تحليل: 100 هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار..شرح مفصل لازمة البحر الاحمر
يمن فيوتشر - فورين بوليسي-كريستينا لو- ترجمة ناهد عبدالعليم: الجمعة, 22 ديسمبر, 2023 - 09:43 مساءً
تحليل: 100 هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار..شرح مفصل لازمة البحر الاحمر

تتراجع شركات الشحن عن المواجهة والعبور في البحر الأحمر، بسبب موجة من هجمات الصواريخ التي يشنُّها الحوثيون.
وحتى الآن، قامت المجموعة اليمنية المدعومة من إيران بتنفيذ ما لا يقل عن 100 هجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار على اثنتي عشرة سفينة في البحر الأحمر، وفقاً للمسؤولين الأمريكيين، وهددت باستهداف جميع السفن المتجهة نحو إسرائيل، سواء كانت تحمل علماً إسرائيلياً أو تعمل تحت إشرافها. ولتجنب مصيرٍ مُماثل، علقت شركات الطاقة والشحن الكُبرى، بما في ذلك شركتا "بي بي" و"ميرسك"، عملياتها هناك، مما أثار هزةً في أسواق الطاقة ودفع بأسعار النفط العالمية للارتفاع وفي وقت قريب سيتأثر كل شيء آخر. 
والبحر الأحمر هو ما يربط بين آسيا وأوروبا فيما يتعلق بسفن الشحن، لذا يشعر العالم أجمع بالتعطيلات.
وقال ريتشارد برونز، رئيس الجغرافيا السياسية في شركة "إينرجي اسبكتس" للأبحاث: "هذه الهجمات التي شنّها الحوثيون أثارت قلقاً في أسواق الشحن العالمية، وتأثر تدفق سلع الطاقة والسلع الأخرى والبضائع. إنها طريقة شحن حرجة حقاً، لذا فإن أي اضطراب قد يؤدي إلى تأخيرات وتكاليف إضافية، وهذا له تأثير وتداعيات في العديد من أركان الاقتصاد العالمي".
ووفقاً للتقارير، يبدو أن واشنطن تُفكر في شنِّ ضربة على قاعدة الحوثيين في اليمن، بعد أيام قليلة من إعلان تشكيل قوة مُتعددة الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر. ومع ذلك، لم يكن عزم أمريكا كافياً لردع الحوثيين، الذين على العكس تعهدوا بتصعيد هجماتهم واستهداف سفن الحرب الأمريكية إذا نفذت واشنطن هجمات في اليمن.
وفي الوقت الذي يُهدد فيه تصاعد الأزمة شركات الشحن المترقبة وأسواق الطاقة، تناولت مجلة "السياسة الخارجية" أزمة البحر الأحمر وما يمكن أن تعنيه للتجارة العالمية.
فقد استولت جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، على مناطق واسعة من شمال اليمن بعد جهود استمرت سنوات للحصول على السلطة، والتي أدت في النهاية إلى اندلاع حربٍ أهليةٍ مُدمرة في البلاد عام 2014. وبعد سنوات من القتال بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف الذي تقوده السعودية، قُتِل ما لا يقل عن 377,000 شخص بحلول نهاية العام 2021، وتقدر الأمم المتحدة أن 70% منهم كانوا أطفالاً تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
ويقول الخبراء إن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تأتي في إطار محاولةٍ لتعزيز الدعم المحلي وتعزيز مكانة الجماعة الإقليمية، في حين أن شعبية الحوثيين لم تتوقف عن الارتفاع منذ بدء هذه الهجمات. وكجزء من "محور المقاومة" الإيراني، تعهد الحوثيون بمُهاجمة السفن المارة في البحر الأحمر حتى تُنهي إسرائيل قصفها لقطاع غزة. صحيح أنهم فريق إيران الثانوي، لكنهم قادرون على إحداث تأثير في بعض الأحيان.
كما يقول إبراهيم جلال، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. ويضيف: "إنهم يسعون لتحقيق مكانة أكثر ريادة في المنطقة، كحركة مقاومة جوهرية ضمن محور المقاومة الإيراني".
ووفقاً لقوله، فإن الحوثيون يرغبون أيضاً في أن يُصوَّروا كفاعلٍ مخرب قادر أيضاً على توفير الأمن من خلال وقف الهجمات.
ومن خلال استهداف السفن المُتجهة نحو إسرائيل، تقوم إيران، من خلال وكلائها الحوثيين، بالأساس بما تقوم به واشنطن والغرب من خلال العقوبات الاقتصادية، أي تشديد الخناق. ويقول كيفن بوك، المدير الإداري لشركة" كليرفيو" لشراكة واستشارات الطاقة: "ما فعلوه مُشابهٌ للغاية من الناحية المِعمارية للعقوبات الثانوية الغربية. وفي الأساس، حاولوا جعل أي شخص لديهِ صلة بإسرائيل أو يتاجر معها عرضة للهجوم أو لمخاطر الهجوم".


•لماذا يُعد البحر الأحمر مهم جداً؟
يقع البحر الأحمر بين المملكة العربية السعودية ومصر والسودان، وهو مدخل إلى قناة السويس وأحد الممرات التجارية العالمية الرئيسية، حيث يُسيطر على نحو 12% من التجارة العالمية وحوالى ثلث حركة حاويات الشحن العالمية. ومع عبور ما يصل إلى 19,000 سفينة سنوياً عبر قناة السويس، يُعتَبَر المدخل نقطة ضغطٍ استراتيجية في تجارة الطاقة والسلع.
و يقول بوك: "لطالما كان هناك الكثير من الاهتمام بنقاط الخنق للنفط والشحن، لأنها قد تكون صغيرة نسبياً من الناحية الجغرافية ولكن لها تأثير عالمي. وفي بعض الأحيان، يُحاول خصوم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الاستفادة من تلك النقاط الحساسة، لأنها يمكن أن تمارس تأثيراً كبيراً على الديناميات العالمية".
ومع قلقها من هجمات الحوثيين، قامت قائمةٌ متزايدة من شركات الطاقة الكبرى وشركات الشحن، بما في ذلك" بي بي" و"إكوينور"، و"ميرسك"، و"إيفرجرين لاين" و"إتش إم إم"، بتغيير مسار سُفنها أو تعليق عملياتها في البحر الأحمر. وبدلاً من الملاحة عبر البحر الضيق، اضطر ما لا يقل عن 100 سفينة إلى السفر حول جنوب أفريقيا، وهو انحراف يمكن أن يزيد مسافة رحلة السفينة آلاف الأميال ويؤدي إلى تأخير البضائع لعدة أسابيع.
وفي الوقت الحالي، سيعني ذلك فقط تأخيرات وتكاليف أعلى واستمرار التشويش، وليس تعطيلاً كاملاً للتجارة العالمية. وقال برونز من مؤسسة الطاقة: "لقد كانت هذه الهجمات كافية لجعل بعض شركات الشحن تتردد في الاستمرار في استخدام البحر الأحمر. ولكننا لم نصل إلى مرحلة توقف جميع الشحنات أو تغيير مسارها، أو وجود أي احتمال لذلك النوع من التعطيل على هذا النطاق الكبير".


•كيف تستجيب واشنطن لهجمات الحوثيين؟
تستجيب واشنطن، التي تمتلك حالياً ما لا يقل عن ثلاث مدمرات متمركزة بالقرب من البحر الأحمر، بإسقاط عدد لا يحصى من طائرات الدرون الحوثية واعتراض الصواريخ التي يتم إطلاقها على السفن المارة. ولضمان حرية الملاحة، أعلنت واشنطن أيضاً هذا الأسبوع تعبئة 10 دول أخرى لتشكيل قوة مهمة جديدة تسمى "عملية حارس الازدهار".
ومن المقرر أن تشمل العملية البحرين وكندا وفرنسا واليونان وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا والمملكة المتحدة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، رغم أن التفاصيل لا تزال غامضة ولا يزال هناك ارتباك مستمر حول شكلها. فعلى سبيل المثال، أفادت وكالة "رويترز" بأن إيطاليا قد أعلنت أنها سترسل فرقاطة إلى البحر الأحمر ضمن خُططها طويلة الأجل، وليس كجزء من عملية حارس الازدهار. ووفقاً لوكالة (FP)، فقد وافقت عدة دول أخرى أيضاً على المشاركة في قوة المهمة؛ ولكنها فضلت أن تظل مجهولة الهوية (العديد من الدول العربية لا ترغب في أن تظهر وكأنها تدافع عن إسرائيل في الوقت الحالي).
و تعكس هذه الحقيقة "مدى صعوبة تجميع هذا الائتلاف وربما الحماس المحدود للعديد من البلدان لكونها مرئية جداً في مواجهة هذا التهديد والوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه المسألة"، وفقاً لما صرح به برونز.
وعلى ما يبدو، لم تتراجع جماعة الحوثيين عن استمرار القتال. 
ووفقاً لما نشره محمد البخيتي، أحد كبار المسؤولين في جماعة الحوثيين، على منصة (X)، المعروفة سابقاً بتويتر: "حتى لو نجحت أمريكا في تعبئة العالم بأسره، فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقف ما لم تتوقف جرائم الإبادة في غزة وتسمح بدخول الغذاء والدواء والوقود لسكانها المحاصرين، مهما كانت التضحيات التي تكلفنا".
وقد يعني ذلك استمرار الغموض بالنسبة لشركات الطاقة والشحن، حيث ينتظر العديد منها تأكيدات أكثر قوة واستقراراً حتى يشعروا بالراحة في استئناف عملياتهم في البحر الأحمر.
"من وجهة نظر شركة الشحن أو شركة الناقلات، أعتقد أن من الآمن القول بأنهم سيتحلون بالحذر حتى يحصلوا على بعض الشعور بتغير المخاطر الأساسية"، وفقًا لما صرح به بوك من (ClearView). كما أقرت شركة "ميرسك" بأن تحويلاتها في الشحن ستتسبب في تعطيل العمليات، لكنها أكدت أن سلامة طواقمها هي الأهم.

وقد يشهد المستقبل المزيد من التوترات، حيث تُفيد التقارير بأن واشنطن تفكر في شنِّ ضربات عسكرية تستهدف قاعدة الحوثيين في اليمن إذا فشلت القوة المهمة في إحباط الهجمات المستقبلية. وهدد الحوثيون بشن هجمات على سفن الحرب الأمريكية رداً على ذلك، مما قد يمهد الطريق لتصعيدات مستقبلية.
كما يمكن للولايات المتحدة أن تُعيد فرض العقوبات التي فرضتها سابقاً على شخصيات حوثية رئيسية كإجراء للردع، ولكن المملكة العربية السعودية غير مقتنعة بهذه الفكرة، حيث تحاول الرياض التفاوض لإنهاء المأزق الطويل الأمد في اليمن وتشعر بقلق من أن الخطط الأمريكية العنيفة قد تعقد عملية الانسحاب.

 

•ما هو الحساب السعودي المُحدد هنا؟
بعد سنواتٍ من المشاركة في حرب اليمن، ترغب الرياض في الانسحاب. فقد عملت المملكة العربية السعودية على تحرير نفسها من تلك الحرب والتوصل للسلام مع كل من طهران -حيث تم تطبيع العلاقات بين القوتين في مارس/ آذار- والحوثيين.
ومع اقتراب السعودية والحوثيين من تحقيق اتفاق سلام، يقول الخبراء إن الرياض اتبعت نهجاً حذرا، حيث أصبحت حذرة من اتخاذ أي خطوات قد تعرض الهدنة الهشة مع طهران للخطر أو تعرقل عمليات التفاوض السلمي. 
لكن استمرار التصعيد في البحر الأحمر قد يعرقل خطط الرياض.
و قال بوك: "إذا هاجمت الولايات المتحدة أهدافاً في اليمن، فإنها لن تهدد فقط الهدنة التي تم التوصل إليها بين السعودية والحوثيين، بل قد تتدخل في هذه الهدنة بين إيران والمملكة".
وقد يهدد ذلك واحداً من أكبر مُنتجي النفط ومصدريه في العالم في وقتٍ تتداول فيه أسعار النفط الخام بالفعل فوق 70 دولاراً للبرميل.
وفي حال حدوث ذلك، قال بوك: "فإن مخاطر الإنتاج يمكن أن تعود، وهذا سيغير الوضع، مما قد يزيد من المخاطر الإيجابية المحتملة على أسعار النفط الخام".


التعليقات