تحليل: هدنة أم لا هدنة.. العدالة الانتقالية هي طريق اليمن الوحيد للتعافي
يمن فيوتشر - Atlantic Council- حورية مشهور- ترجمة غير رسمية الإثنين, 24 أكتوبر, 2022 - 10:45 مساءً
تحليل: هدنة أم لا هدنة.. العدالة الانتقالية هي طريق اليمن الوحيد للتعافي

أدى الإخفاق في تجديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان إلى خذل الملايين من اليمنيين، لا سيما أولئك الذين يأملون في إحراز تقدم حقيقي هذه المرة في تنفيذ شروط الهدنة، والتي تشمل رفع الحصار عن تعز - ثالث أكبر مدينة مأهولة بالسكان في البلاد- و التي يحاصرها الحوثيون منذ عام 2015 - ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. وأكد بيان صادر عن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانز غروندبرغ، استمرار المفاوضات رغم هذه الانتكاسة.
ومع ذلك، فإن هذه المشاورات لا تزال قاصرة عندما يتعلق الأمر بمبادئ العدالة الانتقالية. في الواقع، لا تستند أي من عمليات السلام في اليمن حقاً إلى نهج حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. يخشى الوسطاء الذين تحدثوا معي من أن معالجة قضايا العدالة الانتقالية تعقد العملية وتعيق التقدم في المفاوضات. بالنسبة لهم، الأولوية هي تأمين وقف إطلاق النار واسترضاء الأطراف الجالسة على طاولة المفاوضات. هذا التجاهل لحقوق الإنسان يضع مصالح أطراف النزاع فوق الآلاف، إن لم يكن الملايين، من الضحايا الذين تأثروا بالنزاع في اليمن.
إشراك النساء في العدالة الانتقالية
مع استكمال الحرب عامها الثامن منذ سبتمبر 2014، هناك حاجة حقيقية لدمج مختلف مكونات العدالة الانتقالية في عملية السلام. وهذا يشمل لجان الحقيقة، والمساءلة، والتعويضات، والحفاظ على الذاكرة الوطنية، والإصلاح المؤسسي، والمصالحة الوطنية.
يجب أن يتم ذلك بطريقة تستجيب للنوع الاجتماعي، مع الأخذ في الاعتبار على وجه التحديد احتياجات النساء والفتيات - ليس فقط كضحايا، ولكن أيضاً كأصحاب مصلحة فاعلين في آليات العدالة الانتقالية، بما في ذلك المشاركة النشطة في جميع هيئات المصالحة الوطنية.
لقد أثبتت المرأة اليمنية بالفعل قدراتها في هذا الصدد وغيره.. عندما تم استبعادهن من المشاركة الفعالة في مسار السلام الأول للوفود السياسية الرسمية، بما في ذلك أنشطة الوساطة المستمرة لمكتب مبعوث الأمم المتحدة، تولى نشطاء المجتمع المدني والقيادات النسائية القيادة بكفاءة في عمليات المسار الثاني. 
صممت المرأة اليمنية رؤية شاملة للسلام في اليمن، بناءً على مشاورات مع مئات من قادة المجتمع وعشرات النساء المؤثرات. تجلت هذه الرؤية في خارطة طريق السلام النسوية بدعم من مؤسسة مبادرة مسار السلام.
ما يميز خارطة طريق السلام هذه أنها تضع المجتمع، وخاصة ضحايا النزاع، في قلب العملية وتقدم توصيات تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. على سبيل المثال، تناقش خارطة الطريق تجنيد الأطفال والمختطفين والمعتقلين وانتهاكات حقوق الإنسان وآلية المساءلة الذاتية من خلال محاسبة المخالفين والمعارضين لشروط وقف إطلاق النار. وتوصي بجعل العدالة الانتقالية أولوية في مرحلتي التفاوض والانتقال، وتدعو إلى صياغة قانون عدالة انتقالية شامل ومراعي للمنظور الجنساني.
وبالمثل، قامت حركة المصالحة الوطنية، وهي مجموعة من الخبراء اليمنيين من جميع مناحي الحياة، بإنتاج خارطة طريق للسلام - خريطة تعبر عن تطلعات الشعب اليمني لإنهاء الحرب وبناء سلام مستدام.. يجب إدراج مثل هذه المبادرات وإدراج توصياتها في أي اتفاق سلام وما بعده.

لماذا العدالة الانتقالية تعود بالفائدة على الجميع؟
من المهم للوسطاء ووفود مفاوضات السلام أن يفهموا أن تدابير العدالة الانتقالية ليست في مصلحة الضحايا فحسب، بل يمكن أن تشمل مخرجاً آمناً للمنتهكين إذا اعترفوا واعتذروا وطلبوا الصفح والتزموا بعدم التكرار والتعويض المناسب للضحايا. بهذه الطريقة، يمكن إغلاق هذه الملفات بعد تحقيق رضا الضحية. بدون ذلك، تظل ملفات الانتهاكات مفتوحة ويمكن إحالتها إلى العدالة الجنائية المحلية أو المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، إذا لم يتم إنصاف الضحايا أمام المحاكم الوطنية، وذلك لأن مثل هذه الانتهاكات لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تندرج ضمن قانون التقادم.
ومع ذلك، هناك ميل للحديث عن المصالحة الوطنية كبديل أو غطاء للعدالة الانتقالية (المشار إليها في المناقشات في جهود الوساطة المحلية، التي تريد تكرار صفقة العفو لصالح علي صالح لعام 2011 في اتفاقيات السلام المستقبلية).
المنطق وراء ذلك هو قلب الصفحة على الماضي وليس فتح هذه الملفات التي من شأنها أن تنكأ الجراح. هذا المنطق ليس جديدا. يحدث ذلك بعد كل دورة عنف في اليمن، بما في ذلك النزاعات المسلحة بين 1962-1970 في الشمال، وحرب 1986 في الجنوب، والحرب بين الشمال والجنوب في 1994.
في الآونة الأخيرة، في عام 2012، تم العفو عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح - وجميع مساعديه - مقابل التنازل عن السلطة بعد حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود. تم منح صالح ورفاقه الحماية من الملاحقة الجنائية لدوافع سياسية، رغم أن هذه الحصانة لا تشمل مصادرة المنازل والأراضي والممتلكات الخاصة والعامة.
ادعى أولئك الذين عملوا على قانون الحصانة ودعموه أنه سيتم إنقاذ اليمن من الوقوع في دائرة جديدة من العنف. ومع ذلك، فقد حدث هذا الشيء على أي حال، واليوم يعتبر اليمن أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
إن العفو، دون معالجة جذور الصراع وأسبابه، لا يحقق السلام الدائم أو الاستقرار أو المصالحة الوطنية التي يقوم عليها التعافي المجتمعي.

الطريق إلى الأمام
العدالة الانتقالية هي نهج عادل وفعال تم تطبيقه من قبل العديد من البلدان التي شهدت حروبا أهلية عنيفة، مثل رواندا. وهناك أمثلة على دول أخرى نجحت في تجاوز نزاعات الماضي بشكل عادل ومنصف للضحايا، حيث جعلت المخالفين يقفون على قبح ما ارتكبوه بالاعتراف  وتحمل المسؤولية قبل الاعتذار وطلب العفو من الضحايا والالتزام بعدم التكرار.
وهذا ما يجب أن يدركه أطراف النزاع والوسطاء؛ إنهم بحاجة إلى دمج آلية مناسبة للعدالة الانتقالية في جميع عمليات السلام لضمان أن اليمن كدولة وشعب يتعافى بشكل مستدام.
تتخصص بعض المنظمات الحقوقية في هذا الموضوع، مثل الهيئة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات غير الحكومية، لكنها ليست كافية، وهناك حاجة إلى إنشاء لجان دولية على قدم المساواة مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كبديل لمجموعة الخبراء البارزين بشأن اليمن، التي تم إنهاء عملها العام الماضي.
وتتساوى في الأهمية المطالب بجعل عملية السلام أكثر استجابة للعدالة الانتقالية، لا سيما من خلال تسمية معرقلي عملية السلام ومنتهكي الهدنة واتفاقات السلام.
يوجد حالياً بعض التحسن في مشاورات السلام التي يقودها مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن من حيث تعزيز المشاركة الواسعة لتشمل المشاورات مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشباب والنساء والقوى القبلية وغيرها. في السابق، كانت تشمل المشاورات فقط طرفا الصراع, الحكومة المعترف بها دولياً من جهة، والحوثيين من جهة أخرى. ويمكن زيادة تحسين ذلك من خلال تصميم عملية سلام تستند إلى أولويات واحتياجات الضحايا والبدء في إشراكهم في المشاورات والمفاوضات، مع مراعاة القضايا التي ظلت معلقة، مثل إطلاق سراح المعتقلين ونشطاء حقوق الإنسان، والكشف عن المخفيين قسراً، ورعاية وتعويض ضحايا التعذيب والأسلحة المحرمة دولياً وخاصة الألغام.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم عدم تجاهل قضية تجنيد الأطفال وإعادة تأهيلهم، ومعاناة النازحين وضحايا الحرب وضحايا الكوارث الطبيعية، مثل السيول التي جرفت الخيام والمنازل، وذلك لتوفر لهم أبسط سبل العيش الكريم.
في اليمن، خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الربيع العربي (2012-2014) وللمساهمة في إنجاح مؤتمر الحوار الوطني - الذي ضم 565 ممثلاً عن جميع أصحاب المصلحة من اليمنيين، بمن فيهم الضحايا - كانت بعض الإجراءات المتعلقة بالعدالة الانتقالية اتخذت رغم غياب قانون العدالة الانتقالية. على سبيل المثال، عكست نتائج الحوار مصالح الضحايا وحقوق الإنسان ومبادئ الحكم الرشيد. وتم إنشاء صندوق لاسترداد الممتلكات المنهوبة وصندوق آخر لتعويض المسرحين قسرا من الخدمة المدنية والعسكرية بعد حرب 1994. كما تم النص على العلاج الطبي للمقاتلين السابقين والمدنيين الذين أصيبوا في النزاعات السابقة. تمت صياغة قانون لاسترداد الأموال المنهوبة وخلق قانون آخر للعدالة الانتقالية.
تمت مناقشة كل هذه القضايا في مجموعة عمل العدالة الانتقالية التابعة لمؤتمر الحوار الوطني ونتج عنه  العديد من المبادرات الهادفة. تمت معالجة هذه التوصيات بما يتماشى مع المعايير الدولية، وبالتالي في مسودة الدستور بناءً على نتائج مؤتمر الحوار الوطني في عام 2014. نصت مسودة الدستور على ضرورة إصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار الدستور، مثل إنشاء هيئة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وصندوق التعويضات.
ومع ذلك، فقد توقف كل شيء مع الانقلاب على الدولة ونتائج مؤتمر الحوار الوطني في خريف عام 2014 والتي أغرقت البلاد في صراع عنيف، ولا تزال تداعيات هذا التجميد يعاني منها اليمنيون لليوم.
لن يصل اليمن إلى السلام دون عملية سلام تقوم على حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والعدالة الانتقالية. هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية الأجيال القادمة من دورات الصراع المتجددة وتمكينهم من العيش بكرامة وأمان وازدهار يستحقونه.

(*) حورية مشهور: ناشطة سياسية وحقوقية، وزيرة حقوق الإنسان السابقة خلال حكومة الوفاق (2012-2014) وعضو مؤسس في حركة المصالحة الوطنية. وقبل دورها الوزاري، كانت مسؤولة في اللجنة الوطنية للمرأة.


التعليقات