تسعى جماعة أنصار الله (الحوثيين) دون هوادة إلى التضييق على اليمنيّين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فالجماعة التي تكوّنت في جبال صعدة تحكم الآن معظم مناطق شمال اليمن، غير أنّها لا تعير خدمة الناس أيّ اهتمام، في حين لا تتوقف عن ابتكار التصوّرات التي تتعلق بالتضييق على المجتمع وحريته.
ومنذ استيلائها على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014، عمدت جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى استخدام مختلف مؤسسات الدولة لخدمة مشروعها الذي تتبدّى طائفيته في كلِّ يومٍ بأفكارٍ عقائديّة، وجيشٍ من المتحفّزين، وممارسات قمعية تسعى من خلالها الجماعة إلى فرض وصايتها على المجتمع.
ويعدّ مُشجِّعو كأس العالم في صنعاء أحدثَ ضحايا التضييق، بعد أن وصلت هذه الممارسات القمعية إلى الاستراحات والمقاهي التي تبثّ مباريات كأس العالم التي تستضيفها دولة قطر منذ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث فرضت عليهم سلطة صنعاء بثَّ حزمة من المحاضرات والأدعية والزوامل بين المباريات وفي فترة ما بين الشوطين.
في هذا السياق، قال مالك استراحة -فضّل عدم ذكر اسمه- لـ"خيوط"، إنّ مُسلَّحِين فرضوا عليهم هذا الإجراء وقاموا بتعميمه على عددٍ من الاستراحات والمقاهي.
في حين أكّد شخص آخر لـ"خيوط"، أنّه شاهد مباراة في استراحة بجولة تعز (جنوب صنعاء)، إذ تمّ فرض بثّ موادّ ثقافية بين المباريات. وتصل المدة الزمنية بين مباراة وأخرى في دوري المجموعات من بطولة كأس العالم إلى نحو ساعة، حيث يتم في هذا الدور بثّ أربع مباريات في اليوم الواحد.
•فرض الأفكار
تحقَّقت "خيوط" من خمس استراحات على الأقل مورس فيها نفس السلوك، وذلك باستغلال أوقات التوقف في المباريات ببثّ أدعية ومحاضرات مسجّلة بواسطة فلاش، يتم عرضها على الجمهور بشكل قسري.
وحسب ملّاك استراحات ومقاهٍ ومتنزهات، فإنّ مُسلَّحِين من جماعة أنصار الله (الحوثيين) اجتمعوا بهم وألزموهم بهذا الإجراء، وحين طُلب منهم خطاب رسمي، رفضوا وألزموهم بتنفيذ المطلوب، ما لم، فسيتم حبسهم.
وعبّر بعضهم عن انزعاجهم وقلة حيلتهم والتضييق عليهم في فترة تعتبر موسمًا مهمًّا لهم للعمل بالنظر إلى ما يؤدّي ذلك من الإضرار بهم من خلال تنفير الناس، كون روّاد الاستراحة من الرياضيين الذين يُحِبّون متابعة التحليل بين الشوطين والأخبار الرياضية بين كل مباراة وأخرى.
إلى ذلك، قال عبدالرشيد الفقيه، المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في منشور على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "آخر تقليعات جماعة الحوثيين لفرض تصوراتها على الناس، تتمثل باقتحام التفاعل الشعبي مع مباريات كأس العالم؛ حيث فرضت على الاستراحات عرض أدبيّاتها على الشاشات، في فترات ما بين المباريات، لقد منحت نفسها حق اقتحام متنفسات الناس لإجبارهم على الاستماع لخطاباتها وشعاراتها وزواملها".
وأضاف: "المؤكَّد أنّ كلَّ محاولات فرض الأفكار، تؤدّي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية، بغض النظر عن جودة هذه الأفكار أو رداءتها، وكل تجارب إكراه الناس باستغلال السلطة ومتاحاتها لاعتناق الأفكار، باءت بالفشل والبوار".
•تفرُّغ للتضييق
خلال فترة الهدنة، أثارت جماعة أنصار الله (الحوثيين) الكثيرَ من الجدل، من خلال مدونة السلوك التي فرضوها على الموظفين الحكوميين، إذ يؤكِّد مراقبون أنّ هذه التصرفات ما هي إلا بداية تفرُّغ الجماعة للتضييق على المجتمع ومحاولة تعسفه بكل الطرق.
وكانت سلطة الجماعة في صنعاء، قد أعلنت في وقت سابق من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، العمل بـ"مدونة السلوك الوظيفي" التي تلزم كل الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها بقواعد سلوك تُفرض على الجميع. وأثارت هذه المدونة انتقادات واسعة في أوساط الموظفين والسياسيين والناشطين داخل المناطق التي تسيطر عليها الجماعة وخارجها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُثير فيها سلطةُ صنعاء الجدل، فقد سبقها تصرف نادي الخريجين، الذي عمل على قمع فرحة الطلاب والطالبات الخريجين، وألزمهم بسلوك معين خلال احتفالات التخرُّج.
ويُحكِم "الحوثيّون" قبضتَهم الأمنية والأيديولوجية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكنهم يتنصّلون من كل التزاماتهم تجاه المجتمع، وسط غضب شعبيّ مكتوم تحت فوهة البندقية.