اليمن: وفاة الملكة إليزابيث يستحضر ذكريات الماضي الاستعماري
يمن فيوتشر - أسوشيتد برس- ترجمة ناهد عبدالعليم: الأحد, 18 سبتمبر, 2022 - 03:31 مساءً
اليمن: وفاة الملكة إليزابيث يستحضر ذكريات الماضي الاستعماري

خرجت حشود كبيرة في زيارة تاريخية للملكة إليزابيث الثانية إلى عدن في اليمن عام 1954، وفي ذلك الوقت، كانت هذه المدينة الواقعة على الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية مستعمرة للإمبراطورية البريطانية و واحدة من أكثر الموانئ ازدحاماً وأهمها في العالم.
و دفع وفاة الملكة الآن -بعد حكم دام 70 عاماً- بعض اليمنيين إلى تذكر جزء من التاريخ الذي لم يتم استحضاره كثيراً من قبل.
 تسبب موت الملكة في موجات من الحزن والتعاطف من جميع أنحاء العالم، لكنه أثار أيضاً دعوات لإعادة النظر في الموت والحرمان اللذان تسبب فيهما الحكم الاستعماري البريطاني في إفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي.
 وفي عدن -ثاني أكبر مدينة في اليمن الآن- يتذكر الكثيرون الحكم الاستعماري على أنه وقت قمع، حيث رسخ بعض المشاكل التي لا تزال تعاني منها المدينة والبلد التي دمرتها الحرب الأهلية منذ عام 2015.
ولا يزال البعض يتذكر زيارة (إليزابيث) بإعجاب وتقدير للحكم البريطاني للتقدم في البلاد إلى يومنا هذا، كما يعرف (حسن العويدي) -طالب جامعي- أن جده كان من بين أولئك الذين كانوا يلوحون من الشارع عندما مرت الملكة وزوجها الأمير (فيليب).
لكن (العويدي) يقول إن جيله يعرف الآن بشكل أفضل.
 موضحاً: "في سياق القرن الحادي والعشرين ، يُنظر إلى مثل هذه الممارسات على أنها انعكاس للقضايا العالمية المعاصرة مثل العنصرية وعدم المساواة وتفوق البيض، فلقد قاموا بقمع الأشخاص الذين يريدون إنهاء الاحتلال الاستعماري لهذه الأرض، و قُتل اثر هذا آلاف الأشخاص في الكفاح من أجل استئصال الاستعمار و يجب محاكمتهم ودفع ثمن جرائمهم ".
 وقد كانت عدن المنطقة العربية الوحيدة التي كانت مستعمرة من قبل بريطانيا، و كانت البؤر الاستيطانية البريطانية الأخرى في الشرق الأوسط مثل مصر وفلسطين والخليج عبارة عن مناطق انتداب أو محميات، وليست مستعمرات صريحة.
 حيث احتل البريطانيون عدن لأول مرة في عام 1839، واستمرت بريطانيا في الاستيلاء على الأجزاء المحيطة من جنوب اليمن كمحميات، واشتبكت مع العثمانيين المستعمرين الآخرين لشبه الجزيرة.
 و أخيراً، أقام الاثنان حدوداً تقسم شمال اليمن وجنوبه - وهو التقسيم الذي استمر طوال تاريخ البلاد الحديث واشتعل مرة أخرى في الحرب الأهلية الحالية.
وقد تم إعلان عدن رسمياً كمستعمرة للتاج البريطاني في عام 1937، وكانت المدينة الواقعة خارج البحر الأحمر مباشرةً ، ميناءاً حيوياً للتزود بالوقود وميناءاً تجارياً بين أوروبا وآسيا ، وخاصة مستعمرة الهند البريطانية.
و توقفت (إليزابيث) في طريق عودتها من أستراليا، التي كانت جزء من جولتها الأولى في الكومنولث بعد عامين من صعودها إلى العرش.
 كما تظهر صور الزيارة على الموقع الإلكتروني للجمعية البريطانية اليمنية -وهي مؤسسة خيرية بريطانية- ضباط بريطانيين ووجهاء وقادة يمنيين وهم يحيون الملكة الشابة وزوجها.
حيث التقى بهم عدد كبير من اليمنيين أينما ذهبوا، وأقيم حفل تسليم الملكة وسام الفروسية للزعيم المحلي (السيد أبو بكر بن شيخ الكاف)، و ركع (الكاف) على كرسي فيما فُسر بأنه رفض الركوع أمام الملكة بسبب إيمانه المسلم.
 كما شاهد أفراد العائلة المالكة عرضاً عسكرياً يضم القوات البريطانية والمحلية اليمنية آنذاك.
ولكن بعد الزيارة بوقت قصير اندلعت انتفاضة غذتها القومية العربية ودعمها الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) الذي كان يعد العدو اللدود للقوى الاستعمارية في الخمسينيات والستينيات، وبعد سنوات من القتال أُجبر البريطانيون أخيراً على الانسحاب.
 وعندما غادرت الدفعة الأخيرة من القوات البريطانية عدن في أواخر نوفمبر 1967، ولدت جمهورية جنوب اليمن الشعبية وعاصمتها عدن، التي ستكون الدولة الماركسية الوحيدة التي وجدت على الإطلاق في العالم العربي، وستستمر حتى الوحدة مع الشمال في عام 1990.
 كما يذكر البعض في عدن أن الحكم البريطاني كان يجلب النظام والتنمية.
ويُقال أن الكثير من بدايات البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم، تعود إلى زمن الاستعمار.
 حيث قيل أيضاً: "بريطانيا أرست أسس الإدارة المدنية في عدن منذ بدايات الاحتلال".
 وقال (بلال غلام حسين) -الكاتب والباحث في تاريخ عدن الحديث- : "إن الكثيرين عاشوا في الماضي في أيام الحكم البريطاني، لأن كل شيء كان يسير على ما يرام، كما لو كُنتَ تعيش في بريطانيا بالضبط".
 يقف تمثال (للملكة فيكتوريا) في ميدان رئيسي، وقد أصيب برصاصة مرت به خلال تبادل إطلاق النار في الحرب الأهلية الحالية، كما يعد برج ساعة يشبه ساعة بيج بن في لندن الذي يطل على المدينة من قمة تل كلوحة تذكارية تخلد ذكرى وضع الملكة إليزابيث حجر الأساس لمستشفى رئيسي.
وكما هو معروف في الوقت الراهن فقد مزقت الحرب الأهلية الحالية اليمن إلى شمالي تديره (جماعة الحوثيين) وجنوبي بقيادة الحكومة المعترف بها دوليا ومجموعة من الميليشيات المتحالفة معها، حيث تدخلت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أيضاً لدعم الحكومة واعتبرت (جماعة الحوثيين) وّكلاء لإيران، و التي برأيهم كانت سبباً في القتال باليمن الذي القى بها في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مما دفعه إلى الفقر المدقع وشبه المجاعة.
و قال (سالم اليماني) -مدرس في محافظة أبين الجنوبية-: "إنه حتى في خضم الفوضى الحالية ، فإن الحنين إلى الحقبة الاستعمارية التي أشعلتها وفاة إليزابيث هو حدث وشعور في غير محله، وفكرة وجود طرق وخدمات جيدة لا تعني أنهم (كمستعمرون) كانوا جيدين، فلقد كانوا محتلين يخدمون مصلحتهم في المقام الأول قبل كل شيء.
وقال مُضيفاً: "الوضع المريع الآن لا يعني أننا نريدهم مرة أخرى أبداً، فهذه مشكلتنا الخاصة، وسوف يتم حلها إذا توقفت القوى الأجنبية عن التدخل في شؤوننا".

#يمن_فيوتشر


التعليقات