قُتل سبعة مسؤولين إيرانيين، بينهم اثنان من كبار القادة العسكريين، في غارة جوية على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، يوم الاثنين، بهجوم يُعتقد على نطاق واسع أنه إسرائيلي.
ويقول الخبراء إن الهجوم هو الأكبر من نوعه على أهداف إيرانية منذ أمر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب باغتيال قاسم سليماني، وهو قائد إيراني كبير، في بغداد عام 2020. وقد تضطر إيران الآن إلى الرد رغم عدم رغبتها في حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وتهاجم إسرائيل المصالح الإيرانية ومصالح الدول والجماعات المتحالفة معها في سورية منذ سنوات كجزء من استراتيجية "حملة الجمع بين الحروب" لردع وتدمير التهديدات الناشئة لأمنها. وزادت مثل هذه الهجمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما هاجمت حركة حماس المدعومة من إيران إسرائيل، ما أسفر عنه مقتل 1200 شخص واختطاف 250 آخرين، ما تسبب بحرب إسرائيلية مدمرة في غزة.
لكن الخبراء يقولون إن هجوم الاثنين كان بمثابة تصعيد كبير، حيث استهدف مجمع السفارة وقتل قائدا كبيرا في الحرس الثوري الإيراني، وتعتبره إيران اعتداء على سيادتها وأراضيها بموجب القانون الدولي.
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم؛ لكنها زعمت أن الهدف كان “مبنى عسكريا لفيلق القدس (الوحدة التابعة للحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن العمليات الخارجية)". وقال المتحدث باسم القوات الإسرائيلية، الأدميرال دانييل هاغاري، لشبكة (CNN): “هذه ليست قنصلية، وليست سفارة”.
إن الانتقام في شكل هجوم إيراني مباشر على إسرائيل غير مرجح، لأنه سيدعو إلى تبادل الهجوم في الأراضي الإيرانية، وقد يجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية.
وفيما يلي خيارات إيران:
* استهداف المصالح الأمريكية
حمّل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الولايات المتحدة المسؤولية عن الهجوم، وقال إن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت، في وقت مبكر صباح الثلاثاء، القائم بالأعمال السويسري في طهران، الذي يمثل المصالح الأمريكية في البلاد، ونقلت له "رسالة مهمة إلى الإدارة الأمريكية باعتبارها داعمة للنظام الصهيوني... يجب أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة".
وقال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم الرشيد في العاصمة واشنطن: "يبدو أن الإيرانيين يحملون الولايات المتحدة مسؤولية ما فعلته إسرائيل، بنفس القدر الذي تحمل فيه الولايات المتحدة إيران مسؤولية ما تفعله المليشيات العراقية"، وفقا لما نقلته عنه مراسلة "سي إن إن" باولا نيوتن.
لقد انخرطت إيران بالفعل في صراع بالوكالة على مستوى منخفض مع الولايات المتحدة من خلال المليشيات المتحالفة معها في سورية والعراق. لكن هذا الصراع تراجع منذ مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن في يناير/ كانون الثاني الماضي. وردت الولايات المتحدة بتنفيذ عشرات الضربات على سبعة مواقع على الأقل في أنحاء متفرقة من العراق وسورية.
وقال بارسي إن خطاب إيران منذ الهجوم على السفارة يشير إلى أن هذه “الهدنة” مع الولايات المتحدة ربما تكون قد انتهت.
وأضاف: "هذا يعني أن الهجوم الإسرائيلي على إيران قد وضع هدفا على ظهور القوات الأمريكية في الشرق الأوسط".
وتتواجد القوات الأمريكية في المنطقة على مقربة من المليشيات المتحالفة مع إيران، لكن الهجوم على الولايات المتحدة ردا على العمل الإسرائيلي من شأنه أن يترك إسرائيل دون عقاب، وربما يدفع طهران وواشنطن إلى مواجهة مباشرة، يقول المحللون إن أيا منهما لا يرغب في ذلك.
وكانت آخر مرة شنت فيها إيران هجوما مباشرا على المصالح الأمريكية في العام 2020 عندما أطلقت القوات الإسلامية وابلا من الصواريخ البالستية على قاعدة أمريكية في العراق، ردا على مقتل سليماني قبل أيام. وكان ذلك هو الهجوم هو الهجوم الأوسع نطاقا على قاعدة تضم قوات أمريكية منذ عقود.
ومع ذلك، حاولت واشنطن أن تنأى بنفسها عن الهجوم الإسرائيلي الذي وقع يوم الاثنين. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لشبكة (CNN)، يوم الثلاثاء، إن إدارة بايدن لم تكن متورطة وليس لديها علم مسبق بضربة الاثنين، وأن الولايات المتحدة "أبلغت إيران بهذا مباشرة".
* حشد الوكلاء ضد إسرائيل
إن وكيل إيران الأكثر قدرة على محاربة إسرائيل هو حزب الله اللبناني. ويقال إن الحزب المليشياوي لديه حوالى 150 ألف صاروخ ومقذوفات موجهة بدقة على مقربة من إسرائيل، وقد أثبتت قدرتها على ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية.
لكن إسرائيل كانت تستعد للحرب مع حزب الله منذ أشهر، حيث قامت بإخلاء أكثر من 40 بلدة في شمالها. ويخوض الجانبان اشتباكات اقتصرت على بضعة كيلومترات على كل جانب من الحدود، رغم أن إسرائيل ضربت الشهر الماضي على مسافة تصل إلى 100 كيلومتر في العمق اللبناني.
وقال حزب الله إن ضربة يوم الاثنين لن تمر بدون ”عقاب"، لكن الخبراء شككوا في شهيته للدخول في حرب مدمرة مع إسرائيل.
ويمكن لإيران أيضا حشد مليشيات متحالفة أخرى في المنطقة؛ لكن قدرتها على إلحاق الضرر بإسرائيل محدودة بسبب مدى بعدها. لقد قام الحوثيون في اليمن فعلا بمنع التجارة الإسرائيلية والعالمية عبر البحر الأحمر، وقاموا ببعض المحاولات لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، إلا أن إسرائيل تقول إنها تمكنت من إفشالها. كما قامت المليشيات العراقية، الأقرب من الحوثيين، بمحاولات، معظمها غير مجدية، لضرب إسرائيل.
وقالت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث في لندن، إن من المرجح أن تستخدم إيران قواتها بالوكالة إلى جانب الجهود الدبلوماسية لعزل إسرائيل، لكن من غير المرجح أن تتصاعد بشكل كبير.
وأضافت: “يمكن تفعيل محور المقاومة”، في إشارة إلى شبكة المليشيات الموالية لإيران في المنطقة. وقالت لشبكة (CNN) إن من غير المرجح أن ينتقموا بهجمات واسعة النطاق، بل بسلسلة من الردود.
* مهاجمة المصالح الإسرائيلية في الخارج
بعد الهجمات السابقة على إيران، توقعت إسرائيل في كثير من الأحيان الانتقام الإيراني على مصالحها في الدول الأجنبية، وعززت الأمن في سفاراتها.
واتهمت إسرائيل إيران في الماضي بمحاولة استهداف بعثاتها الدبلوماسية في الخارج ردا على عمليات القتل الإسرائيلية المزعومة لعلماء ومسؤولين إيرانيين وكذلك الهجمات على منشآتها النووية. ونفت إيران هذه الاتهامات.
وفي العام 1992 أدى انفجار قنبلة في السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين إلى مقتل 29 شخصا. وألقت إسرائيل باللوم في ذلك على حزب الله وإيران. وفي العام 2012، تم استهداف دبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا وتايلاند، وهو ما ألقت إسرائيل وآخرون باللوم فيه على إيران، وهو ما نفته.
واقترح جلال رشيدي كوتشي، عضو البرلمان الإيراني، في منصة (X)، أنه يجب على إيران الانتقام بضرب السفارة الإسرائيلية في أذربيجان.
وقال فاكيل إن من غير المرجح أن تهاجم إيران البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج، مضيفا أن طهران “على الأرجح لا تريد أن تفقد أي امتياز” حصلت عليه من هذا الهجوم.
وأضافت: "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك الكثير من الانتقادات بأن إيران فقدت قدرتها على الردع"، مضيفة أن طهران ستحاول إظهار أنها تحتفظ بهذه القدرة دون إثارة حرب أكبر.
ويقول محللون إن الجمهورية الإسلامية قد تضطر إلى التحرك هذه المرة نظرا للطبيعة التصعيدية لهجوم يوم الاثنين، لكنهم يحذرون من أن طهران ربما تقع في الفخ. إن حرباً أوسع مع إسرائيل تشمل إيران يمكن أن تجتذب الدول الغربية إلى جانب إسرائيل في وقت أصبحت فيه إسرائيل معزولة بشكل متزايد على المسرح العالمي بسبب سلوكها في غزة.
وكتب فالي نصر، الأكاديمي المختص بشؤون الشرق الأوسط والمستشار السابق لوزارة الخارجية، على منصة (X): “الكرة الآن في ملعب إيران. إسرائيل تستفز إيران وتدفعها إلى الرد. ومن المرجح أن تنتظر إيران وقتها ولا تدع القصة المتعلقة بإسرائيل تتغير من غزة إلى سوريا وإيران".
وقال فاكيل من "تشاتام هاوس" إن من غير المرجح أن ترد إيران بهجوم عسكري مباشر. وبدلاً من ذلك، فمن المرجح أن "تبني على هذا الزخم من الإدانة الدولية للحرب في غزة"، مما يؤدي إلى تأجيج المخاوف الدولية من حرب إقليمية أوسع نطاقاً وعزل إسرائيل بشكل أكبر.
وقالت لشبكة (CNN)، إنه مع العلم أن المنطقة الأوسع، أي إسرائيل والولايات المتحدة، ترغب في تجنب حرب أكبر، ستحاول طهران استخدام هذه الديناميكيات لكسب بعض الوقت والتفضيل لنفسها.
وقالت: "أعتقد أن إيران ستلعب أوراقا متعددة في وقت واحد"، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والمواجهات العسكرية منخفضة المستوى عبر الوكلاء والهجمات الدبلوماسية.
وطلبت إيران بالفعل عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي "للتنديد القاطع بانتهاك القواعد الدولية"، بحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومع ذلك، فإن عدم القيام بعمل عسكري مباشر "يخلق خطرا كبيرا بالنسبة لإيران، حيث سيكون لدى إسرائيل الوقت والمساحة لتفكيك جبهات محور المقاومة واحدة تلو الأخرى (ربما بدعم مباشر وحتى مشاركة الإدارة الأمريكية القادمة) بمجرد القيام بعمليات كبرى"، كتب فرزان ثابت، الباحث البارز في مركز الحوكمة العالمية في سويسرا، على منصة (X).
إن مثل هذا التغيير يمكن أن يؤثر بشكل خطير على قدرات إيران في المنطقة.