أصحاب المصلحة المحليين وتعزيز القدرة الإقليمية من خلال مبادرات لنقل التكنولوجيا والتمارين التعاونية وبرامج التدريب. ومن خلال تعزيز الشعور المشترك بالمسؤولية والملكية بين أصحاب المصلحة الإقليميين، يمكن لـ(ISAS) أن تساعد في إيجاد حلول دائمة وطويلة الأمد لقضايا الأمن البحري في البحر الأحمر. يقدم هذا النهج الشامل نموذجا جديدا للتعامل مع ديناميات الأمن المعقدة لأزمة البحر الأحمر من خلال مزج الابتكار التكنولوجي مع التعاون الإقليمي وبناء القدرات.
ومن أهم وأكثر التدابير اللازمة هو وضع استراتيجية أوسع يمكن أن تعمل في ظل التعقيدات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر. ويجب على الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى أن تعقد قمة مع جميع اللاعبين الرئيسيين لوضع استراتيجية لحل أزمة البحر الأحمر. وسيكون الهدف الرئيسي لهذا الاجتماع هو وضع استراتيجية والحصول على موافقة لنهج شامل يحل المشاكل الأساسية للأزمة.

 

الخلاصة:
تُظهر عملية "أتالانتا" أهمية تبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي وتنفيذ إجراءات حماية السفن (BMPs) في تعزيز الأمن البحري. كما أظهرت فاعلية الشراكات العامة/ الخاصة بين القوات البحرية وصناعة الشحن التجاري في وضع استراتيجية شاملة لمعالجة المخاطر. تعتبر التحديات التي تواجه أزمة البحر الأحمر والاستخدام الفعّال للقوة البحرية متميزة، مما يستدعي تقييما مدروسا للدروس المستفادة من عملية "أتالانتا".
و تنشأ في المنطقة منافسات سياسية طويلة الأمد وتشكل تحديا للقدرة على تطوير شراكات إقليمية.
ويُقيّد غياب إطار تعاون إقليمي قوي تطبيق الدروس السابقة على الأزمة الحالية. 
ولكي تنجح عملية "حارس الازدهار" في تأمين البحر الأحمر، يجب معالجة هذه الصعوبات المعقدة.


التعليقات