[ مباني صنعاء القديمة - تصوير نزيه محمد ]
فاقمت السيول العارمة والأمطار الغزيرة من متاعب اليمنيين فيما لا تزال البلاد تئن تحت وطأة حرب أهلية وأزمة إنسانية قاسية. وحذر خبراء من أن كارثة السيول تُظهر ضعف قدرات البلاد ما ينذر بكوارث وشيكة.
خلفت السيول الجارفة والأمطار الغزيرة خسائر بشرية كبيرة في اليمن منذ الشهر الماضي خاصة في محافظتي صنعاء وحجة. وكانت السيول ناجمة عن انخفاض جوي مصدره بحر العرب.
وأعلنت الأمم المتحدة الجمعة الماضية وفاة 77 شخصا جراء الأمطار الغزيرة والسيول في اليمن خلال أسبوعين.
ففي مدينة صنعاء القديمة، المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، أدت السيول إلى انهيار ما لا يقل عن عشرة مبانٍ عريقة لا يقل عمرها عن 500 عام فضلا عن تدمير نحو 80 منزلا فيما جرفت السيول مئات الخيام التي تأوي النازحين.
والأربعاء الماضي، اجتاحت السيول منزل علي محمد حسن المزجاجي في مدينة الخوخة.
وفي مقابلة مع DW، قال المزجاجي، البالغ من العمر 50 عاما، إنه "قبل أن يتمكن المنقذون من إخراج الأسرة إلى مكان أقل خطرا، وقفت مثل أغلب السكان على أطلال المنازل المدمرة بالسيول حتى الصباح".
بدوره قال يوسف الغليسي، أحد سكان مدينة الخوخة، إن "السيل الجارف القادم من الجبال، داهم أولا خيام النازحين شرق الخوخة، قبل أن يصل وسط المدينة ويتفرع في الأزقة والحواري." وفي مقابلة مع DW، أضاف "صراخ الأطفال لم يكن يكاد يُسمع بسبب قوة هدير الماء".
وفي محاولة لمساعدة اليمن على مواجهة تداعيات كارثة السيول الجارفة، أعلنت الأمم المتحدة الأحد الماضي تخصيص 44 مليون دولار للاستجابة المنقذة للحياة.
•تفاقم الوضع
وعلى وقع هذا الوضع، حذر بشير السلوي، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، من تفاقم الوضع الإنساني الصعب والقاسي في اليمن خاصة مع استمرار القتال والمعارك.
الجدير بالذكر أن اليمن مازال يئن تحت وطأة حرب مستمرة منذ ثماني سنوات بين المليشيات الحوثية المدعومة من إيران من جهة والحكومة المعترف بها دوليا المدعومة من السعودية من جهة أخرى في صراع يراه كثيرون باعتباره حرب وكالة بين طهران والرياض.
وقد أدى استمرار المعارك إلى اعتماد غالبية اليمنيين على المساعدات الدولية خاصة وأن البلاد باتت على شفا المجاعة فيما تفاقمت إزمات اليمن مع الغزو الروسي لأوكرانيا حيث كان اليمن قبل الحرب يستورد ما يصل إلى 45٪ من القمح من أوكرانيا وروسيا.
•الخطر قادم
وفي مطلع أغسطس/ آب الجاري، وافق أطراف النزاع في اليمن على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين في خطوة رحب بها الرئيس الأمريكي جو بايدن حيث حثهم على استمرار في الهدنة.
وفي مقابلة مع DW، قال عبد الغني الإرياني، الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إنه بصرف النظر عن انخفاض حصيلة ضحايا الحرب، إلا أن "المواطنين يقولون إن الوضع لم يتغير".
وأضاف "لا تزال هناك خسائر مدنية في تعز بسبب القصف العشوائي من قبل جماعة الحوثي ولا تزال الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة تحصد أرواح الأطفال".
وعلى وقع السيول العارمة، تحول طريق تعز في المدينة التي يقطنها 4.5 مليون نسمة، إلى حواجز مائية.
ويعد الطريق قضية حاسمة في اتفاق الهدنة إذ يصر الحوثيون على أنه في حالة استمرت القوات الحكومية في تقييد الوصول إلى مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة الواقعين تحت سيطرة الحوثيين، فإن الطريق سيظل مغلقا.
وقد أفادت منظمة "أنقذوا الطفل" الإغاثية بأن الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز الماضي شهد تجدد أعمال عنف أسفرت عن مقتل وإصابة 38 طفلا رغم سريان الهدنة فيما تعد هذه الحصيلة الأكبر بين الأطفال منذ 2020.
بدوره، قال بشير السلوي إن "الخدمات الأساسية على وشك الانهيار خاصة مع عمل نصف مرافق الرعاية الصحية فقط" في اليمن الذي يمثل "أكبر حالة طوارئ" لانعدام الأمن الغذائي بالعالم.
وفقا لتقديرات منظمات الإغاثة الإنسانية، فإن قرابة 16.2 مليون شخص في اليمن أي 70٪ من تعداد سكان البلاد، باتوا يعانون من مستويات خطيرة لانعدام الأمن الغذائي الحاد خاصة بين الأطفال والنساء حيث يعاني 4.7 مليون طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد.
•خطر بيئي كبير
وعلى وقع استمرار الحرب، انقسم اليمن عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 إلى مناطق في شمال البلاد خاضعة لسيطرة الحوثيين فيما تسيطر القوات الحكومية على باقي المناطق.
وفي ذلك، قال الإرياني إن الوضع السياسي يعد "مستقرا لدى الحوثيين مع وضوح خطوط القيادة. ورغم الغضب الشعبي، لكن لا يمكن التعبير عنه بسبب الخوف من قبضة الشرطة القاسية".
وأضاف أن القتال الأخير في منطقة شبوة الغنية بالنفط في جنوب البلاد أدى إلى سقوط نحو 30 قتيلا الأسبوع الماضي فيما ساهم أيضا في اتساع الانقسام في صفوف الكيانات المناهضة للحوثيين المنضوية تحت لواء تحالف يضم مجموعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح وغيرها من أحزاب تدعم التحالف بقيادة السعودية.
وقال الإرياني إن هذا الوضع "قد يجعل من الصعوبة على مجلس القيادة الرئاسي في اليمن الاستعداد لإجراء مفاوضات سلام دائمة".
•"كارثة وشيكة"
وقبل أيام، بدأ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ جولة خليجية لبحث توسيع الهدنة الأممية وحل شامل للصراع الذي طال أمده في اليمن.
بيد أن جولة الدبلوماسي الأمريكي تزامنت مع تحذيرات من حدوث كارثة بيئية وشيكة إذ تواجه ناقلة نفط "صافر" المهجورة والراسية قبالة سواحل اليمن وعلى متنها مليون برميل من النفط الخام، خطر التفكك أو الانفجار.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان إن ليندركينغ شدد على "أن تسرب النفط من شأنه أن يفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم ويتسبب في أضرار بيئية شديدة فضلا عن تداعيات ذلك على الشحن الدولي والأنشطة الاقتصادية الأخرى."
وشدد البيان على ضرورة "مواصلة دعم خطة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة لإفراغ ناقلة النفط المتهالكة "صافر" مع وجود حوالي 14 مليون دولار غير ممولة واتفاق بين الأمم المتحدة والحوثيين لتفريغ النفط في ناقلة مؤقتة، أقرب ما يكون إلى معالجة التهديد الذي تشكله هذه الناقلة المهجورة."