في غمرة الحرب على غزة، والهجمات التي يشنها وكلاء إيران في المنطقة، يثير مراقبون تساؤلات حول برنامج إيران النووي: إلى أين وصلت جهودها لتخصيب اليورانيوم؟ وهل اقتربت من تصنيع السلاح النووي؟
الاثنين، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز احتياجات الاستخدام النووي التجاري رغم ضغوط الأمم المتحدة لوقف ذلك. وأضاف أنه يريد زيارة طهران الشهر المقبل للمرة الأولى منذ عام لإنهاء "الانجراف بعيدا".
وتيرة متسارعة
في حديثه لرويترز بعد أن أطلع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على الموضوع، قال غروسي إنه على الرغم من أن وتيرة تخصيب اليورانيوم تباطأت قليلا منذ نهاية العام الماضي، لا تزال إيران تقوم بالتخصيب بمعدل مرتفع يبلغ نحو حوالي سبعة كيلوغرامات من اليورانيوم شهريا بنسبة نقاء 60 بالمئة.
ويتم تصنيع قنبلة بنفس القوة التي دمرت مدينة هيروشيما باليابان، باستخدام 16 كيلوغراما فقط من اليورانيوم عالي التخصيب، وفق مقال رأي بالخصوص نشرته، الاثنين، صحيفة "واشنطن تايمز".
في تصريح نقلته شبكة فوكس نيوز، قال بهنام بن طالبلو، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، "إن التبجح الإيراني بشأن برنامجهم النووي وصل إلى مستويات جديدة وغير مسبوقة".
وأضاف أن "طهران تلمح إلى أن لديها كل أجزاء السلاح النووي في مكانها ولكنها مفككة".
ثم استدرك "يجب أن يكون هذا التعليق بمثابة إنذار لأي شخص يعتقد أن تحويل مسار المواد الانشطارية هو الشيء الوحيد الذي يجب منعه".
يذكر أنه في عام 2022، قال كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية "لقد قمنا بزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 60% في أيام قليلة فقط، ويمكن بسهولة تخصيبه إلى 90%".
مستويات إشعاع خطرة
يتابع معهد العلوم والأمن الدولي بشكل منتظم أعمال إيران ونواياها العدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، وقدرتها على تحويل هذه النوايا إلى واقع عملي، من خلال البناء المحتمل أو الفعلي للأسلحة النووية.
و"كما هو الحال مع مستويات الإشعاع التي يتم قياسها بواسطة أي عداد، فإن أي مستوى أعلى من الصفر-في هذه الحال- يمثل درجة من الخطر" يقول المعهد الذي يراقب جهود إيران في مجال تخصيب اليورانيوم، والتهديد المباشر على العالم.
وقد تفاقم هذا التهديد المتزايد جزئيا بسبب هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والعمليات العسكرية الإسرائيلية اللاحقة في غزة، ثم الهجمات التي نفذتها الجماعات الوكيلة لإيران في المنطقة، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي، وحزب الله، وأنصار الله ( الحوثي).
وهذا الوضع المتقلب في المنطقة، يوفر لإيران "فرصة فريدة ومبرراً لبناء أسلحة نووية" وفق معهد العلوم والأمن الدولي.
وتؤدي الصراعات المستمرة في المنطقة، على وجه التحديد، إلى إهمال التهديد النووي الإيراني في وقت بلغت فيه قدرات الأسلحة النووية لطهران حدا أكبر من أي وقت مضى.
وجاء في تقرير للمعهد بالخصوص "إلى جانب انخفاض الشفافية بشأن برنامجها النووي، فإننا، للمرة الأولى منذ سنوات، نواجه احتمالاً حقيقياً بأن تختار إيران بناء أسلحة نووية".
والتخصيب بنسبة 60 بالمئة يجعل اليورانيوم قريبا من درجة صنع الأسلحة، وهو ليس ضروريا للاستخدام التجاري في إنتاج الطاقة النووية.
هندسة في متناول الإيرانيين
يتطلب صنع قنبلة ما هو أكثر بكثير من مجرد اليورانيوم المخصب، يتطلب الأمر أيضا وجود متفجرات تقليدية قوية لتكوين الكتلة الحرجة من اليورانيوم، وأجهزة إطلاق إلكترونية لجعل كل ذلك يحدث في جزء من الثانية.
تتطلب هندسة القنبلة مستوى عال من المهارة، وبعد أن تسربت المعرفة اللازمة من الدول النووية السبع المعروفة خلال الثمانين عاما الماضية، وصلت على ما يبدو لطهران.
يمتلك الإيرانيون فيزيائيين ومهندسين من الدرجة الأولى "لذا ليس هناك شك في قدرتهم على إنجاز المهمة إذا توفر لهم الوقت والموارد الكافية".
ولا ينبغي لأي دولة أن تكون قادرة على صنع القنابل فحسب، بل يجب أن تكون قادرة على تصميمها بحيث يمكن إطلاقها، وهو ما تسعى إيران لتحقيقه "بسرعة" وفق "واشنطن بوست".
وتنفي إيران سعيها للحصول على أسلحة نووية لكن لم تقم أي دولة أخرى بالتخصيب إلى هذا المستوى دون إنتاجها.
وبموجب اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية، والذي لم يعد ساريا، كان على إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمئة فقط.
وبعد أن سحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على طهران، انتهكت إيران القيود النووية للاتفاق وتجاوزتها.
وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق أن إيران أبطأت في الفترة بين يونيو ونوفمبر من العام الماضي وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى ثلاثة كيلوغرامات شهريا، لكنها قفزت مرة أخرى إلى معدل تسعة كيلوغرامات في نهاية العام.
يذكر أن طهران منعت ثلث فريق التفتيش الأساسي التابع للوكالة، ومنهم كبار الخبراء، من المشاركة في المراقبة المتفق عليها لعملية التخصيب، ما يجعل مستويات التخصيب التي بلغتها إيران غير معروفة بشكل دقيق.