بعد 6 أشهر نادرة من الهدوء النسبي، فشلت الأطراف المتحاربة في اليمن الأسبوع الماضي في تجديد اتفاق حقيقي، حيث لم تلق دعوات من الأمم المتحدة للتمديد آذانًا صاغية.
بين أحد الطرفين المدعوم من إيران والآخر المدعوم من قبل المملكة العربية السعودية، يبقى أن نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم حليفها في الشرق الأوسط، بعد قرار التخفيض الهائل لإنتاج النفط الأسبوع الماضي، الذي يُنظر إليه على أنه ازدراء من المملكة الغنية بالنفط لإدارة الرئيس جو بايدن قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
اتفق الحوثيون المدعومون من إيران والتحالف الذي تقوده السعودية على هدنة على مستوى البلاد في أبريل/نيسان الماضي، كانت الأولى منذ عام 2016. وتم تجديد هدنة الشهرين مرتين لكنها انتهت الأسبوع الماضي بسبب مطالب الحوثيين فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام.
قال المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ في بيان إن الحوثيين فرضوا في اللحظة الأخيرة "مطالب مبالغا فيها ومستحيلة لم تتمكن الأطراف من الوصول إليها، خاصة في الوقت المتاح"، مضيفًا أن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة والأمم المتحدة ستتواصل.
وقال ماجد المذحجي، مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إن "الأسباب غير المعلنة (لعدم تجديد الهدنة) يتوقع أن تكون أن الإيرانيين قد طلبوا من الحوثيين، بشكل مباشر، المساعدة في تصعيد الأمور في المنطقة".
وأضاف المذحجي لشبكة CNN أن "الإيرانيين والحوثيين في وضع سياسي صعب"، وتابع بالقول إن الإيرانيين يتعرضون لضغوط هائلة وسط احتجاجات محتدمة في الداخل وربما يحاولون إبعاد خصوم الخليج عن طريق إبقائهم منشغلين بالصراع اليمني.
قالت الأمم المتحدة إن الأشهر القليلة من وقف إطلاق النار كانت بمثابة نسمة هواء نقي لملايين اليمنيين الذين دفعوا، في السنوات السبع الأخيرة من الصراع، إلى "الحاجة الماسة". شهدت فترة السلام انخفاضًا في المعدل الشهري للنازحين داخليًا بنسبة 76٪، وانخفض عدد المدنيين الذين قتلوا أو أصيبوا بسبب القتال بنسبة 54٪، حسبما قالت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.
وكانت الأمم المتحدة قد وصفت الأزمة اليمنية بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وقال ليندركينغ إن بعض جوانب الهدنة الأولية لا تزال قائمة، مثل العنف المنخفض نسبيًا، واستمرار شحنات الوقود التي لا يزال يمكن تفريغها في ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، وكذلك استئناف الرحلات المدنية التجارية من مطار صنعاء. لكن المخاطر عالية جدا.
لقد حذر الحوثيون بالفعل المستثمرين للابتعاد عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لأن الاستثمار فيهما "محفوف بالمخاطر"، وهي رسالة يُنظر إليها على أنها تهديد مباشر بأن الجماعة المدعومة من إيران مستعدة لتضرب مرة أخرى.
وقال بيتر سالزبوري، المستشار في مجموعة الأزمات الدولية لشبكة CNN: "مع الحوثيين، من الخطر دائمًا عدم أخذ تهديداتهم على محمل الجد".
وسبق أن شن الحوثيون هجمات على الدول الغنية بالنفط استهدفت بشكل أساسي حقول النفط والمطارات الرئيسية. في مارس / آذار، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجوم على منشأة لتخزين النفط تابعة لشركة أرامكو في جدة. وفي يناير / كانون الثاني، قالوا إنهم كانوا وراء غارة بطائرة بدون طيار على صهاريج وقود بالقرب من مطار أبوظبي.
كانت المملكة العربية السعودية قد حذرت حليفها الأمني القوي الولايات المتحدة بشأن هذه الهجمات، منتقدة إدارة بايدن بشأن ما تعتبره تراجعا للدور الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط المضطرب.
تفاقمت المخاوف الأمنية في دول الخليج بسبب المحادثات الأمريكية مع إيران حول إحياء الاتفاق النووي في وقت سابق من العام الجاري، حيث زادت إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية من خطر زيادة جرأة طهران، التي كان يُخشى أن تؤدي بدورها إلى تعزيز وتسليح وكلائها الإقليميين.
لكن جريجوري جونسن، العضو السابق في فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، قال إن الحوثيين أصبحوا أكثر جرأة بالفعل.
وقال جونسن لشبكة CNN: "أعتقد أن إيران لن تحب شيئًا أفضل من ترك الحوثيين في صنعاء كرادع ضد السلوك السعودي في المستقبل".
كانت الولايات المتحدة أقوى حليف أمني للسعودية، وعادة ما كان الاتفاق غير المكتوب بين البلدين هو النفط مقابل الأمن، وبالتحديد ضد العدوانية الإيرانية.
ولكن الآن، بينما تتحدى المملكة العربية السعودية الولايات المتحدة بأحدث تخفيضات نفطية من جانب أوبك بلس، فإن الصداقة بين البلدين تتعرض لضغوط متزايدة. وقال سالزبوري إنه مع التردد الموجود بالفعل في سياسات الكونغرس لزيادة الدعم العسكري للسعودية، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة سترد بدعم سريع لحليفها في الشرق الأوسط في حالة اندلاع العنف.
واتهم عدد من السياسيين الديمقراطيين الأمريكيين المملكة العربية السعودية بالوقوف إلى جانب روسيا، قائلين إن خفض النفط يجب أن يُنظر إليه على أنه "عمل عدائي" ضد الولايات المتحدة.
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبدالخالق عبدالله إن التهديدات التي أطلقها بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ضد المملكة العربية السعودية بعد خفض منظمة أوبك بلس للنفط يوم الأربعاء – إذ دعا بعضهم بايدن إلى "الانتقام" - ليست ذات مصداقية، مضيفًا أن رد إدارة بايدن كان "أكثر تحفظًا".
وأضاف عبدالله لشبكة CNN أنه من مصلحة أمريكا حماية منتجي النفط في الشرق الأوسط لا سيما مع تقلص الإمدادات وسط حرب أوكرانيا وتعثر المحادثات النووية مع إيران.
وتابع بالقول: "في هذه اللحظة من التاريخ، تحتاج أمريكا إلى السعودية والإمارات بقدر ما نحتاجها لأغراض أمنية".
يقول محللون إن السياسة الأمريكية تجاه اليمن كانت في السنوات الأخيرة في حالة من الفوضى. دعمت إدارة أوباما التحالف الذي تقوده السعودية لأول مرة في عام 2016، لكن مستويات الدعم تغيرت لاحقًا مع ظهور أدلة على وقوع إصابات في صفوف المدنيين في الحملة الجوية التي تقودها السعودية.
تمتعت المملكة العربية السعودية بدعم واسع النطاق لسياستها تجاه اليمن خلال إدارة ترامب. في أواخر عام 2019، وعد بايدن بجعل المملكة منبوذة، وبعد أكثر من عام بقليل، خفض الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية للمملكة العربية السعودية في اليمن، "بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة".
ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية من خلال ثغرة "الدفاع".
وافقت إدارة بايدن في أغسطس الماضي وأبلغت الكونغرس بمبيعات أسلحة محتملة بمليارات الدولارات لكل من السعودية والإمارات، مشيرة إلى الدفاع ضد هجمات الحوثيين كسبب مشروع للقلق.
قال جونسن: "الآن، الولايات المتحدة محبطة من السعودية والإمارات، في حين أنه ليس لديها أي نفوذ على الحوثيين". وأضاف: "لقد كانت الولايات المتحدة مرتبكة على مدار العام ونصف العام الماضيين عندما يتعلق الأمر بسياسة اليمن"، واصفًا ذلك الوضع بأنه "من صنعها" إلى حد كبير.
في حين أن هناك ضغوطًا داخل الولايات المتحدة للرد بشدة على سياسات الطاقة السعودية، إلا أنه لم يتضح بعد كيف ستستجيب الولايات المتحدة للتطورات في اليمن، حيث يقول البعض إن واشنطن ستكون حكيمة في الحفاظ على ضماناتها الأمنية.
وقال عبد الله: "لا أعتقد أنه من مصلحة أمريكا أن تقلص مساعدتها العسكرية للسعودية". وأضاف: "إذا فعلوا ذلك، فسوف يأتي بنتائج عكسية على أمريكا أكثر مما يتخيل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ".