اليمن: مجاري السيول بتعز.. آثار بيئية وصحية
يمن فيوتشر - شهاب العفيف: الأحد, 09 أكتوبر, 2022 - 08:13 مساءً
اليمن: مجاري السيول بتعز.. آثار بيئية وصحية

[ ارشيف ]

مع كل مرة يحل فيها موسم الأمطار، تعود ظاهرة رمي المخلفات والنفايات في مجاري السيول بمدينة تعز، (جنوبي غرب اليمن)، ما يتسبب بخلق بيئة خصبة للأوبئة.
على امتداد تلك السوائل من منطقة صينة أسفل جبل صبر جنوبي مدينة تعز، إلى منطقة سد العامرة شمالًا، تتكدس اطنان من النفايات التى تتحول الى أكوام صلبة، تساعد على تكاثر البعوض الناقل لحمى الضنك، وأمراض الملاريا، فضلا عن امراض الجهاز التنفسي نتيجة حرق تلك المخلفات بشكل مستمر وتصاعد الدخان المضر بالصحة إلى منازل المواطنين المجاورة، دون الإلتزام بأية معايير صحية أو قانونية.

معاناة وإهمال
"تتعبني انبعاث الروائح الكريهة، بسبب رمي المخلفات في مجاري السيول وما يزيد الأمر سوء عندما يتم حراقها، فيمتلئ المنزل بالدخان الذي سبب لأطفالي العديد من الأمراض كالتحسس والكتمة"، يقول المواطن فؤاد نصر (45 عامًا) أحد ساكني سائلة منطقة التحرير الأسفل في مدينة تعز. 
يضيف نصر، أنه يعاني أيضًا من انتشار الذباب والبعوض الناقل للأمراض في منزله على مدار العام، خاصة مع هطول الأمطار وانسداد السوائل، واحتقان المياه.
وطالب السلطة المحلية بمحافظة تعز، النظر بعين المسؤولية إلى هذه الكارثة التي تهدد حياتهم الصحية وبيئتهم المحيطة، ومنظر المدينة الجمالي.
من الأوبئة الناتجة عن رمي القمامة وتكدس المياه في السوائل المخصصة لتصريف سيول الأمطار الغزيرة "الكوليرا، حمى الضنك، الملاريا، المكرفس، الحمى الفيروسية، الربو، احتقان الأنف"، إذ أن الملاريا تعتبر مرضًا مستوطنًا في اليمن منذ سنوات طويلة، ومن أشد الأمراض فتكا باليمنيين.

وباء
في السياق يشكو عبدالله الصبري أحد المجاورين لسائلة صينة معاناته المستمرة نتيجة الروائح الكريهة، والدخان، والبعوض الناقل، يقول إنه يقوم في كل شهر باسعاف أحد أولاده نتيجة تدهور حالته الصحية -حمى الضنك والملاريا غالبًا- والكتمة في بعض الأوقات. 
ويضيف الصبري: "نعتبر الساكنين بهذه الأماكن القريبة من مجاري السيول أكثر الناس تضررًا، ناهيك عن الريحة التي لا تحتمل نضطر نغلق الشبابيك رغم شدّة حرارة الجو، فالعيش بالحر أهون من تلك الغازات الكريهة".
وأوضح أنه أثناء. جائحة كورونا (كوفيد19)، عانى كثيرًا مع أسرته والمجاورين له، حيث انعدم التعقيم في منطقته، ولم يتم رفع القمامة من الأساس وتساءل الصبري كيف سيتم تعقيم المنطقة من الفيروس؟!.
ويشير إلى أنه لم يستطع نقل السكن من جوار السوائل إلى مكان أكثر لطافة بالهواء النقي، فالمدينة تشهد أزمة شقق حادة، وارتفاع الإيجارات بشكل جنوني.
مدير إدارة الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة تعز، الدكتور ياسين عبدالملك، أكد أن المياه الراكده في مجاري السيول سواءً كانت مياه أمطار أو مخلفات الصرف الصحي، لها أضرار صحية وبيئية كبيرة. 
وأضاف عبدالملك "في فصل الصيف نمر بموجة عاصفة حميات، مثل الحمى الفيروسية، وحمى الضنك، وحمى غرب النيل، والشيكونغونيا"، موضحًا أنه "لا نزال في مدينة تعز نسجل العديد من الحالات لهذه الحميات، خلال فصل الصيف لهذا العام، وكذلك الأعوام السابقة".
وأشار ياسين إلى أن هناك حالتين إيجابية في حمى الضنك النزفية خلال الوقت الحالي، بعد أن خضعت لفحص المختبر المركزي بتعز.
وخلال الفترة السابقة يوليو - أغسطس 2022، تم تسجيل أكثر من 15 حالة مؤكد إصابتها بحمى الضنك النزفية في تعز، وتعد من أخطر حمى الضنك.
وخلال الربع الثالث من العام الجاري 2022، تم تسجيل أكثر من 650 حالة إصابة بحمى الضنك، منها حالتا وفاة، هذه من الحالات التي تصل المستشفيات الحكومية فقط في مديريات المدينة "المظفر، القاهرة، صالة".
وتعتبر الضنك من الأمراض المستوطنة في اليمن، لكن للأسف الشديد أنه في كل مرة تمر لا يوجد أي استجابة طارئة لمكافحتها، فنحن منذ ثلاثة أشهر نطالب بحملة طارئة للقضاء على البعوض الناقل لحمى الضنك، لم نتلق أي دعم سواء محلي أو المنظمات المهتمة في هذا الجانب، يؤكد ياسين.

آثار بيئية واقتصادية
رمي المخلفات أو التسبب في تراكمها في مجاري السيول من المشاكل البيئية التي تشهدها مدينة تعز، وتؤثر سلبًا على منظرها الجمالي، وأجواءها المتعدلة.
تقول مديرة مركز التوعية البيئية بتعز، ارتفاع القباطي في حديثها،: "لقد سعينا إلى حل ظاهرة رمي المخلفات في مجاري السيول بوسط المدينة، أو على الأقل التخفيف منها بطرق شَتّى إما بتكثيف المواد التوعوية بخطورة ذلك أو بعمل الاحتياطات والإجراءات التي تعمل على التكدس".
وتضيف القباطي، أن تكدس المخلفات في مجاري السيول من أبرز المشاكل التي تتعدد أثارها بين البيئية، والصحية، والمادية، وقد فصّلت القباطي ذلك بإختصار حيث أشارت إلى أن تراكمها واختلاطها بالماء وبقائها يتسبب في إنتاج الروائح الكريهة وتشويه المنظر الجمالي.
وعن التأثير الصحي توضح ارتفاع، أنه وبعد اختلاط النفايات بالماء وانبعاث الروائح الكريهة، يؤثر ذلك صحيًا، فوجود المخلفات في مستنقعاتها بيئة خصبة لنمو وتكاثر العديد من الحشرات الناقلة للأمراض الفيروسية والقوارض.
أما بالنسبة للخسائر المادية والمتمثلة في التأثير بأضرار قد تكون جسيمة وكارثية سواءً على البنية التحتية، ويحدث ذلك خصوصًا عندما يزداد التكدس ويصعب على تيارات المياه في المجاري جرفها في التيار، وتتسبب في إنسداد فتحات التصريف للسيول، وتتجمع المياه في أماكن تزيد عن طاقتها الإستيعابية، فيتم طمر مناطق بكميات هائلة من المياه محدثة تهدم وإنهيارات في المباني المجاورة، أو سواند الطرقات والمجاري، أو تسرب المياه إلى شبكات الكهرباء إذا كانت مدفونة تحت سطح الأرض.
وينتج عن ذلك التسرب ماسات كهربائية أو التأثير على خطوط شبكة الهاتف الأرضي سواءً بجرفها والتسبب في عطل، أو قد تتسبب الانهيارات للتربة بسبب تراكم المياه في التأثير على مجاري الصرف الصحي وكلها قد تؤثر بأضرار مادية أو صحية، بحسب القباطي.
وترى ارتفاع أنه من أهم المعالجات وضع بدائل لرمي القمامة، بتوفير براميل توزع حسب الكثافة السكانية في شوارع وحارات المدينة، وتفعيل دور فريق ضبط المخالفات في صندوق النظافة والتحسين.
ويشير الناشط الإعلامي سام البحيري إلى أن الجانب المؤسف في موضوع السيول ورمي المخلفات في مصارف المياة ومجاري السيول، انه يعتبر كارثة بيئية وتصرفات سلبية يقدم عليها الإنسان بحد ذاته ولا يعود الضرر إلا عليه.

حملات لتنظيف السوائل
يرجع مدير إدارة النظافة بمكتب صندوق النظافة والتحسين بتعز، سمير سعيد أولى مشكلات التكدس في مجاري السيول، إلى أن هناك بوابير نقل تقوم بردم هذه المجاري بمخلفات المباني وحفريات الأراضي، مع اصطحابها أفراد مسلحين لحمايتها من أي اعتراض قد ينتج.
ويقول سعيد: "لا نقوم بتنظيف مجاري السيول في مدينة تعز بشكل يومي، وأنما كل شهر أو شهرين، حيث نأتي بشيول صغير -جرافة- وانزالها لوسط السوائل وتجميع النفايات المختلفة من مخلفات المباني والقمامة، وبعدها يتم ترحيلها إلى مقلب النفايات".
وقبل ثلاثة أشهر، قام صندوق النظافة والتحسين بتعز، بحملة واسعة لتنظيف مجاري السيول من المخلفات بمنطقة صينة في مديرية المظفر وسط المدينة، حيث بلغ عدد الزفات التي تم ترحيلها إلى المكب 36 زفة - حمولة شاحنة النقل.
كما قمنا في شهر يونيو الماضي بحملة أخرى، في سائلة منطقة التحرير الأسفل، وتم اخراج منها 22 زفة قلاب نقل، جميعها من مخلفات المباني والنفايات المكدسة، التي يتسبب بها المواطن، بحسب سمير.
الجدير بالذكر أن المواطن لا يستجيب للتوعية بخطورة رمي أكياس القمامة، في الأماكن المخصصة لسيول الأمطار، فهو يدمر صحته بنفسه.
يؤكد سعيد أن المواطن يحتاج إلى ضبط حقيقي لمنعه من العودة بشكل مستمر، وكذلك بعض المسلحين من يرمون بمخلفات الأراضي تحت قوة السلاح، بعد كل حملة تنظيف للسوائل والجسور، لنتمكن من إظهار المدينة بالشكل الذي يليق بها، كما بتجنيب المواطنين أنفسهم الأضرار الصحية.
وهو ما يؤيده الناشط الإعلامي سام البحيري، إذ يقول أن "الإنسان عدو البيئة"، وكل المشاهد التي مرت في ثمان سنوات تثبت مدى عدوانيته وفوضاوية تصرفاته، وإلا لما كان هذا الخراب والمخلفات والتصرفات السيئة التي يلقي بحماقتها في الشارع.
في كل مرة يظهر أن الخوف والإلتزام يأتي من قوة الدولة وليس هناك أي مظهر من مظاهر احترام الذات.
غياب روح المسؤولية والإنتماء للوطن، وانعدام الشعور الجمعي تجاه البلد يعتبر من المسببات للمشاهد السلبية التي نجدها في كل يوم يؤكد سام.
"تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا"


التعليقات