تقرير: اتجاه مقلق في اليمن: الفصل بين الجنسين في جامعة صنعاء
يمن فيوتشر - مؤسسة كارنيغي-اسماعيل الاغبري: الثلاثاء, 26 سبتمبر, 2023 - 11:11 مساءً
تقرير: اتجاه مقلق في اليمن: الفصل بين الجنسين في جامعة صنعاء

نشرت وسائل إعلام يمنية، في آب/أغسطس الماضي، خبرا يفيد بفصل طالبة كانت تدرس في كلية الشريعة والقانون، وختم ملفها بالختم الأحمر بعدما قبّلت زميلتها على خدها، وهن في كافتيريا الطالبات. وذكرت مصادر أن سبب الفصل هو الاشتباه في أن الطالبة تميل إلى العلاقات المثلية.
هذا الإجراء العقابي تمارسه جماعة الحوثيين في صنعاء بحق النساء يوميا. يأتي فصل الطالبة في سياق أوسع يعمق سياسات يصفها يمنيون بالرجعية والتطرف. فقد بدأت جامعة صنعاء -التي تعد أكبر صرح تعليمي في البلاد - تطبيق إجراء جديد مع بداية العام الدراسي وهو الفصل بين الطلاب الذكور والإناث في كلية الإعلام للمرة الأولى منذ تأسيسها، وقُسمت أيام الدراسة في الأسبوع إلى ثلاثة أيام لكل جنس. شمل تطبيق هذا القرار لاحقا كليات أخرى مثل كليات التجارة والشريعة والطب.

 

قرار ذكوري
في أواخر تموز /يوليو الفائت أُعلن استئناف الدراسة في كلية الإعلام عبر ملتقى الطالب الجامعي وهي الجهة التي استحدثتها جماعة الحوثيين بديلا عن اتحاد الطلاب اليمنيين، وهذا الملتقى يتحكم في القرارات الأكاديمية- برُمتها-، وتضمن الإعلان تطبيق إجراء فصل الجنسين من الطلاب.
قوبل هذا القرار بالرفض من بعض الأكاديميين مثل سامية الأغبري رئيسة قسم الصحافة والنشر في كلية الإعلام الأمر الذي أدى إلى إقصائها من منصبها ليخلو مجلس الكلية من النساء تماما. يأتي هذا الإقصاء المبني على النوع الاجتماعي بوصفه نهجاُ منظما تمارسه سلطة أنصار الله في مناطق نفوذها. قالت الدكتورة سامية الأغبري1 في مقابلة أنها فوجئت بالقرار التعسفي بحقها، مؤكدة أن هذا لن يثنيها عن موقفها ضد قرار الفصل بين الجنسين، الذي وصفته بالكارثي ليس فقط على التعليم الجامعي، وإنما على مستقبل الأجيال القادمة أيضا.

 

اعتراض وتأييد
احتج طلاب جامعيون على القرار وأعلنوا إضرابا؛ لكن استطاعت الجماعة فرضه أمرا واقعا، وأفاد الطلاب في البيان الذي أصدروه أن قرار الفصل يظهر نظرة دونية، تضفي مزيداً من الافتراءات ضد الطالبات، لاسيما أن المرأة في اليمن تعيش في مجتمع محافظ يجرم هكذا افتراءات خطيرة تعيق الطالبات عن إكمال مسيرتهن التعليمية.
كذلك ندد ناشطون وحقوقيون بهذه الخطوات التي تهدد البنية المجتمعية. قالت أروى الشميري2 وهي ناشطة ومحامية في اتحاد نساء اليمن إن قرار فصل الفتية عن الفتيات في مؤسسات التعليم لا يخدم إلا أهداف التطرف الديني، بل ويخلق بيئة تتبنى أشد السلوكيات الاجتماعية عنفاً ورجعية، وأضافت بأنه قد يدفع المجتمع اليمني للتخلف عن الحداثة، ويبعده عن التحضر والتمدن، ويوجهه نحو جرائم التحرش والاغتصاب. وأكدت الشميري أن المجتمع اليمني لا يحتاج إلى الفصل بين الذكور والإناث، بل يحتاج إلى تعزيز التعايش بين الجنسين في إطار قانوني واجتماعي يحترم التزامات وواجبات كلا منهما.
عقب القرار، غرد وزير التعليم العالي حسين حازب على منصة توتير، أوضح فيها عدم اطلاع قيادة الوزارة بقرار كلية الإعلام، وأظهر اعتراضه على الفصل بين الذكور والإناث، ولكن أشار إلى أنه "لا مشكلة في الفصل بين الذكور والإناث كهدف نتفق معه جميعا للتخفيف أو منع ما يؤدي لرواج الحرب الناعمة1، ولتعزيز الهوية الإيمانية التي هاجرت عند البعض". هذه التغريدة زادت غضب الشارع الحقوقي حينما تبرر قادة الجماعة تصرفاتها بمواجهة الحرب الناعمة.
أما الرجل الأول في القيادة في صنعاء - محمد علي الحوثي – اقترح في تغريدة أن يوقع كل ولي أمر طالبة موافقته على الاختلاط وتحديد القاعة والأشخاص الذي يسمح لابنته بمخالطتهم. أثارت هذه التغريدة التي تطعن ضمنا في أخلاق اليمنيات، انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

تقلص رقعة التعليم وتسرب الفتيات
تمارس جماعة الحوثيين، منذ وصولها إلى السلطة، سياسات رجعية لا تختلف كثيرا عما يحدث في أفغانستان، أدت هذه السياسات المتطرفة إلى تقلُص رقعة التعليم، وإلى هجرة الأكاديميين من الجامعات. حازت المرأة اليمنية نصيب الأسد من التجهيل والحصار والتسرب من التعليم في الفترة الأخيرة بفعل عودة هذه التيارات الرجعية، وفي حال تمكنها من تعميم أفكارها سينعكس ذلك سلبا على الوضع العام لليمنيات.
ستخلف سلسلة القرارات الحوثية ضد الطالبات في اليمن جيلا يكون فيه الذكور متسلطين والنساء ضحايا، ومجتمع متفكك غير متماسك. وستؤثر هذه السياسات على الأُسر اليمنية وتُعمق سيطرة العقلية الذكورية، وسنشهد في الغد القريب نساء مهمشات ومزيداً من حوادث العنف المنزلي، وارتفاع نسب الطلاق، وسيتقلص عدد النساء القياديات والفاعلات في المجتمع، في حال استمرت الجماعة في تطبيق مثل هذه السياسات دون رادع أو حسيب.


التعليقات