أواخر أكتوبر/تشرين الأول، بدأت حركة الحوثيين في اليمن شن حملة من الهجمات الصاروخية والطائرات المُسيّرة على أهداف إسرائيلية إلى جانب سفن الولايات المتحدة وحلفائها، مدعية محاولتها إجبار المجتمع الدولي على التدخل لوقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
ومع ملاحظة أن معظم هذا القصف يتم اعتراضه أو يفشل في تحقيق أهدافه بفارق كبير، بدأ الحوثيون في 19 نوفمبر/تشرين الثاني في استهداف سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل التي تعبر البحر الأحمر، عبر اقتحام واحتجاز سفينة الشحن "غالاكسي ليدر"، في بداية الأمر، بواسطة مروحية، دون أن تتمكن تشكيلة الأمن البحري التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تضم أكثر من 20 دولة، والمعروفة باسم عملية حارس الازدهار، من ردعهم، كما لم تنجح القوات البحرية الأوروبية وحتى الصينية التي نُشرت في وقتٍ لاحق قبالة سواحل اليمن من فعل ذلك، فيما قادت الهجمات إلى تجنب عديد خطوط الشحن المرور في البحر الأحمر، وأبطأ حركة الشحن التي زادت تكاليفها.
ويشير مسؤولون دوليون عمومًا إلى الحوثيين كتهديد لحرية الملاحة والتجارة العالمية.
وفي النصف الأول من فبراير/ شباط، شهدت قناة السويس، عند مدخل البحر الأحمر، تراجعًا بنسبة 42٪ في حركة المرور الشهرية، وانخفاضًا بنسبة 82٪ في حمولة الحاويات مقارنة بذروتها عام 2023، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
وفي منتصف يناير/ كانون الثاني، بعد أكثر من 20 هجومًا للحوثيين على السفن التجارية، قادت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حملة تضم 14 دولة لـ"تقويض وردع" هجماتهم عن طريق ضرب منشآت إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيّرة ومخازنهم والأهداف المرتبطة بها مثل محطات الرادار ومنشآت الدفاع الجوي.
وصاغ المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى اليمن، (تيموثي لندركينغ)، الذي يحاول التوصل إلى تسوية في اليمن منذ بداية 2021، الاستراتيجية قائلًا: "يمكن للحوثيين أن يستمروا في ذلك أو يمكنهم التوقف ونعود إلى السلام".
ومع عدم قدرة القوات الدولية على وقف هجمات الحوثيين، بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نهاية يناير/ كانون الثاني، بتنفيذ ضرباتٍ "ديناميكية" على أسلحة الحوثيين التي يتم رصدها وقت إطلاقها على السفن التجارية.
وبحلول بداية فبراير/ شباط، دمرت الضربات التي تقودها الولايات المتحدة أكثر من 100 صاروخ ومنصة إطلاق، بما في ذلك صواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيرة وأجهزة رادار وطائرات مائية غير مأهولة ومعدات أخرى، وفقًا لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية.
ومع ذلك، لم ينجح النهج الأكثر تفاعلية في ردع الحوثيين، الذين نفذوا في منتصف فبراير/ شباط ضربة جديدة أدت إلى تعطل سفينة تجارية تحمل علم بليز ومسجلة في المملكة المتحدة تدعى إم/كي روبيمار، حيث تسرب منها النفط واضطر طاقمها مغادرتها.
في 22 فبراير/ شباط، قالت (صابرينا سينغ)، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الدفاع الأمريكية، إن هناك "زيادة في الهجمات من الحوثيين، وزيادة في التواصل" خلال الأيام العديدة الماضية.
وأشارت تقارير صحفية إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين استنتجوا أن الضربات وحدها لا تعمل، فيما يزعم بعض المسؤولين أنه من غير العملي الاستمرار في إطلاق صواريخ تكلف عدة ملايين من الدولارات على طائرات الحوثيين وصواريخهم الرخيصة.
ويواجه قادة ومخططو الجيش الأمريكي صعوبة في تفسير عدم تحقيق حملة الضربات الجوية أهدافها.
في حديثٍ غير رسمي، أشار بعض المسؤولين إلى نقص المعلومات الدقيقة حول حجم ترسانة الحوثيين كتحدٍ حاسم.
وقدمت إيران الدعم للحوثيين -الذين يظهرون الآن كأنهم العضو الأكثر نشاطًا في "محور المقاومة" التابع لطهران- بمجموعة واسعة من صواريخ الهجوم البحري والطائرات المسيرة المسلحة والصواريخ الباليستية ذات المدى المتوسط منذ طرد الحوثيين للحكومة اليمنية من العاصمة صنعاء عام 2014.
وأكد عدة مسؤولين للصحفيين أن المخابرات الأمريكية ما زالت تفتقر لتقدير النسبة المئوية للمعدات الحوثية التي تم تدميرها فعليًا.
وقال أحد كبار المسؤولين العسكريين للصحفيين: "إنهم يستمرون في مفاجئتنا، وليس لدينا فكرة جيدة عمّا لديهم بعد الآن".
ومن غير المعروف أيضًا ما إذا كان الحوثيون لا يزالون يتلقون إمداداتٍ من إيران، وفي حال كانوا يتلقونها فليس معروفًا بأي درجة وإلى أي حد.
وقام التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة بالاعتراض على عديد الشحنات الإيرانية، لكن ما إذا كانت هناك تسليمات إضافية تمر دون اكتشافها لا يزال أمر غير معروف.
وأثارت التحديات في ردع وتقليص قدرات الحوثيين تساؤلات حول ما إذا كانت هناك حاجة لتغيير في استراتيجية الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده.
ويرى البعض أنه لا ينبغي على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تصعيد حملته ضد ترسانة الحوثيين، بل يجب أن يستمر في الدعوة إلى تسوية سياسية في اليمن. ووفقًا لهذه الحُجة، فإن التسوية في اليمن ستشترط وقف الهجمات الحوثية على البحر الأحمر كشرط.
ولا تزال المحادثات بين الحوثيين وممثلي السعودية ووسطاء أمريكيين وإقليميين حول التسوية السياسية مستمرة بلا انقطاع على الرغم من أزمة البحر الأحمر، ورغم عدم تحقيق أي تقدم.
ويرى آخرون أن الوسيلة الوحيدة الممكنة لوقف الهجمات الحوثية هي الضغط لإنهاء الحرب في غزة، التي تعتبر أساس التبرير العلني لهجمات الحوثيين.
ويشير أولئك الذين يرون أن حل الحرب في غزة هو الأمر المركزي لوقف الهجمات، إلى أن الحوثيين أوقفوا إطلاقاتهم خلال وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 والإفراج عن الرهائن من حماس، واستؤنفت الهجمات بعد استئناف إسرائيل هجماتها.
ويُعارض عديد المسؤولين والخبراء نهج الاستسلام تجاه الحوثيين، وفي الوقت نفسه، يعارضون استمرار استراتيجية الردع والتقليص الحالية التي لم تحقق أهدافها. وبدلًا من ذلك، هناك دعواتٍ متزايدة في واشنطن وبشكل أقل في لندن لتصعيد كبير.
ويرى البعض أن الاستراتيجية الوحيدة الممكنة لإجبار الحوثيين على التراجع هي القيام بعملٍ عسكري ضد النظام في طهران، الداعم الرئيسي للحوثيين، فيما يعترض النقاد على هذا النهج مؤكدين أن الهجوم على الأهداف الإيرانية سيؤدي إلى توسع حرب غزة لتصبح صراعًا إقليميًا. كما يشكك الكثيرون في مدى تأثير إيران على سياسة الحوثيين، مشيرين إلى أن طهران تجاهلت إلى حد كبير التمرد الحوثي في اليمن حتى احتلال الحركة لصنعاء عام 2014.
وبحلول نهاية فبراير/شباط، بدأت الدعوات في واشنطن لتصعيدٍ كبير ومباشر ضد قوات الحوثيين في اليمن في اكتساب زخم.
ويدعو خبراء بارزون وبعض المسؤولين الأمريكيين السابقين إلى دعم الولايات المتحدة للعمليات القتالية البرية ضد الحوثيين كوسيلة وحيدة لإجبار الحركة على تغيير سياستها.
ودعا عدة شهود في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب نهاية فبراير/شباط إلى استراتيجية برية ضد الحوثيين، تُنفذ عن طريق تسليح وتوفير الدعم الجوي القريب لقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
ويؤكد المؤيدون لمواجهة الحوثيين على الأرض أن ذلك لن يتطلب نشر أي قوات أمريكية أو أوروبية في اليمن.
ووفقًا لدراسة سياسية لمعهد الشركات الأمريكية في فبراير/شباط 2024: "سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يُخاطروا في شيء أكثر قيمة بالنسبة للحوثيين مما يحققونه من هذه الهجمات على الشحنات. والشيء الوحيد الذي يفي بهذا الحد هو سيطرة الحوثيين على الأراضي اليمنية، والتي أثبت الحوثيون أنهم سيضحون من أجل الحفاظ عليها."
ويمكن تصور نسخة بديلة من التوصية بدعم إعادة مشاركة السعودية والإمارات في القتال البري ضد الحوثيين، مع توفير دعم جوي أمريكي وثيق، متجاوزة على الأرجح وقف إطلاق النار الضمني الساري منذ أبريل/ نيسان 2022. ومع ذلك، لا تزال السعودية والإمارات مترددتين في إعادة القتال، حتى لو كان لديهما الدعم العسكري الأمريكي الذي فقداه خلال الفترة من 2015-2022.
ومن المرجح أن استئناف القتال البري سيؤدي إلى استئناف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة المسلحة من قبل الحوثيين على الأراضي السعودية والإماراتية، وهو نتيجة تسعى كلا الحكومتين لتجنبها.
ويرى آخرون أن استئناف العمليات البرية في اليمن سيزيد من تدهور الوضع الإنساني المأساوي في البلاد.
وعلى الرغم من المخاطر التي قد ينطوي عليها التصعيد الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين، إلا أن التهديد المدرك الذي يشكله الآن الحوثيون للمصالح الحيوية للولايات المتحدة والغرب تكاد تضمن استمرار تعزيز الدعوات إلى بديل للنهج الحالي وزيادة قوتها.