تشعر سعاد (اسم مستعار) بالقهر يعتصر قلبها بسبب حرمانها وشقيقاتها الخمس من الميراث في مجتمع ذكوري تخضع فيه كثير من النساء للإذلال وسلب حقوقهن، إما بالتهديد او بالتزوير والاحتيال.
خلال سنوات غربته الطويلة المتقطعة التي امتدت لعقدين من الزمان، حرص والد سعاد على الكد والعمل باجتهاد، لكي يحسّن وضع عائلته المتوسطة المكونة من زوجة وخمس بنات، وابن أكبر وحيد بعد أن توفي اثنان منهما.
•حدث لم يكن بالحسبان
" لثقته الكبيرة بأخي الأكبر، حوّل والدي كل المبالغ المالية باسمه، لكي يبني لنا بيتا، ويقوم بتنفيذ مشاريع تضمن لنا دخلا كافيا لا نحتاج فيه إلى أحد.. كان والدي يرغب بالعودة والاستقرار معنا، لكن ما حدث لم يكن بالحسبان"، قالت سعاد بنبرة حزينة، وهي تكاد تجهش بالبكاء.
تابعت بصوت مغصوص" كتب أخي جميع الممتلكات باسمه؛ المشاريع والعقارات والبيوت.. كانت صدمتنا قوية، اصيب الوالد بالشلل عقب معرفته بالامر، ثم توفى بعد وقت قصير ".
لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تحدثت المرأة الثلاثينة عن تعرضها ووالدتها وشقيقاتها لانواع شتى من العنف الاسري على يد شقيقها الذي لم يكف عن مضايقتهن ومنعهن من مغادرة المنزل.
•سرق منا كل شىء
اضافت سعاد بينما كانت تكفكف دموعها " عندما قررنا اللجوء الى القضاء، قام بطردنا مع والدتنا من المنزل، بالرشوة استطاع تزوير وثائق ومحررات رسميه بينها
ورقة طلاق والدتي من أبي، سرق منا كل شىء، لقد وصل به الأمر إلى أخذ ذهبي ليلة زفافي، كانت تلك من أتعس اللحظات في حياتي"
وتكفل الشريعة الاسلامية والقوانين في اليمن للمرأة حقوقها الكاملة في الميراث، لكن غالبا ما تتعرض النساء إلى مضايقات كبيرة عند المطالبة بهذا الحق، تصل احيانا الى حد القتل او الضرب المبرح.
تؤكد المحامية في إدارة حماية المرأة بوزارة الداخلية (جهة حكومية) هيفاء الكوكباني أن حق المرأة في واجب شرعي وقانوني، ولا يحق لأحد أن يحرمها من ذلك.
•حق شرعي وقانوني
ومع ذلك تقول ان اليمن بشكل عام يعتبر من أكثر البلدان العربية التي تتعرض المرأة فيها للاضطهاد؛ إذ تحرص كثير من القبائل اليمنية على تقسيم الميراث بين الذكور مستبعدين المرأة من حقها في التركة.
وتذكر المحامية والمستشاره القانونية إنتصار المعافا بأن المشرع اليمني عرف الميراث بانه" إنتقال الأموال والحقوق الخاصة بالميت الى من يرثه" وفق ما جاء في نص الماده(299) من قانون الأحوال الشخصية.
تضيف " ذات المادة تعرف الوارث بانه" من يستحق التركة أو نصيباً منها بسبب القرابة أو الزوجية أو الولاء".
تؤكد بانه من المعلوم شرعاً وقانوناً أن" للذكر حظ الانثيين أي للانثى نصف ماللذكر وهذا هو المعمول به عند التقسيم للتركة".
يقول فؤاد عبده نعمان الجعفري، وهو محامي وخبير قانوني، "لکل شخص متوفی ورثة شرعیین، ذكور واناثا، یرثونه وفقاً لانصبتهم التی حددها الشرع، لكن من المؤسف انه لايزال هناك من الورثة من یستأثر بمال المورث ویرفض القسمة".
•وسائل الحرمان متعددة
ووفقا للمحامي الجعفري فأنه حتى في حال تمت القسمة، كثيرا ما یرفض بعض الورثة الذكور تسليم
نصیب المرأه، سواء كانت أخته أو عمته أو حتی أمه متخذاً بذلک العدید من الوساٸل لحرمانهن من الميراث، أما عن طریق استخدام القوة، او اللجوء لوساٸل احتیالیة من بينها التزوير.
وينص قانون الأحوال الشخصیة اليمني على انه يستطيع کل ذي حق، المطالبة بحقه في الميراث أمام القضاء، لكن المحامي الجعفري يرى ان المعضلة تكمن في ان " المرأه لاتذهب الی القضاء للمطالبة بنصيبها الشرعي".
•الاسباب والدوافع
ويعزو الجعفري ذلك الى جملة العوامل من بينها العادات والتقاليد والامية وانعدام الوعي القانوني، فيما يذهب الناشط الحقوقي والإعلامي لؤي العزعزي الى أن المرأة تخاف اللجوء للقضاء والطعن في تزوير الوراثة خوفا من النبذ والإقصاء.
" بعض النساء يعتقدن المطالبة بالحق شيئا معيبا، وهناك خشية من نظرة المجتمع المحتقرة للمرأة التي تطالب بميراثها، اعتقادا بانها تفرط باخوانها لارضاء زوجها "، يوضح العزعزي.
تتفق في ذلك ايضا المحامية هيفاء الكوكباني التي تؤكد بان "القبائل اليمنية تخشى انتقال التركة من المرأة لزوجها، فتحرم المرأة من حقّها في الميراث خاصة مواريث العقار أو الأرض".
•خروج من كنف العائلة
حسب الكوكباني تعد مطالبة المرأة تمردا وخروجا من كنف العائلة، فالعقلية الذكورية لا تستطيع أن ترى المرأة أعلى من الرجل ماديا.
في المقابل تلقي الكاتبة والباحثة الاجتماعية إيناس عبده الزوار باللائمة على المرأة نفسها، قائلة بانها " هي مَن تظلم نفسها قبل أن يظلمها الرجل أو المجتمع، ذلك أنها تقبل الظلم وتستسلم له".
وتفسر الباحثة ايناس بان دافع الرجل لحرمان المرأة من الميراث هو اعتقاده بأنها لا تستحقُه، أو أنها غير مؤهلة للحصول عليه، كونها ضعيفة وليس عليها اي التزامات، فضلا عن ظنّه أيضا بأن ميراثها سيذهب لزوجها الغريب، وهو احق به منه.
تتابع قائلا" ذلك هو جانب التفكير النفسي للرجل، أما عن الطبع الذاتي فهو الجشع وعدم الخوف من الله ".
وتعتقد الباحثة ايناس ان المرأة تتجنب في اغلب الاحوال أن تطالب بحقها من الميراث؛ خشية ان تخسر "أخاها إن طالبته بذلك ؛ لأن القطيعة ستحلّ بينها وبينه".
•تعصب وهيمنة ذكورية
من جانبها تضيف الاختصاصية الاجتماعية حنان عاطف أن من اسباب حرمان المرأة من حقها في الميراث، أيضا عدم وجود الوعي في المجتمع والتعصب القبلي، والهيمنة الذكورية.
ويستغل الذكور في كثير من الحالات نسبة الجهل و الامية المتفشية بين النساء لممارسة الاحتيال والتغرير عليهن للحصول على نصيبهن بالارث سواء بالتنازل او البيع الصوري او غير ذلك من اساليب التلاعب الشائعة.
يروي أحمد علي (اسم مستعار) كيف استولى شقيق جدته على جميع ممتلكاتها، حيث اخذها الى القاضي واقنعها بأن تبصم على اوراق بالتنازل له على كل ما تملك.
يقول الناشط الحقوقي لؤي العزعزي " عندما تكون المرأة امية يسهّل الأمر للورثة بجعلها تبصم على أوراق وهي لا تعلم محتواها، احيانا يمكن للابن الحصول على بصمة امه وهي نائمة او يستغل جهلها.
•تعزيز الثقة بالنفس
المحامية هيفاء الكوكباني هي ايضا تعتقد ان الامية وجهل المرأة بأحكام الشريعة والقانون يسمح للذكور بالتلاعب والتزوير، وإخفاء الوثائق والتهرب من القضاء.
غير ان الناشطة والمحامية إنتصار المعافا تؤكد بان حالات التزوير في مستندات التركة هي نادرة وليست شائعة وفقاً لما لمسته بالمحاكم خلال عملها بالقسم الشخصي.
واشارت الى ان التزوير يمكن فضحه بسهوله باحالة الوثائق الى المعمل الجنائي.
وللدفع باتجاه حماية حق المرأة في الميراث تشدد الباحثتان ايناس عبدالزوار وحنان عاطف على اهمية تشجيع النساء على المطالبة بحقوقهن دون خوف واكسابهن الثقة بالنفس ونشر الوعي بضرورة منح النساء نصيبهن كاملا في الارث كحق شرعي وقانوني.
(أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)