الأخبار التي تفيد بأن المسؤولين السعوديين -الذين قادوا حملة قصف في اليمن منذ ثماني سنوات- التقوا بمسؤولي الحوثيين الذين سيطروا على جزء كبير من البلاد في 9 أبريل / نيسان لاحتمال تجديد الهدنة التي انتهت في أكتوبر / تشرين الأول و هذا يوحي بأنباء إيجابية، لكن الهدنة المتجددة التي لا تعالج الضرر الذي تسببت فيه الأطراف المتحاربة للمدنيين في اليمن لن تكون مستدامة بدون المُساءلة.
وتأتي المحادثات بعد أسابيع من ورود تقارير تفيد بأن المسؤولين الإيرانيين قد يتوقفون عن إرسال أسلحة إلى الحوثيين وأن المملكة العربية السعودية -التي يبدو أنها متورطة في الصراع نيابة عن الحكومة المعترف بها في البلاد- تبحث عن مخرج، و قد دفع هذا الجهات الفاعلة الدولية - بما في ذلك وسيط الأمم المتحدة في اليمن - للتعبير عن تفاؤلها بشأن إمكانية التوصل إلى هدنة ، أو حتى إنهاء رسمي للحرب.
و يُظهر غياب المدنيين اليمنيين عن هذه المناقشات عدم قدرة اليمنيين على تحديد ظروفهم الخاصة طوال فترة النزاع، كما يُظهر استعداد الجهات الفاعلة الدولية لإنهاء الحرب دون مناقشة العدالة والمُساءلة عن الضرر واسع النطاق الذي عانى منه المدنيون.
حيث تسببت الأطراف المتحاربة في مقتل ما يقارب 20 ألف مدني وارتُكِبت انتهاكاتٍ واسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، لذا تجد أن ثلثي سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
و استمر الصراع في اليمن بمشاركة العديد من الجهات الأجنبية الفاعلة.
و في حين أن المدى الكامل لعلاقة إيران مع الحوثيين وطبيعتها غير واضحين ، إلا أن إيران زودت الحوثيين بكميات كبيرة من الأسلحة، فضلاً عن الدعم السياسي!
و أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة طرفين في الصراع في مارس 2015 ، وقادتا تحالف دول في المنطقة شن غارات جوية ضد الحوثيين، و تلقى التحالف دعماً كبيراً من الدول الغربية القوية في شكل مبيعات أسلحة، لا سيما من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
ومنذ عام 2015 حتى عام 2020 بلغت اتفاقيات الأسلحة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية أكثر من 64.1 مليار دولار ، في حين باعت المملكة المتحدة أكثر من 23 مليار دولار من الأسلحة إلى البلاد منذ بداية الحرب، كما زودت الولايات المتحدة التحالف بالوقود في الجو والدعم التكتيكي ، بينما زودت المملكة المتحدة قوات التحالف بالتدريب.
ونفذت الولايات المتحدة بشكلٍ منفصل غاراتٍ جوية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن ، مما جعلها أيضاً طرفاً في الصراع.
وتسببت الضربات الجوية للتحالف في معظم الخسائر المدنية المحسوبة في الحرب، فلقد دمروا وألحقوا الضرر بالبنية التحتية المدنية ، بما في ذلك المنازل والمرافق الطبية والمدارس والأسواق ومصادر المياه والغذاء والبنية التحتية، بل و قد ترقى بعض الضربات الجوية للتحالف إلى جرائم حرب.
و وثقت "هيومن رايتس ووتش" وجماعات أخرى حالات تعذيب واختفاء قسري واحتجاز تعسفي من قبل قوات التحالف ، لا سيما من قبل القوات السعودية والإماراتية ، وكذلك القوات اليمنية المدعومة من الإمارات.
وبالتالي قام الحوثيون بإطلاق قذائف وصواريخ على مناطق مكتظة بالسكان في كل من اليمن والمملكة العربية السعودية مما أدى إلى مقتل وجرح مدنيين، و يشكل ذلك أيضاً جرائم حرب أخرى للحوثيين.
كما قاموا بزرع الألغام الأرضية في مناطق مدنية في جميع أنحاء البلاد؛ بما في ذلك الألغام الأرضية المضادة للأفراد المحظورة دولياً، كما تحدث فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة عن ممارسة الحوثيين للتعذيب على نطاق واسع.
و قام كل من التحالف والحوثيين بمنع وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية.
وفي خلال الهدنة الأخيرة رفض الحوثيون إعادة فتح الطرق المؤدية إلى تعز ، التي تم إغلاقها منذ عام 2015 ، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الضرورية ، على الرغم من اقتراح من المبعوث الأممي الخاص.
و على الرغم من خطورة الانتهاكات وانتشارها، إلا أنه لم يكن هناك أي مساءلة أو تعويضات للضحايا أو عائلاتهم.
على العكس من ذلك فقد نجحت المملكة العربية السعودية في الضغط على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان في عام 2021 لعدم تمديد تحقيق فريق الخبراء البارزين، وذلك عن طريق آلية الرصد والإبلاغ المستقلة الوحيدة التي كانت موجودة سابقًا في اليمن.
و تم تجاهل الدعوات لإنشاء آلية تحقيق جديدة وأكثر قوة في مجلس حقوق الإنسان منذ ذلك الحين بشكل كبير ، بما في ذلك من قبل الدول القوية التي لديها مبيعات أسلحة كبيرة إلى المملكة العربية السعودية ، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
و أشارت دول أخرى إلى لجنة التحقيق الوطنية التابعة للحكومة اليمنية -وهي هيئة تحقيق محلية غير فعالة تفتقر إلى الاستقلالية- لتجنب إجراء تحقيق تمس الحاجة إليه، وفي الوقت نفسه فإن وعود الأطراف المتحاربة بتقديم تعويضات عن الأضرار المدنية التي تسببت فيها لم تتحقق بالكامل تقريبًا.
و في الخريف الماضي، بعد خمسة أشهر من الهدنة التي دامت ستة أشهر ، كتبت 50 منظمة من منظمات المجتمع المدني رسالة مشتركة تفيد بأنه حتى مع تطبيق الهدنة ، فإن أطراف النزاع قد أحرزوا تقدمًا ضئيلاٍ أو معدوماً ... للتصدي للانتهاكات المستمرة والواسعة النطاق وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي أو لتعويض الضرر الذي ألحقوه بالمدنيين طوال فترة النزاع.
ودعت الرسالة المجتمع الدولي إلى "عدم الوقوف موقف المتفرج والسماح بالتصويت لحل مجموعة المراقبة "لتكون الكلمة الأخيرة في جهود المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب على نطاق واسع في اليمن.
و من أجل أن يكون هناك سلام طويل الأمد في اليمن ، يجب على المجتمع الدولي أن يدعو إلى إنشاء آلية تحقيق فعالة ومحايدة ومستقلة، ويجب أن نتأكد من أن أي هدنة تتضمن عملية عدالة انتقالية شاملة تشمل المجتمع المدني، وتعويضات من قبل الأطراف المتحاربة للضحايا.