مع توسع الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) في الهجوم البري على غزة، فإن تهديدات إيران بالانتقام على الغارات الجوية التي أودت بحياة ضابطٍ عسكري كبير واستمرار الهجمات من جانب الجماعات المدعومة من طهران في المنطقة تزيد من احتمالية نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط. وهي مخاطرة لا يمكن للرئيس الأمريكي (جو بايدن) أن يتحملها بينما يستعد لعام الانتخابات 2024.
و في وقت سابق هذا الأسبوع، تعهدت طهران بالانتقام عمّا وصفته باغتيال (سيد راضي موسوي) -مستشار كبير في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية- في سوريا.
و قيل إن موسوي كان متورطاً في توريد الأسلحة إلى حزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران في لبنان وسوريا التي تُكثّف هجماتها من الحدود الشمالية لإسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في غزة. وقد رفضت إسرائيل تأكيد أنها وراء الغارة الجوية التي أودت بحياة موسوي.
و لم يرد البيت الأبيض على استفسارات إذاعة صوت أمريكا حول ما إذا كانت إسرائيل قد أبلغت واشنطن مسبقاً بالضربات الجوية التي أودت بحياة موسوي، أو ما إذا كانت الإدارة تعتقد أنه لا يزال من الممكن احتواء الحرب في غزة.
•توسع الصراع
بعد اندلاع حرب غزة، قامت الولايات المتحدة على الفور بنقل أصول عسكرية إلى الشرق الأوسط كإجراءِ ردع وأبلغت طهران ووكلائها بالابتعاد عن المنطقة. ومع ذلك، هناك علامات على انتشار الصراع في المنطقة.
و في يوم الاثنين، أمر بايدن بشنِّ ضرباتٍ "ضرورية ومتناسبة" على كتائب حزب الله، الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، رداً على هجوم بطائرة بدون طيار أصاب جنوداً في قاعدة عسكرية أمريكية في أربيل، شمال العراق.
و أدانت بغداد الضربات الأمريكية كـ"عمل معادٍ" وانتهاكاً لسيادتها. ولكن مع وجود حوالي 3,500 جندي أمريكي في العراق وسوريا مباشرة في خطر النار، يقول المحللون إن بايدن لم يكن لديه خيار سوى الرد.
كما أعلنت الميليشيا الحوثية في اليمن المدعومة من إيران، الثلاثاء، و المعروفة أيضاً باسم أنصار الله، مسؤوليتها عن هجوم بصاروخ على سفينة حاويات في البحر الأحمر. و يُعد أحدث سلسلة من الهجمات على الشحن العالمي في الأسابيع الأخيرة التي دفعت واشنطن إلى إنشاء تحالف لقواتٍ بحرية متعددة الجنسيات لدورية الممرات المائية.
و يقول (مايكل نايتس)، زميل في معهد واشنطن الذي يركز على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، إن التصعيد لا يمكن تجنبه حيث تتنافس الجماعات المدعومة من إيران لإظهار دعمها لحماس.
وقال لصوت أمريكا: "بعض اللاعبين ضمن محور المقاومة، مثل الحوثيين، يُحاولون إظهار أنهم أكثر تفانياً في القضية من الكيانات العراقية أو اللبنانية أو السورية الأخرى"، مشيراً إلى الجماعات في المنطقة التي تتمتع بمستوياتٍ مختلفة من التقارب العسكري والسياسي مع طهران.
وأضاف: "البحر الأحمر هو القلق الحقيقي لأن الحوثيين أكثر صعوبة في الترهيب، خاصة لأن لا أحد يرغب في إعاقة عملية السلام في المملكة العربية السعودية".
فمنذ عام 2022، تجري المفاوضات بين السعودية والحوثيين في اليمن للتوصل إلى وقف دائم لإنهاء الحرب التي دامت ثمانية أعوام.
•"على حافة الحرب"
منذ بدء النزاع في غزة، شنّت إسرائيل اشتباكات شرسة عبر الحدود مع حزب الله في لبنان.
وتقول (إليشيفا ماكليس)، الأستاذة المشاركة في دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان: "الوضع حقاً على حافة الحرب".
و قد تم إجلاء عشرات الآلاف من الإسرائيليين من البلدات الحدودية في توقع لهجوم من حزب الله. ووفقاً لما أفادت به ماكليس لصوت أمريكا، فإنها "حالة لا يمكن تحملها" و قد تؤدي إلى تحويل الرأي العام لصالح توسيع الحرب نحو الشمال.
كما صرحت حكومة نتنياهو أن العمل العسكري ليس مستبعداً لضمان عودة المواطنين الإسرائيليين إلى منازلهم.
•خطر حرب إسرائيل
يقول (عمر رحمان)، زميل في مجلس الشؤون العالمية في الشرق الأوسط: "قرار إسرائيل في اغتيال عضو رفيع المستوى في الجيش الإيراني في دمشق هو استفزاز كبير"، وأضاف قائلاً: "حتى الآن، ظلت إيران بعيدة عن المشاركة المباشرة، ولكن إذا استُهدف قادتها، فسيصعب عليها الاستمرار على مسار ضبط النفس".
و إسرائيل لا تؤكد ولا تنفي تورطها في مقتل موسوي.
فإذا كانت إسرائيل وراء القتل، فمن غير الواضح ما إذا كانت تفعل ذلك كتحذير لطهران أم لإحداث رد فعل إيراني يعطي إسرائيل ذريعة لتوسيع الحرب، وفقاً لـ (تريتا بارسي)، النائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للسياسات الدولية المسؤولة، وهي مجموعة بحثية في واشنطن تدعو إلى ضبط النفس في السياسة الخارجية الأمريكية.
و أقر وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت) بأن البلاد "في حربٍ متعددة الجبهات، و تحت وابل من الهجمات في سبعة جبهات"، بما في ذلك غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران.
•ضغوط على إسرائيل
بينما يستعد الرئيس بايدن لانتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 مع استطلاعات الرأي يظهر أن معظم الأمريكيين يعارضون تعامله مع غزة، فإنه حريص على تجنب حرب واسعة، و بشكل سري، كانت إدارة بايدن تحث إسرائيل على ضبط النفس في لبنان.
أما فيما يتعلق بغزة، بدأت الولايات المتحدة في إطلاق نداءاتٍ علنية ومستعجلة لإسرائيل للانتقال إلى مرحلة أكثر تحديداً وجراحية في الحرب. ومع ذلك، تزايدت غارات إسرائيل بشكلٍ مُكثّف. و منذ ليلة عيد الميلاد، قتلت غاراتها المئات من الفلسطينيين، وكان العديد منهم في مخيمات اللاجئين.
وفي تصريحات أصدرها حزبه ليكود، الاثنين، قال نتنياهو: "سنوسع المعركة في الأيام القادمة".
وقد استمرت الضغوط الأمريكية على إسرائيل، الثلاثاء، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) ومستشار الأمن القومي (جيك سوليفان) مع (رون ديرمر)، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، في واشنطن. ومن بين المواضيع المتعلقة بغزة، تركَّز الاجتماع على "الانتقال إلى مرحلة مختلفة من الحرب لتعزيز التركيز على أهداف حماس ذات القيمة العالية"، و الخطوات العملية لتحسين الوضع الإنساني وتقليل الأذى الملحق بالمدنيين"، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض أفاد به لصوت أمريكا.
و يعد هذا الاجتماع آخر محطة في حملة دبلوماسية استمرت عدة أشهر من قِبل أعلى مساعدي بايدن مع الفاعلين في المنطقة، مع التشديد على زيادة المساعدات لسكان غزة وصفقات الإفراج عن الرهائن، حتى في حين يواصل تقديم المساعدة العسكرية والدعم الدبلوماسي لإسرائيل.
و في الأمم المتحدة، عملت السفيرة الأمريكية (ليندا توماس-غرينفيلد) مع الدول العربية للتوصل إلى لغةٍ مشتركة في قرار بشأن توقفاتٍ مؤقتة في القتال وآليات توصيل المساعدات الإنسانية يمكن أن تمتنع عن التصويت عليها الولايات المتحدة للسماح باعتمادها من قِبل مجلس الأمن.
كما قال (پارسی) من معهد كوينسي لصوت أمريكا: "يُحاول بايدن لكل الحلول الممكنة ما عدا الحل الأكثر وضوحاً: وقف إطلاق النار في غزة، حيث سينهي وقف إطلاق النار الهجمات على قوات الجيش الأمريكي، وينهي الهجمات على السفن في البحر الأحمر ومن المرجح أن يهدأ أيضاً الحدود اللبنانية الإسرائيلية."
و تقول الولايات المتحدة وإسرائيل إن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة سيسمح لحماس بإعادة تجميع قواتها.
فمنذ 9 أكتوبر، قتلت غارات إسرائيلية وعملية برية ما يقرب من 21،000 شخص في غزة، وفقاً للسلطات الصحية هناك. و قتلت هجمات حماس المفاجئة في إسرائيل في 7 أكتوبر 1،200 شخص. و هذا العنف هو أكثر حلقات الصراع الإقليمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين دموية على مرِّ العقود.