على مدى ثمانِ سنوات، خلفت الحرب أضرارًا جسيمة في البنى التحتية لشبكة الطرق المعبدة في اليمن (التي تُعد أساسًا محدودة)، لا سيما في المناطق المكتظة بالسكان الواقعة في الثلث الغربي من البلاد. فوفقًا لتقديرات سلطات الحوثيين في صنعاء والحكومة المعترف بها دوليًا في عدن، تسببت العمليات العسكرية بتدمير ما لا يقل عن 100 جسر وحوالي ثلث الطرق المعبدة في اليمن (بطول 5 آلاف إلى 6 آلاف كيلومتر). زيادة على ذلك، سُخرت الطُرق لخدمة أهداف عسكرية حيث شرعت الأطراف المتحاربة في إغلاق الطرق الرئيسية القريبة من الجبهات، إما بسبب الأضرار التي لحقت بها خلال الاشتباكات، أو بهدف منع خصومها من الوصول إلى مناطق استراتيجية. ظلت الطرق التي لم تُغلق لأسباب عسكرية دون صيانة منذ بداية الحرب، مما جعل الكثير منها غير صالحة للسفر والتنقل وبالتالي يُضطر سائقو السيارات إلى سلوك طرق بديلة غالبًا ما تكون غير معبدة ومعزولة وغير مواتية لاستيعاب حمولة الشاحنات الثقيلة أو حركة مرور مكثفة.
يتزايد معدل وقوع الحوادث أو حالات الطوارئ على هذه الطرق الثانوية المعزولة بسبب التغطية المحدودة لشبكة الهاتف المحمول وخدمة الإنترنت، ونقص الخدمات المتاحة على جوانب الطرق، وغياب فِرق الإنقاذ في حال وقوع حالات طوارئ تستدعي التدخل. كما أن الوقت الطويل الذي يستغرقه التنقل أو السفر برًا عبر هذه الطرق المعزولة والمتهالكة ساهم في ارتفاع تكاليف نقل البضائع وغيرها من السلع الأساسية، في ظل نقص إمدادات الوقود، وارتفاع أسعار البنزين، وتضارب السياسات الضريبية والجمركية وسياسات إصدار التراخيص التي تتبناها السلطات المتنافسة، ما أثقل كاهل عدد كبير من اليمنيين المتنقلين عبر البر.
فضلًا عن ذلك، أصبحت إجراءات التفتيش التعسفية والاحتجاز وفرض الرسوم غير القانونية وغيرها من أشكال الابتزاز الممارسة عند نقاط التفتيش الأمنية والعسكرية التي تديرها كل جماعة من الجماعات المسلحة سمات شائعة في زمن الحرب تؤثر على السفر والتنقل داخل اليمن. ورغم مساعي الهدنة، التي استمرت ستة أشهر وتوسطت فيها الأمم المتحدة (ودخلت حيز التنفيذ لأول مرة في أبريل/ نيسان 2022)، في حلحلة مشاكل الطرق في اليمن، لا سيما الطرق المؤدية إلى مدينة تعز المحاصرة، إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الجانب ليكون بذلك العنصر الوحيد الذي لم يُنفذ من الاتفاق.
بحسب استطلاع الرأي الذي أُجري في إطار إعداد هذا الموجز السياساتي، ذكر الغالبية العظمى من اليمنيين المُستطلعة آراؤهم أن خيار السفر والتنقل لمسافات طويلة عبر البر لم يعد واردًا ما لم يكن لضرورة قصوى. من بين أبرز دوافع السفر الواردة في معرض الرد على استبيان عام جرى توزيعه على المشاركين: التزامات تخص العمل، وزيارة أقارب/ أفراد من الأسرة، والتماس العلاج الطبي في المستشفيات العاملة داخل اليمن، والوصول إلى المطارات للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج. ذكر غالبية المشاركين في الاستطلاع مسألة الأمن باعتبارها أولوية حتمية عند التخطيط للسفر أو التنقل عبر البر، مشيرين إلى اتخاذهم مجموعة من التدابير الاحتياطية كحذف أي معلومات حساسة من هواتفهم المحمولة وعدم الإفصاح عن وجهتهم الحقيقية للجنود المرابطين في نقاط التفتيش أو المنطقة التي قدموا منها، وعن انتماءاتهم السياسية والمناطقية أو طبيعة المهنة التي يزاولونها.
عادة ما يكون الصحفيون والنشطاء أو ذوو الانتماءات السياسية أو المناطقية المعينة أكثر عرضة للمضايقات والاستجواب والاحتجاز عند نقاط التفتيش. من جهة أخرى، تواجه النساء اليمنيات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون قيودًا مشددة على السفر والتنقل بسبب شرط وجود مَحْرَم. تنطوي سياسة المَحْرَم التي فُرضت منذ مارس/آذار 2022 على إجراءات معقدة (ومُكلفة) للحصول على موافقة/ إذن أحد الأقارب الذكور قبل السماح للمرأة من التنقل أو السفر، حيث يتعيّن التصديق على الموافقة من قِبل عدد من المسؤولين الحوثيين. أصبحت القواعد أكثر صرامة منذ ذلك الحين وغالبًا ما يُطلب حاليًا وجود المَحْرَم شخصيًا كمرافق أثناء سفر/ تنقل المرأة حتى إن كان بحوزتها الوثائق اللازمة التي تسمح لها بالسفر/ التنقل بمفردها. في بعض الحالات، قد تُحتجز النساء اللواتي يُعتبرن أنهن لم يستوفين هذه المتطلبات عند نقطة تفتيش إلى حين قدوم مَحْرَم لاصطحابهن. أما إن كانت المرأة ناشطة سياسية، أو موظفة في منظمة غير حكومية، أو تابعة لحزب سياسي معارض للحوثيين، فقد تُحتجز لعدة أيام، وتُجبر على دفع رشوة وتوقيع وثائق تتعهد فيها بالتقيُّد بتلك الشروط مستقبلًا. مع ترسخ هذا الواقع الجديد، بات واضحًا أكثر فأكثر أن سياسة المَحْرَم تهدف إلى تقويض مشاركة المرأة داخل المجتمع المدني.
لقراءة المادة كاملة من موقعها الاصلي:
أوزار الحرب على طُرق اليمن - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/19410