يمكن لكأس العالم لكرة القدم أن يهدي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تتويجا على إنجاز على مستوى عالمي، لكن من الممكن أيضا أن يتحول إلى فشل تتلذذ به أطراف عربية لديها خصومة مع الدوحة بسبب دعمها لحركات إسلام سياسي محظورة وما يعتبرونه تحركات تفوق حجمها على الساحة.
ويأمل أمير البلاد البالغ من العمر 42 عاما في أن يرسخ سير البطولة بسلاسة مكانة قطر كلاعب دولي شرعي، وأن تمثل المناسبة فرصة لإبراز القوة أمام الخصوم الإقليميين واسترضاء المحافظين في الداخل الذين يستاؤون من الانتقاد الدولي لبلدهم.
ويقول آلن فروميرز مؤلف كتاب (قطر: التاريخ الحديث) "نجاح كأس العالم بالنسبة لقطر سيعتبر بلوغا لذروة فترة حكم تميم وتأكيدا على أنه قادر، ليس فقط على تحقيق رؤية والده، بل أيضا على تدشين رؤية ومشروعات جديدة تخصه هو".
لاحق الجدل تنظيم قطر لكأس العالم 2022 منذ أن تم الإعلان عن أنها ستكون أول دولة في الشرق الأوسط وأول دولة خليجية تستضيف الحدث العالمي.
ونفى المنظمون نفيا قاطعا ما تردد عن رُشا قدمت للحصول على حق استضافة البطولة ودافعوا عن سجل قطر في مواجهة انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان والقيود الاجتماعية. كما تسبب تأجيل موعد انطلاق البطولة من الصيف لنهاية الخريف، تجنبا للحرّ اللافح في المناخ الصحراوي، في استياء البعض.
ورد الشيخ تميم، الذي تولى الحكم في 2013 بعد تنحي والده، على المنتقدين وندد بما وصفه بأنه محاولات شرسة لتشويه سمعة بلاده وازدواجية في المعايير، وأشار إلى إصلاحات أدخلتها بلاده على نظم وقوانين العمالة وترحيبها بالناس من كل الأطياف لحضور المباريات في اختبار لسعة صدر وتسامح المحافظين من المسلمين السنة في قطر.
وتتجه كل الأنظار الآن لأصغر دولة، من حيث المساحة، تستضيف كأس العالم الذي سيكون على الأرجح الأكثر تكلفة في التاريخ، إذ جرى تنظيمه بإنفاق نحو 220 مليار دولار وهو ما يفوق ما تكلفته روسيا في 2018 بنحو 20 مثلا.
ولا يمكن التعرف على الدوحة الآن مقارنة بما كانت عليه عندما فازت قطر باستضافة كأس العالم قبل 12 عاما. فقد تم شق طرق سريعة جديدة وتشغيل مترو وبناء ملاعب ومطار جديد وموانئ ومئات المباني والفنادق والمطاعم التي تستعد لاستضافة نحو 1.2 مليون زائر. وعملية البناء المحمومة تلك تقول عنها السلطات إنها كانت مدرجة في خطط بغض النظر عن البطولة لكن الفوز بالاستضافة سرع فحسب من وتيرتها.
وتقول سينزيا بيانكو الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "توجهات تميم كانت مركزة جدا خلال الفترة السابقة لكأس العالم... من خلال محاولة وضع قطر في مكان العداوات فيه أقل ما يمكن والصداقات فيه أكثر ما يمكن".
وأضاف "لقد فعل الكثير لكي يبرهن على أن قطر دولة في تقدم، دولة حديثة تمثل واجهة لكل التطورات".
وأضافت أن تميم قاد أيضا "سياسة مؤسسة على الإجماع" ليجني ثمار ذلك في شكل قوة ناعمة ومكانة دولية، وهي أصول مهمة لدولة صغيرة الحجم تعيش في منطقة مضطربة.
•شبكة أصدقاء
تعرض الشيخ تميم في 2017 لأول اختبار كبير بعد أن تولى الحكم عندما قاطعت السعودية وحلفاء لها قطر بسبب دعمها لإسلاميين تعتبرهم تلك الدول تهديدا لها وبسبب منحها منصة لمعارضين من هذه الدول ولتقاربها مع إيران وتركيا.
وقال مسؤولون قطريون إن بلادهم أوشكت على أن تتعرض لغزو عندما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا عليها لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة لحين إعلان الرياض إنهاء هذه المقاطعة تحت ضغط من الولايات المتحدة وفي محاولة لتحسين صورتها.
تحرك الشيخ تميم سريعا للحد من أضرار المقاطعة من خلال إيجاد مسارات تجارية بديلة وشركاء جدد، ولجأ، مثل والده من قبل، إلى شبكة معقدة من الصداقات التي نمت بفضل ثروات قطر من الغاز لحشد الدعم لبلاده.
أثارت سياسات قطر الإقليمية غير المعتادة غضب دول خليجية عربية جارة لقطر.
فقد دعمت الدوحة أطرافا مغايرة لما دعمته جاراتها خلال "الربيع العربي" في دول مثل مصر وليبيا.
وبينما تضم قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، استضافت أيضا مجموعة كبيرة ومتعددة من العناصر غير التابعة لدول وتُعتبر معادية للغرب بما في ذلك حركة طالبان الأفغانية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إضافة لأفراد من جماعة الإخوان المسلمين.
كما يعتبر كثيرون في المنطقة ومنذ فترة طويلة أن مضمون ما تبثه محطة الجزيرة القطرية تحريضي.
مآزق محتملة
لكن قطر تراكم لها رصيد مع الغرب بعد أن برزت كوسيط دبلوماسي في ملف أفغانستان ومسهل في بعض الأحيان لمسارات مع إيران وحليف أيضا لزعماء أوروبيين يواجهون في بلادهم أزمة في إمدادات الطاقة وكمستثمر كبير في أمريكا وأوروبا.
ويريد الشيخ تميم أن تظل بلاده في موقع اللاعب الفاعل الذي يقوم بأدوار على الساحة الدولية من خلال التحول أيضا لمركز نفوذ في مجال الرياضة.
وقال دبلوماسي أوروبي في قطر عن الانتقادات في أوروبا لاستضافة قطر لكأس العالم "لا يمكننا أن نتحمل نتائج إبعاد دول مثل قطر عنا". لكن إقامة كأس العالم بنجاح أمر أبعد ما يكون عن المضمون.
ويرى جيمس دورسي الزميل البارز في جامعة سنغافورة الوطنية أن هناك مآزق وشيكة منها التعامل مع النشطاء في بلد لا يستسيغ عادة معارضة النظام القائم، وشغب وصخب محتمل من المشجعين والجماهير إضافة لموضوعات ذات حساسية ثقافية مثل إظهار علني محتمل للعلاقات الحميمية بين المثليين.
والسيطرة على الحشود ستشكل تحديا آخر، إذ لا تزال تسكن الذاكرة كوارث تدافع وقعت مؤخرا في إندونيسيا وكوريا الجنوبية. وهناك مصدر قلق كبير آخر وهو التعرض لهجمات إلكترونية واختراق عبر الإنترنت.
ويقول دورسي إن قطر بمقدورها أن تستغل نجاح تنظيم كأس العالم كنقطة انطلاق للإصلاح.
وكتب قائلا "في النهاية، ومن أجل الاستفادة الكاملة من القيمة التي تحملها البطولة لسمعة البلاد، سيتعين على قطر بعد كأس العالم أن تمضي قدما في إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية حتى وإن انصرف عنها انتباه النشطاء".
أما الآن، فمحبو كرة القدم حول العالم، إضافة لأصدقاء قطر، وحتى خصومها يترقبون انطلاق كأس العالم يوم الأحد.
وقال محجوب الزويري مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر "هذا أول كأس عالم على الإطلاق في المنطقة. من يعلم متى سيتكرر ذلك؟ هذا أمر بالغ الأهمية".