بعد أسبوع من العمل، وجدت سماح علي - اسم مستعار - نفسها غير قادرة على تحمل الواجبات التي كُلفت بها في إحدى المدارس الأهلية، ناهيك عن الشتائم والسب الذي تتعرض له من قبل الطلاب.
تعمل سماح (30 عاماً) في إحدى المدارس الأهلية جنوبي البلاد، وقد أرغمتها الظروف المعيشية الصعبة للعمل لتعيل اسرتها المكوّنة من ستة أفراد بعد عجز والدها عن ذلك لمرض ألمّ به.
خانتها دمعتها متسللةً، قبل أن تتنهد بعمق قالت "لم تنتهك كرامتي، وتسلب حقوقي إلا في المدارس الأهلية، مدارس لبيع الدرجات للطالب، وعندما تركت العمل لم استلم مستحقات أسبوعين، بسبب العقد الجزائي الذي وقعت عليه ".
سماح واحدة من بين الآف الشباب الذين اضطروا للعمل في القطاع الخاص، واضعين في مخيلتهم بأنها محطة مؤقتة لا تتعدى كونها استراحة محارب حتى يأتي العمل في المدارس الحكومية، ولكونها مشاريع ربحية فمن الطبيعي أن يكون اهتمام القائمين عليها أولاً وأخيراً الطالب دون مراعاة لكرامة المعلم، في ظل غياب الرقابة القانونية التي تحمي حقوقهم.
وبنظرات مليئة بالإنكسار، تتابع سماح حديثها: "لا يحق لنا استخدام أي وسيلة لعقاب الطالب، الفاظ الطالب غير أخلاقية، ناهيك عن ممارسته لبعض السلوكيات الخاطئة داخل الفصل (تعاطي الشمّة(الحوت) والأكل والشرب اثناء الحصة) دون رادع فاضطر لتجاهل الأمر، وماذا افعل؟ لقمة العيش... ".
•أجرة مواصلات مرتفعة
مدرّسة لمادة اللغة الإنجليزية -فضّلت عدم ذكر اسمها- تشرح معاناتها "تركت العمل في المدارس الأهلية وإلتحقت بعمل آخر غير التدريس، لا يوجد إنصاف، ولا نطالب بحقوقنا".
تتابع "نضطر لتدريس أكثر من مادة، وفي غير تخصصنا بنصاب 24-27 حصة دون زيادة في المرتب، بالإضافة لشغل عدد من المهام المنهكة، مقابل مبلغ زهيد لايتعدى 30 ألفاً في حين تُفرض رسوماً باهظة على الطلاب"
وتضيف "عند الغياب يتم استقطاع الراتب بمبلغ يتعدى الأجر اليومي، بالمقابل لاتْسلم لنا مبالغ حصص التغطية أو نسخة من عقد العمل، أضافة للمواصلات التي تتجاوز 25 ألف من لحج إلى عدن ويتم دفعها مناصفة وبعض المدارس لا تتكفل".
من جانبه يتحدث الدكتور صلاح الحربي- مالك مدارس أجيال الريادة بعدن- " بسبب ارتفاع مشتقات البنزين، ترتفع أجرة المواصلات، فيتم دفع مواصلات المعلمات الوافدات من لحج والتي تقدّر 20 ألفاً للشخص الواحد ".
•عقود قانونية ومعاملات مخالفة
تحت بند عقد للواجبات الوظيفية رقم (11) لسنة 1999م بشأن تنظيم مؤسسات التعليم الأهلية الخاصة، يقوم المعلم بكل الواجبات ولا يرفض أي مهام توّكل إليه، وحتى نصاب الحصص تتجاوز 27 حصة في بعض المدارس وهي تخالف المادة (29) من اللائحة المدرسية.
كما لا يوجد بند يحمي (المعلم) من تبعات (المالك) ونفوذه، وعلى العكس في بند العقوبـــــات والجـــــزاءات فإن إخلال المعلم بوظيفته طبقاً للعقد يتم إحالته إلى مكتب التربية لاتخاذ ضده الإجراءات القانونية اللأزمة، كما ينص الشرط الجزائي بأن "يحق للمالك مطالبة المعلم بتوفير بديل أو دفع غرامة مالية قدرها [خمسون أو مائة ألف ريال] في حالة خروجة، وإذا لم يتوفر البديل لا يستلم مستحقاته ولو مضى شهراً لعمله.
وفي حال غياب المعلم لثلاثة أيام أو حصل أي تقصير يفصل دون إندار ويعطى له أجرة بعدد الأيام التي حضرها فقط.
واشار جمال الجعبي - مستشار قانوني وخبير في القوانين الدولية- "أن هذه العقود تنظم علاقة العمل بين الطرفين وهي طبيعية والالتزامات متقابلة، ولا يوجد ما يتعارض مع القانون ".
غير إن مّلاك هذه المدارس يخالفون هذه البنود وتوقيع المعلم عليها جعل منه ضحيةً تحت سياط الجلاد، وعرضة للانتهاكات والمعاناة.
عقود تمت صياغتها بما تقتضيه المصلحة، وجميعها تحاك ضد المعلم دونما رادع أو رقابة قانونية من مدراء ورؤساء أقسام التعليم الأهلي، ولا يعطى له نسخة من العقد حتى يقاضي اصحاب النفوذ ولا يوجد فيها بند لحمايته.
وبحسب مسؤول في الوزارة -فضل عدم ذكر اسمه - فأن صياغة عقود العمل للمعلمين عشوائية وفقاً لمصالح مُلاك هذه المدارس.
ويرى الجعبي في ما يتعلق بالحماية للمعلم من الانتهاكات بأن يكون هناك قوانين للعقوبات تلزم الطرف الأول باتباعها".
وتضع بعض المدارس الأهلية ضمن شروط طلبات التوظيف "أن يجيد المعلم التعامل مع الطالب وولي الأمر" وهذا يلزم المعلم بإحترام الطالب على حساب كرامته.
وعندما تكون دروس التلاميذ في الصفوف الأولية غير مكتملة يضطر المعلم لإكمالها وترتيبها بنفسه، حتى يشعر ولي الأمر بالأرتياح للمدرسة ويرضى عنها.
•انتهاكات جسيمة
لم نتمكن من الحصول على احصائيات بعدد المعلمين العاملين في التعليم الخاص والانتهاكات التي يتعرضون لها من الوزارة، لكن تم رصد العديد منها من المعلمين انفسهم، ففي بعض المدارس ترُمى باللوائح عرض الحائط ليحكمها العرّف القبلي.
وبفردة حذاء يُرشّق أحد المعلمين من قبل طالب بالثانوية العامة، وترمى معلمة بالحجارة، ويرمى المعلم بالبيض، وتسب معلمة من قبل مالك المدرسة ويتم فصلها.
وبضربة صغيرة لتلميذ جعلت من المعلمة ضحية لإبتزاز (مالي) من ولي الأمر، وإلا سوف تحال القضية للشرطة، وتكون عقوبة الطالب فصل أسبوع، وللمصلحة العامة يعاد قبل أن يكمل فترة عقابه.
وآخرها ما تعرض له معلم من انتهاك لشخصه وكرامته، أمام تلامذته في الفصل من قبل رئيس قسم التعليم الأهلي والخاص بإحدى المديريات جنوب اليمن، بشكوى تقدم بها ولي الأمر، على خلفية تأديبه لتلميذ، دون مراعاة لحقوقه كمعلم من قبل الجهات المعنية نفسها ليجعله التلاميذ محل سخريةً لهم".
وقد تم عرض هذه المظالم لإدارة التعليم الأهلي والخاص بالوزارة ومكتب التعليم الأهلي بمحافظة عدن ولكن لم تدل بأي تصريح.
من جانبه تحدث الاستاذ فهمي بجاش مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة لحج "أن معلمي المدارس الأهلية في لحج يشكون من تدني الرواتب إذا تقدر ب 25 ألفاً وتم اصدار قرار برفعها إلى 40، أو 35 ويتكفل المالك بدفع المواصلات، وهناك مدارس لديها بعض المخالفات تم ايقافها ".
وهذا ما أكده مدير الرقابة والتفتيش بمكتب التربية والتعليم بمحافظة لحج الاستاذ عبدالباسط السالمي أن اغلب الشكاوى التي تصلنا بسبب تدني الرواتب ولا تصلنا انتهاكات ".
ويرى الاستاذ عبدالنور سعيد -نائب رئيس الإتحاد العام للنقابات العمالية بمحافظة لحج- أن "القطاع الخاص يعد إستثماري لا يراعي حقوق المعلم، ووسط صمت الإدارات الأهلية إزاء الانتهاكات التي يتعرضون لها، يجب أن تشكل نقابة لدفاع عن حقوقهم أمام الجهات ذات العلاقة، وتسليم نسخة من عقود العمل للمعلم ليتمكن من مقاضاة اصحاب النفوذ".
وأوصى (ط .م ) مدير متقاعد أنه يجب تشكيل نقابة للمعلمين لحمايتهم في ظل وجود رؤوساء اقسام تعليم أهلي وخاص يتغاضون عن هذه الانتهاكات التي يتعرض لها المعلم، وتسليم نسخة من عقود العمل، كما يجب تشكيل مجلس آباء لمناقشة مشاكل الطلاب، وتعيين مدراء مدارس، ومدراء عموم لمكاتب التربية ورؤوساء أقسام التعليم الأهلي والخاص من الأكاديميين التربويين ،واعطاء مدراء المدارس السلطة الكاملة لإدارة العملية التربوية دون تدخلات مُلاك هذه المدارس.
(تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا ).