كانت (كلثوم محمد سعيد) في الثانية عشرة من عمرها عندما زارت الملكة إليزابيث الثانية عدن ، التي كانت آنذاك واحدة من أكثر موانئ الوقود ازدحاماً في العالم وجزءاً استراتيجياً من إمبراطورية بريطانيا العالمية المتداعية.
بعد ما يقرب من سبعة عقود، حيث تسببت سنوات الحرب والإهمال الطويلة في اليمن في خسائر فادحة في المدينة.. بعد مضي كل هذا العمر، الا ان وفاة الملكة جعل (كلثوم) تشعر بالحنين.
حيث قالت السيدة البالغة من العمر 80 عاماً، وهي تَصِف كيف تمكنت من تربية أسرة مكونة من ستة أفراد على دخل متواضع: "بصراحة، كنا مرتاحين في أيام الاستعمار البريطاني ، لم نكن نعاني، عندما كنا تحت الاستعمار، كنا في نعمة الله وأمانه".
توفيت الملكة إليزابيث الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 96 عاماً بعد حكم دام 70 عاماً، وكانت العاهل البريطاني الأطول خدمة والأكثر سفراً في تاريخ بريطانيا.
وقالت (السيدة سعيد) أيضاً متحدثةً في منزلها بجوار مستشفى أسسته الملكة: "إن الصغار والكبار في عدن حضروا للترحيب بها خلال زيارة استغرقت 24 ساعة في عام 1954"، وهي جزء من جولة حول العالم قامت بها في العام الأول بعد تتويجها.
وقد أظهرت لقطات إخبارية لزيارة الملكة وهي تمنح وسام الفروسية لضابط كبير في القوات الجوية البريطانية وقيادي يمني من منطقة حضرموت الشرقية، وتشاهد موكباً للقوات اليمنية، حيث كان البعض يمتطون الجِمال.
وأعربت السيدة سعيد عن حنينها وهي تتحدث قائلة: "كان الناس سعداء ، صغاراً وكباراً كانوا سعداء"، مشيرة بيدها إلى أحياء عدن التي خرج منها سكانها لاستقبال الملكة.
و لا تزال لوحة برونزية تمثل حجر الأساس الذي وضعته الملكة إليزابيث لمستشفى حمل اسمها حتى نهاية الحكم البريطاني في عام 1967، و تم تغييره بعد ذلك إلى مستشفى (الجمهورية).
و في ذلك العقد الفاصل تلاشت النوايا الحسنة التي ظهرت أثناء زيارة الملكة، حيث أدت انتفاضة استمرت أربع سنوات إلى طرد القوات البريطانية و قُتل خِلالها مئات الأشخاص.
استولت بريطانيا على عدن عام 1839، بهدف السيطرة على مدخل البحر الأحمر وحماية الطرق المؤدية إلى الهند!
وفي عام 1937 أصبحت مستعمَرة تاجية ذات أهمية استراتيجية كبيرة للبريطانيين.
كما أصبحت عدن بعد ذلك عاصمة جنوب اليمن الاشتراكي، الذي اندمج مع الشمال في عام 1990 قبل محاولة فاشلة للانفصال في حرب أهلية بعد ذلك بأربع سنوات.
و كانت المدينة آنذاك مسرحاَ لقتالٍ عنيف مرة أخرى في الصراع الأخير، والذي اندلع عندما سيطر مقاتلون من جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران على جزء كبير من البلاد في عام 2014.
بالنسبة ل(نورية ناجي مديرة المنظمة اليمنية للتعليم والإغاثة) - التي دافعت عن حصول الأطفال الأكثر فقراً على التعليم خلال العقدين الماضيين المليئين بالتحديات - فإن وفاة الملكة إليزابيث أعادتها للذكريات أيضاً.
فقد تم تكريم (السيدة ناجي) من قبل الملكة في عام 2013 لعملها، والذي وصفت في اقتباسها بأنها: "تُغيير حياة النساء والأطفال في اليمن".
وقالت وهي تحمل صورة حفل تنصيبها في لندن، إنها وقفت بفخر "كما لو كنت جندياً" لأن الملكة جعلتها ضابطة في وسام الإمبراطورية البريطانية، كما تُعرف جائزتها رسمياً.
وعَبّرت عن فخرها قائلة: "عندما أطلقوا على اسمي - نورية ناجي تشرفت بعملها في اليمن - جعلني اسم اليمن أشعر أنني كنت أحمل العالم كله بين يدي، لقد كان شرفاً وفخراً عظيماً بحق"!