شهدت ليلة السبت موجةً ثالثة من الضرباتِ الأمريكية والبريطانية التي استهدفت 36 هدفاً حوثياً في اليمن، مما دفع الجماعة المتطرفة إلى التعهد بمواصلة الهجمات على الشحن التجاري في البحر الأحمر.
الهجوم تم دعمه من قبل ست دول أخرى، بما في ذلك كندا وهولندا والبحرين. و أعلنت الولايات المتحدة أن الضربات استهدفت 13 موقعاً في جميع أنحاء اليمن، وأصابت مرافق تخزين الأسلحة تحت الأرض وأنظمة الصواريخ وقدراتٍ أخرى قام الحوثيون المدعومون من إيران باستخدامها لشنِّ هجماتٍ على شحنات البحر الأحمر.
وبرر وزير الخارجية البريطاني، (ديفيد كاميرون)، الضربات، قائلاً: "لقد أصدرنا تحذيراتٍ متكررة للحوثيين. إن أفعالهم اللا مسؤولة تضع حياة الأبرياء في خطر، وتهدد حرية الملاحة وتقوض استقرار وأمن المنطقة. لذا كان يجب أن تتوقف هجماتهم". وقد سبق للولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن شنتا ضرباتٍ مشتركة في يناير/ كانون الثاني في الـ11 والـ23.
و جاء الهجوم في اليوم التالي باستهداف البنتاغون الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا وذلك انتقاماً لقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدةٍ عسكرية على الحدود الأردنية السورية قبل أسبوع.
ويضع الصراع الاستراتيجي الأكبر الولايات المتحدة -التي تحاول دفع طهران إلى ضبط قواتها المتحالفة في جميع أنحاء المنطقة- ضد إيران، و التي تصمم على مساعدة تلك القوات للضغط على الولايات المتحدة لمغادرة المنطقة وكي لا يتم تدمير حماس في غزة.
ومع ذلك، لا ترغب كل من واشنطن وطهران في الانزلاق إلى صراعٍ مباشر. كما أن طهران قد وضعت خطاً أحمر وذلك عن طريق إبلاغ الولايات المتحدة بعدم شنِّ أي هجومٍ مباشر على الأراضي الإيرانية، وهو المسار الذي يفضله العديد من الجمهوريين الأمريكيين.
وفسر وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) السبب وراء الهجمات على الحوثيين قائلاً: "تُرسل هذه الإجراءات الجماعية رسالة واضحة إلى الحوثيين بأنهم سيتحملون عواقب إضافية إذا لم ينهوا هجماتهم غير القانونية على الشحن البحري الدولي والسفن البحرية".
و قال نظيره البريطاني، (غرانت شابس) : "هجمات الحوثيين على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر غير قانونية وغير مقبولة، ومن واجبنا حماية الأرواح البريئة والحفاظ على حرية الملاحة. و لهذا السبب، شارك سلاح الجو الملكي البريطاني في موجةٍ ثالثة من الضربات المتناسبة والمستهدفة ضد الأهداف العسكرية للحوثيين في اليمن."
و أضاف: "هذا ليس تصعيداً. لقد استهدفنا بنجاح بالفعل منصات الإطلاق ومواقع التخزين المشاركة في هجمات الحوثيين، وأنا واثق من أن ضرباتنا الأخيرة قد أضعفت قدرات الحوثيين بشكل أكبر."
و قال المتحدث العسكري للحوثيين (يحيى سريع) إن الضربات "لن تمر دون ردٍ وعواقب".
كما قال الحوثيون بإنه تم شنّ 48 هجوماً، بما في ذلك 13 في العاصمة صنعاء.
و يختلف الخُبراء العسكريون والدبلوماسيون فيما إذا كانت الضربات ستقوم بتقويض القاعدة العسكرية والسياسية للحوثيين على ساحل البحر الأحمر وشمال البلاد، بما في ذلك صنعاء. و تُعتبر الجماعة -التي تمتلك سلاحاً وتتلقى توجيهاً من إيران ولكنها ليست وكالة عميلة بالكامل- قد اكتسبت هيبة في الشرق الأوسط من خلال تصدرها دور الدفاع عن شعب غزة.
وقد تمكنت ضرباتهم من ردع الشحن التجاري عن استخدام واحدة من أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، مما أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف النقل والأقساط التأمينية.
وبالتالي فإن ضربات اليمن، التي تدخل الآن أسبوعها الثالث، تُنفذ بالتوازي مع استمرار واشنطن في التصعيد رداً على الهجمات المتكررة على قواعد عسكرية أمريكية في العراق والأردن وسوريا. وقامت الولايات المتحدة بتنفيذ موجة الهجمات الأولى يوم الجمعة، و استهدفت بذلك أكثر من 85 هدفاً في العراق وسوريا، و كانت اهدافاً مرتبطة بحرس الثورة الإسلامية الإيرانية (IRGC) والميليشيات التي تدعمها، وقد أفادت التقارير بمقتل ما يقارب 40 شخصاً.
و على الرغم من أن الضربات في العراق، التي تم التلميح إليها من قبل البنتاغون لمدة أسبوع، لا يبدو أنها قد قتلت أي مستشارين عسكريين إيرانيين وتركزت بشكل كبير على مستودعات الذخيرة التابعة للمقاومة الإسلامية في العراق، وهي المجموعة المظلة للميليشيات التي تعمل في البلاد.
و طالبت العراق وروسيا بعقد اجتماعٍ طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، الاثنين، إدانة الإجراءات الأمريكية. حيث تعرض العراق، الذي يقع في خطر الصراع بين واشنطن وطهران، لغزو آخر لسيادته الشهر الماضي عندما استهدفت إيران مقراً يُزعم أنه مرتبط بجهاز الموساد في أربيل.
و أعادت الضربات إشعال جدلاً مستعراً ومستمراً بالفعل حول استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق وما إذا كانت في البلاد لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية أو لتعزيز مصالح الولايات المتحدة.
و صرّح مستشار الأمن الوطني العراقي، (قاسم الأعرجي) : "سوف تضع هذه الضربة العدوانية الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية، وكما أنها تتعارض أيضاً مع الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار المطلوب".
و كدليل على التعاطف العراقي، التقى الأعرجي بـ (أبو إدريس الشرفي)، الممثل الخاص لزعيم الحوثي (عبد الملك الحوثي)، الأسبوع الماضي، حيث "أكد الطرفان أن الحرب في غزة هي السبب في تصاعد التوتر في المنطقة وأن استمرارها يجرُّ المنطقة إلى حرب ذات عواقب وخيمة، لذا يجب أن تتوقف الحرب ويجب رفع معاناة الشعب الفلسطيني".
و في غضون ساعاتٍ من الضربات الأمريكية، أعلنت المقاومة الإسلامية أنها استهدفت ثلاث قواعد أمريكية في سوريا والعراق، بما في ذلك قاعدة التنف الواقعة في المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسوريا، وقاعدة أخرى في أربيل شمال العراق.
و اقتصرت بيانات الدعم للضربات الأمريكية والبريطانية على الحوثيين -على الأقل في البداية- على أستراليا وكندا والبحرين وهولندا ونيوزيلندا والدنمارك.
كما دعا رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل)، جميع الأطراف، السبت، إلى تجنّب مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط. و قال: "يجب على الجميع أن يحاولوا تجنب تصاعد الوضع وأن كل هجوم يسهم في التصعيد"، و قد أعرب الوزراء عن قلقهم البالغ إزاء هذه العملية.
وأضاف: " لايسعنا إلا أن ندعو الجميع ليفهموا أنه في أي لحظة من هذه السلسلة من الهجمات والردود، يمكن أن تنشأ شرارة تؤدي إلى حادث أكبر".
و يقوم الاتحاد الأوروبي حالياً بإطلاق بعثته البحرية الخاصة في البحر الأحمر في هذا الشهر، والتي تهدف إلى حماية الشحن الأوروبي وليس لتنفيذ عمليات هجومية.