خلفت الحرب الممتدة في اليمن لأكثر من ثمانية أعوام، أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم على حد توصيف الأمم المتحدة، حيث أفضت الى وضع معيشي صعب وانتشار حالة من القلق والاكتئاب في أوساط المجتمع الذي لايزال كثير من ابنائه ينظرون الى هذه المشكلات على انها نوع من المس الشيطاني، وهو الأمر الذي أوجد مناخا ملائما لتوسع مهنة المعالجة بالقرآن.
"لابد أن ابنتي مصابه بالعين والحسد" هكذا شخصت والدة فادية " اسم مستعار" الحالة التي كانت تعانيها ابنتها. كانت الشابة العشرينية فادية تعاني من اكتئاب حاد جعلها شاردة الذهن تقضي معظم وقتها في غرفتها رافضة الحديث مع اي شخص، حيث لاحظ الجميع التغيير الكبير في حالها فقررت والدتها معالجتها بالقرآن.
تقول الطبيبة النفسيه أمل الرياشي لموقع يمن فيوتشر" إن الأمراض النفسية لا تظهر اعراضها وتشخيصها في الفحوصات لذا يعتقد المريض أنه مصاب بالسحر او المس فيذهب للعلاج بالقران بناء على هذا الاساس.
وترى أن قلة الوعي بأن المرض النفسي مثله مثل اي مرض يتم علاجه، والخوف من الوصمة بالمرض النفسي تدفع الناس الى اللجوء للمشعوذين والمعالجين بالقرآن.
تضيف الرياشي أنه أيضا بسبب غياب ضمير المقري والمشعوذين وعدم وجود قانون ينظم وجودهم، فإن المريض يظن أن العلاج دائما لدى قارئ القرآن.
•مهنة رائجة
توجهت فادية رفقة أبيها وأمها الى منزل الشيخ الموصى به للعلاج في أطراف العاصمة صنعاء، حيث اتخذ من منزله مقرا للمعالجة بالقران، تقول "عندما وصلنا الى الشارع المؤدي لمقر إقامة الشيخ، كانت لافتات المعالجين بالقران منتشرة بكثرة في الشارع، حتى ان ابي قال مازحا "يبدو ان هذا هو سوق مشايخ القران".
تغييب دور الطبيب المختص وقصد المعالج بالقران لحل المشكلات النفسية والجسدية والاجتماعية، أوجد البيئة الخصبة لامتهان مهنة المعالجة بالقران، إذ يرجع دكتور علم الاجتماع محمود البكاري في تصريح ليمن فيوتشر، أسباب تقديم المعالج بالقران على الطبيب المختص، الى الجهل "لايزال البعض يجهل أهمية الطب الحديث، كل مرض وله طبيب مختص.. لكن الناس تثق بالطب البديل أكثر او المداواة بالقران".
ليس هذا فقط ما يدفع الناس للالتفات الى قارئ القران، والحديث للدكتور البكاري الذي يقول "الفقر واستغلال بعض الأطباء لمهنة الطب والسعي للكسب والثراء على حساب القيم الإنسانية، أصبح سلعة وليس خدمة وهنا يبحث الناس عن أسهل وأيسر الطرق لمعالجة المرض".
•استغلال مادي
على خلاف ما يعتقده الناس عن رخص تكلفة التداوي بالقران، فقد تفاجأت زينب "اسم مستعار" عندما طلب منها القارئ دفع 8000 ريال أي أكثر من 15 دولار أميركي، مقابل قراءة لم تتجاوز عشر دقائق.
"اخذ الشيخ المبلغ الذي طلبه وبنفس الوقت اعطاني ورقة مكتوب عليها بعض الأعشاب والزيوت والعسل، وأمرني بشرائها من محل وبائع معين، وكان عنوان المحل واسم البائع مرفقين أسفل ورقة الأعشاب، علمت حينها ان ما يحدث استغلال لحاجة الناس لاسيما في هذا الوضع الذي نعيشه"، تقول زينب.
وتضيف الفتاة أنها لجأت للعلاج بالقران عندما لم تجد علاجا لآلام ظهرها، بعد أن أجرت فحوصات وأشعة رنين مغناطيسي وأشعة مقطعية وخضعت لجلسات العلاج الطبيعي بتكلفتها الباهظة بعض الشيء " لكن الجميع يتاجر بأوجاعنا للأسف، الطبيب وأيضا الشيخ" وفقا لزينب.
أستاذ اصول الفقة بجامعة الإيمان سابقا جميل معليف، يصف ليمن فيوتشر اعتقاد الناس بمشايخ القران بأنه جهل "فأينما حل الجهل تحل الخرافة وعندما يتسامع الناس أن فلان يعالج بالقرآن، تنتشر هذه الخرافة انتشارا سريعا، وفي الوقت الحالي وبعد دخول الحوثي صنعاء، أصبح يعتمد على هذه الخرافة اعتمادا كبيرا، إذ ان كثير من قراء القرآن تحولوا الى مشعوذين للأسف ومتاجرين بدين الله، فمن كان صاحب رقية لا يأخذ مقابل وليعلم الناس كيف يرقوا أنفسهم، أما أن يخصص دكاكين وشقق ويستخدم السلك وغيره فهذه شعوذه".
•الغريق يتمسك بقشة
ساهم الوضع الاقتصادي المتدهور في تفشي البطالة وقلة فرص العمل، يحاول الشاب العشريني منصور علي التماس أدنى سبب لحل مشكلة تسريحه من الوظيفة وبحثه الطويل عن عمل دون جدوى، قائلا: "ما يحدث معي غير طبيعي، لابد أن هناك من وضع لي سحرا حتى اتعرقل بهذه الطريقة"، وعن مسألة ارجاع الناس كل شيء الى السحر وغيره يقول معليف "السحر والعين حق، ولكن ليس كما يتصدره العوام ان كل شيء سحر وعين، ما يحتاج الناس اليه من توعية هو أن المرء ما دام يستطيع القراءة فبمقدوره تحصين نفسه، لأن الشيخ لن يأتيه بقران جديد، إذ قد يذهب الرجل للشيخ وهو بخير ولا يخرج من عنده الا وقد أصيب بالمرض، فأغلب الشيوخ كذابين ومدعين للعلم"، حسب وصف أستاذ أصول علم الفقه.
أما فادية فبعد أن استمرت في العلاج بالقران لشهرين متواليين، لم يطرأ عليها أي تحسن كما تصف،"اقنع أبي وخالي أمي بضرورة العلاج النفسي، ولم تكد تمر سوى فترة قصيرة على الجلسات والعلاج النفسي، حتى بدأت أتحسن وأعود كما كنت ولله الحمد".
فادية هي نموذج للعديد من المرضى الذين يتداركون انفسهم ويغيروا وجهتهم في العلاج باختيار الجهة المناسبة.