اليمن: الأطفال في مرمى سبع سنوات من الحرب
يمن فيوتشر - خاص: الإثنين, 25 يوليو, 2022 - 04:12 مساءً
اليمن: الأطفال في مرمى سبع سنوات من الحرب

"لقد خذلهم العالم جميعاً"، هذا ما قالته المديرة التنفيذية لمنظمة "اليونيسف" كاثرين راسل، في مداخلة لها قبل أيام في المناقشة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي حول الأطفال والنزاع المسلح، وذلك في إشارة إلى الانتهاكات الجسيمة والعديدة التي تعرض لها الأطفال، ولا يزالون، في مناطق انتشار الصراعات حول العالم ومنها اليمن.
وربما لن نبالغ، إذا قلنا أن الأطفال في اليمن هم من ضمن الأكثر تعرضاً للانتهاكات على مستوى العالم، فمع أكثر من سبع سنوات من الصراع المسلح، تعرض ملايين الأطفال في اليمن لانتهاكات متعددة، تنوعت بين قتل وإصابة واختطاف وتجنيد وحرمان من التعليم، وافتقار للرعاية الصحية، بالإضافة إلى معاناتهم الشديدة من سوء التغذية الناتجة عن الأزمة الإنسانية التي صنفتها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
وبحسب تقارير حقوقية محلية ودولية فإن الأطفال اليمنيين، من الفئات الأكثر معاناة وتضرراً جراء الصراع المسلح، إذ تأثر ملايين الأطفال اليمنيين من الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذا الصراع.


•آلاف القتلى والجرحى
ففي الآثار المباشرة للحرب على الأطفال في اليمن، قدرت تقارير أممية بأن عدد القتلى والجرحى منهم خلال سنوات الحرب يصل إلى أكثر من 10200 طفل، بينما تتحدث تقارير لمنظمات حقوقية دولية بأن عدد القتلى والجرحى يفوق 14 ألف طفل (5700 قتيل، و8310 جرحى).
وليس ذلك فقط، بل امتدت الانتهاكات إلى تجنيدهم من قبل أطراف النزاع المسلح في اليمن ودفعهم إلى خوض غمار الحرب، بحسب ما ورد في تقرير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأطفال والنزاع المسلح عام 2021، الذي وضع قائمة بالمتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الأطفال في النزاع المسلح في اليمن.


•عسكرة الطفولة
وبحسب تقرير، نشرته محطة "دويتشه فيله" خلال العام 2021، قالت فيه: "تُعد ظاهرة تجنيد الأطفال، واحدة من أبرز صور انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات، وثقت خلالها تقارير حقوقية العديد من الحالات لدى مختلف الأطراف، لاسيما جماعة الحوثيين، والتي شكلت أكثر من 77% من حالات تجنيد واستخدام الأطفال الموثقة في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن الأطفال ومناطق النزاع، في حين بلغت الحالات الموثقة للتجنيد في القوات الحكومية ما نسبته 16% وأقل من 5% من قبل قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقال الجنوبي".
وقد تحدث تقرير محطة "دويتشه فيله" عن مئات الآلاف من حالات التجنيد لأطفال، ويبدو أنه ضم إلى حالات التجنيد الفعلية، المنتسبين للمراكز الصيفية التي تقيمها جماعة الحوثيين في كل عطلة صيفية سنوياً، وتجمع فيها مئات الآلاف من الأطفال فيما يشبه معسكر تدريبي مصغر، تلقن فيه الأطفال معارف عسكرية وتغسل أدمغتهم بأفكار وعقائد جهادية وقتالية. 
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المجندين الأطفال في حرب اليمن، لكن عدد من المنظمات الحقوقية تشير إلى أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال المجندين لدى أطراف الصراع. 
وذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في اليمن، في تقرير حديث له، بأن: "‏أكثر من 20 ألف طفل في ‎اليمن كان من المفترض أن يتمتعوا بحياة آمنة وتعليم متين ولعب مع الأصدقاء، إلا أنهم في الواقع يحملون السلاح ويشاركون في القتال ويتركون التعليم".
بينما قالت منظمة "سام" للحقوق والحريات، بأن "جماعة ‎الحوثي متهمة بتجنيد أكثر من 20 ألف طفل وإشراكهم في النزاع المسلح".
ومؤخراً رفعت الأمم المتحدة القوات الحكومية في اليمن، من قائمة الأطراف الضالعة في ارتكاب انتهاكات بحق الأطفال وتجنيدهم، بعد تلقيها ضمانات من الحكومة بمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراع، إضافة إلى الانخفاض الكبير في حالات الانتهاكات بحق الأطفال في صفوف قواتها.
وقد اقتصر القرار الأممي على رفع القوات الحكومية من القائمة دون الإشارة إلى جماعة الحوثيين المسلحة التي يبدو أنها لا تزال مستمرة في عملية تجنيد الأطفال وإجبارهم على خوض معاركها في عديد الجبهات المشتعلة، وهو ما يلاحظ في عديد الصور المعلقة لقتلى الجماعة على لوحات الشوارع في أمانة العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، والتي تظهر بوضوح أن القتلى مجرد أطفال بعمر الورود سقطوا في جبهات مختلفة.
يذكر بأن الحكومة اليمنية المعترف بها، كانت قد اتهمت مؤخرا الجماعة، بالقيام بما وصفتها بـ"أكبر عملية تجنيد للأطفال" تشهدها البشرية، من خلال "المخيمات الصيفية" التي استقبلت الآلاف من طلاب المدارس الأساسية والثانوية خلال الأشهر الأخيرة، ما يتم فيها من تلقين الأطفال أفكار عقائدية تحثهم على التجنيد وأفضلية الحروب والجهاد، فضلاً عن عرض الأفلام الحماسية لحثهم وتشجيعهم على الجنوح نحو الحرب، بحسب ما أورده فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية في تقريره للعام 2021.


•888 حادثة اختطاف
أما حالات الاختطاف التي كان ضحيتها أطفال، فقد بلغت 888 حالة، بحسب تقارير حقوقية دولية.
وحملت منظمة "سام" جماعة الحوثيين مسؤولية ما نسبته 90% من هذه الحالات، حيث قالت بأن "الجماعة مسؤولة عن 797 من أصل 888 حادثة اختطاف لأطفال"، فيما بقية الـ10% فتوزعت على أطراف النزاع الأخرى في اليمن، وذلك خلال فترة الحرب.


•مئات الأطفال ضحايا للألغام
أما عدد الأطفال الضحايا جراء الألغام والقذائف غير المنفجرة من مخلفات الحرب، فقد وصل العدد إلى أكثر من 1286 طفل بين قتيل وجريح خلال الفترة الممتدة من عام 2014 وحتى ساعة كتابة هذا التقرير.
فمنذ بداية الحرب وحتى نهاية مارس من العام الجاري، أي ما قبل الهدنة الأممية، أوردت تقارير حقوقية دولية بأن نحو 1207 طفل وقعوا ضحية للألغام والذخائر غير المنفجرة، وذلك خلال الفترة من (2014 ـ 2022)، وتحديداً حتى شهر إبريل 2022، وهو الشهر الذي شهد بدء سريان الهدنة الأممية.
إذ تم خلال نفس الفترة، توثيق مقتل (477) طفل، فيما بلغ عدد المصابين بسبب انفجار الألغام (730) طفل.
وأوردت منظمة "سام" الحقوقية بأن الأطفال مثلوا ما نسبته 20% من إجمالي ضحايا الألغام المدنيين في اليمن، والبالغ عددهم (6018) مدنيا، بينهم (2632) قتيل و(3386) جريح، خلال هذه الفترة.
أما خلال فترة الهدنة، التي بدأت مطلع إبريل من العام الجاري، فقد تحدثت تقارير دولية بأن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة مثلت أكبر قاتل للأطفال في اليمن. 
وقالت منظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children) بأن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة كانت مسؤولة عن أكثر من 75% من جميع الإصابات المرتبطة بالحرب بين الأطفال، إذ أنها حصدت أكثر من 42 طفل بين قتيل وجريح بين أبريل ونهاية يونيو من العام الجاري.
بينما في شهر يوليو الجاري، فوفق إحصائية خاصة رصدها موقع "يمن فيوتشر" فقد بلغ عدد الأطفال الضحايا للألغام نحو 19 طفل (5 قتلى، 14 جريح)، وذلك خلال الفترة من (1 ـ 24) من الشهر الجاري.


•أكثر من مليونين بلا تعليم
أدت الحرب المستمرة في اليمن وعلى مدى أكثر من سبع سنوات إلى انهيار التعليم في البلد.
وتفيد تقارير أممية بأن أكثر من مليوني طفل حرموا من حقهم الأساسي في التعليم، إما بسبب تدمير المنشآت التعليمية أو بسبب نزوحهم من منازلهم مع أسرهم أو بسبب فقر أسرهم جراء الصراع المسلح الذي أفقد الكثير من أرباب الأسر مصادر دخلهم وأرزاقهم.
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن نظام التعليم في اليمن على وشك الانهيار "مع ما يقرب من 3 آلاف مدرسة إما مدمرة أو متضررة، إضافة إلى وجود نحو 2.4 مليون طفل خارج المدرسة".


•كل ساعتين يموت 6 أطفال
كما أدت الحرب في اليمن إلى كارثة صحية غير مسبوقة، وقالت منظمات أممية بأن سبع سنوات من الصراع أسفرت عن تدمير 50% من المرافق الصحية، وهو ما جعل نحو 21,9 مليون شخص بحاجة إلى الدعم الصحي، خاصة وأن أم واحدة وستة أطفال يموتون كل ساعتين بسبب انهيار النظام الصحي.


•3 ملايين يعانون سوء التغذية الحاد
أما الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها اليمن، فقد كان لها ولا يزال تأثير كبير على الأطفال، في ظل معاناة الملايين منهم من سوء التغذية على مستوى اليمن.
وبحسب تقارير أممية، فإن معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن لاتزال من بين أعلى المعدلات في العالم، إذ أن "أكثر من 8 ملايين امرأة وطفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات غذائية".
إضافة إلى ذلك، فإن نحو 2.2 مليون طفل دون سن الخامسة بحاجة ماسة وضرورية إلى علاج من سوء التغذية الحاد، من بينهم أكثر من نصف مليون طفل (538.483 طفل) معرضون لخطر الموت دون علاج.


•القادم أسوأ
ومن المرجح أن تكون الفترة القادمة أشد وطأة على الأطفال، إذ سيشهد العديد منهم المزيد من التدهور الغذائي، بعد إغلاق عدد من البرامج الإنسانية وتقليص البعض الآخر، بسبب النقص الحاد في التمويل وتداعيات الحرب في أوكرانيا إلى جانب تضخم وارتفاع أسعار الغذاء على المستوى العالمي، وهو ما يعني أن ملايين الأطفال في اليمن سيكونون أكثر عرضة لخطر الموت.
فقد أعلن مؤخراً، برنامج الأغذية العالمي بأنه سيضطر، مع مطلع أغسطس القادم، إلى تقليص مساعداته ما بين ( 25 ـ 50)% من الاحتياجات اليومية لنحو 13 مليون يمني من الأكثر احتياجاً للمساعدات الإنسانية.
وقد اضطر البرنامج بالفعل إلى تعليق المساعدة التغذوية لثلاثة ملايين طفل وأم يعانون من سوء التغذية المتوسط.
كما أوقف "اليونيسيف" العلاج لأكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بحلول شهر يوليو/ تموز الجاري.
ووفق الأمم المتحدة، فإن الحرب التي يشهدها اليمن تسببت في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأصبح معها نحو ثلثي السكان بحاجة للمساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وبحسب تقديرات حديثة لوكالات ومنظمات أممية، يحتاج 23.4 مليون شخص، أي ما نسبته 73% من السكان في اليمن إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية خلال العام 2022. وقد نزح الملايين من ديارهم، وانهار الاقتصاد وانهار النظام الصحي بأكمله تقريباً، مما سمح لأمراض يمكن الوقاية منها، مثل الكوليرا و(COVID-19)، للانتشار دون رادع.


التعليقات