بينما تكثف القوات الإسرائيلية هجومها على قطاع غزة بغرض القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بدأ دبلوماسيون في واشنطن والأمم المتحدة والشرق الأوسط ومناطق أخرى تقييم خيارات "ماذا بعد" إذا تمكنت إسرائيل من الإطاحة بالحركة التي تدير القطاع، والتحديات التي يواجهونها في هذا الصدد ضخمة.
يقول مصدر مطلع إن تلك المناقشات تشمل خيارات مثل نشر قوات متعددة الجنسيات بعد انتهاء التصعيد الأحدث في الصراع في غزة وتشكيل إدارة مؤقتة بقيادة فلسطينيين، لكنها تستبعد السياسيين المنتمين لحماس، ومنح دور مؤقت لملء الفراغ في الأمن والإدارة لدول جوار عربية وإشراف مؤقت من الأمم المتحدة على القطاع.
ووصف مصدر أمريكي آخر العملية بأنها لا تزال في "طور طرح الأفكار" بشكل غير رسمي.
وهناك أسئلة رئيسية بشأن الوضع منها ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن فعلا من القضاء على حماس كما توعدت وما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون وحكومات عربية سيلتزمون بالمشاركة بجنود للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين بما يتخطى ترددا بشأن الأمر قائما منذ فترة طويلة.
وقال البيت الأبيض يوم الأربعاء "ليس هناك خطط ولا نوايا" لنشر قوات أمريكية على الأرض في قطاع غزة.
ومع اكتساب تلك النقاشات قوة دافعة، تقول السلطات الصحية في غزة إن أكثر من تسعة آلاف قتلوا في القطاع الساحلي الضيق المحاصر المكتظ بسكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة نصفهم بالفعل من النازحين والمشردين، وإن المستشفيات المكدسة بالمرضى والمصابين والمحتمين بها لم يعد لديها وقود للكهرباء ولا أدوية ولم تعد تستقبل المزيد وضاقت الأرض فلم تعد هناك مواقع يمكن أن تساع القتلى والموتى في قبور.
كما لم يتضح أيضا إن كانت السلطة الوطنية الفلسطينية التي لها حكم ذاتي محدود في مناطق من الضفة الغربية المحتلة ستكون قادرة أو راغبة في تسلم إدارة القطاع. وطرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الثلاثاء احتمالات "تجديد وإحياء" السلطة الوطنية لكن إدارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تلاحقها اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.
وأي كيان سيسعى لفرض السلطة على قطاع غزة بعد الحرب سيضطر أيضا للتعامل مع الانطباع العام بين الفلسطينيين بأنه مدين بالفضل في ذلك لإسرائيل.
شنت إسرائيل هجومها الشرس على القطاع بعد أن نفذت حماس هجوما مباغتا في السابع من أكتوبر تشرين الأول قتلت فيه 1400 في جنوب إسرائيل واحتجزت أكثر من مئتين.
وحتى إن تمكنت إسرائيل من الإطاحة بقيادات حماس، سيكون من شبه المستحيل القضاء على الشعور المؤيد للمسلحين بين سكان القطاع بما يزيد من مخاطر تعرض أي جهة تتولى إدارته لهجمات جديدة وهو ما قد يتضمن تفجيرات انتحارية.
ويقول آرون ديفيد ميلر وهو مفاوض أمريكي سابق في ملف الشرق الأوسط "إذا نجح الإسرائيليون في سحق حماس، أعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية تشكيل هيكل حكم هناك لديه مشروعية وفاعل".
وتابع قائلا "احتمالات ماذا بعد ذلك بالنسبة لي خيالية".
وتتزايد تلك النقاشات في وقت توسع فيه إسرائيل هجومها الجوي والبري والبحري الشرس على القطاع، لكنها أيضا مدفوعة بما يعتبره مسؤولون أمريكيون إخفاقا من إسرائيل في الخروج بتصور لما بعد المواجهة النهائية.
•كلفة إعادة الإعمار
يتنامى الإدراك لحقيقة أن حجم المساعدات الدولية المطلوب لإعادة إعمار قطاع غزة سيكون مهولا وهي أموال سيكون من شبه المستحيل الحصول عليها من حكومات غربية إذا ظلت حماس الجهة التي تديره.
وقال بلينكن، قبل دقائق من مغادرته يوم الخميس للقيام بزيارة لإسرائيل والأردن، إن اجتماعاته في المنطقة لن تتعامل فقط مع "خطوات ملموسة" لتقليل الضرر الواقع على المدنيين في قطاع غزة لكنها أيضا ستتطرق لأمور بشأن التخطيط لما بعد الحرب.
وقال بلينكن للصحفيين "نحن نركز على اليوم الحالي. نحتاج أيضا إلى أن نركز على ما بعد ذلك". وأشار إلى أنه يرى أساس السلام الدائم هو السير في طريق تقام في نهايته دولة فلسطينية، وهو هدف يقاومه منذ فترة طويلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
•دروس مستفادة
يقول مسؤولون أمريكيون في محادثات خاصة إنهم ونظراءهم الإسرائيليين تحدثوا عن استخلاص الدروس المستفادة من أخطاء وعثرات وقعت فيها واشنطن في غزوها للعراق وأفغانستان بما شمل الافتقار للإعداد والاستعداد لما تلا ذلك.
ومن بين الخيارات التي ناقشها مسؤولون أمريكيون تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحفظ النظام. ويمكن أن تشمل مزيجا من دول أوروبية وعربية رغم أن ليس هناك أي حكومة أبدت صراحة استعدادها للمشاركة في مثل تلك القوة.
وعلى الأرجح لن يرغب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أنهى في 2021 وجود بلاده العسكري الذي استمر عقدين في أفغانستان، في التورط في عمل عسكري مباشر في صراع أجنبي جديد بينما يسعى لإعادة انتخابه رئيسا في 2024.
طرح بعض المحللين السياسيين أيضا فكرة نشر قوة تدعمها الأمم المتحدة في قطاع غزة، إما على شكل قوة حفظ سلام رسمية تابعة للأمم المتحدة مثل الموجودة على الحدود بين إسرائيل ولبنان أو قوة متعددة الجنسيات بموافقة الأمم المتحدة.
لكن دبلوماسيين يقولون إن مثل تلك الخطوة ليست محل نقاشات في الأمم المتحدة وهو تحرك سيتطلب موافقة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وعددها 15.
وتواجه مثل تلك المهام في العادة عقبات ضخمة. في أكتوبر تشرين الأول 2022، طلبت هايتي مساعدة دولية لقتال عصابات تنتهج العنف. وبعد عام، أقر مجلس الأمن الدولي تشكيل بعثة أمنية أجنبية إثر تأخيرات بسبب مواجهة صعوبات كبرى في إيجاد دولة مستعدة لقيادة تلك المهمة. وتقدمت كينيا لذلك، لكن هايتي لا تزال في انتظار وصول البعثة فعليا لها.
ومما يعقد الأمور أكثر، ستعارض إسرائيل على الأرجح أي دور أمني للأمم المتحدة خاصة بعد أن انتقد مسؤولون إسرائيليون الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش بسبب قوله إن هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل "لم يأت من فراغ".
تتوقع إسرائيل أن يطول أمد الحرب لكنها تقول إنها ليست مهتمة بإعادة احتلال قطاع غزة.
•مظلة إقليمية
يقيم خبراء من خارج المنطقة، معروف عن بعضهم درايته بتفكير صناع السياسة الأمريكيين، تصورات عما قد يكون عليه الحال في قطاع غزة بعد الحرب.
ويقول دينيس روس المفاوض السابق لملف الشرق الأوسط ومستشار البيت الأبيض إن في حالة التمكن من تجريد حماس من "سلطتها القوية" ونزع السلاح في قطاع غزة "فإن ذلك قد يفتح الطريق أمام تشكيل إدارة مؤقتة بحكومة تكنوقراط يقودها فلسطينيون يعملون تحت نوع ما من المظلة الدولية أو الإقليمية أو كليهما".
وقال إن التفاصيل ستتطلب نقاشا معقدا تقوده الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى كبرى معنية ولها مصالح في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
لكن ليفلح ذلك، يقول روس إن على إسرائيل أن تحد الإطار الزمني لوجودها العسكري في قطاع غزة وإلا فإن أي كيان يحكم سيفتقر إلى الشرعية في عيون سكان القطاع.
اقترحت مقالة كتبها روس واثنان من زملائه في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن بمجرد انسحاب إسرائيل، يمكن أن يقوم بالدور الأمني في قطاع غزة "كونسورتيوم من خمس دول عربية توصلت لاتفاقات سلام مع إسرائيل وهي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب".
لكن هناك بعض التشكك في إمكانية التوصل لمثل هذا الترتيب. وقال ميلر الذي يعمل الآن في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن "الدول العربية لن ترسل جنودا على الأرض لقتل فلسطينيين".