تقرير: الصناعة في اليمن.. مواجهة مكلفة مع العواصف
يمن فيوتشر - بسام غبر الإثنين, 18 يوليو, 2022 - 10:11 صباحاً
تقرير: الصناعة في اليمن.. مواجهة مكلفة مع العواصف

بينما كان عبدالله منتصف العام 2014، قد انتهى من دراسة توسعة وتطوير الشركة التي يديرها، والاستعداد لجلب معدات والآت واستحداث أقسام جديدة، انتهى به المطاف، بتقليص خطوط الإنتاج وتسريح قرابة 30% من قوام العاملين في الشركة.

الثلاثيني عبدالله (اسم مستعار)، يدير شركة صناعية، كقطاع خاص، تضم 4 خطوط إنتاجية، لصناعة مواد غذائية بطاقة إجمالية تقدر بـنحو 12 ألف طن سنويًا، وبعمالة تصل إلى نحو 400 عامل وعاملة، إلا أن الحرب وما رافقها من تبعات كارثية، تسببت بإحداث تغيرات على مسار إنتاج الشركة، "أصابت أعمالنا بالشلل، وكبدتنا خسائر فادحة"، عوامل عديدة نتيجة تبعات الحرب.

بحسب دراسات وتقارير اقتصادية فإن القطاع الصناعي في اليمن يعمل في ظل بيئة اقتصادية واستثمارية صعبة وغير محفزة، ويواجه الكثير من التحديات والمعوقات، وارتفاع وتيرة التحديات والصعوبات في ظل الحرب الدائرة التي الحقت به أضرارًا بصورة مباشرة مابين قصف وتدمير عديد من المنشآت الصناعية، وبصورة غير مباشرة من خلال اختلال استقرار سلاسل الإمداد الصناعية وتوفر عناصر الإنتاج الضرورية أو في صورة تزايد التكاليف الإنتاجية، ووفقًا لبيانات الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية، بلغت الخسائر التراكمية في ناتج القطاع الصناعي بشقيه الاستخراجي (النفط والغاز) والتحويلي (السلع الغذائية والاستهلاكية) خلال السنوات 2015- 2020، قرابة 35 مليار دولار أمريكي.

ووفقًا لأخر مسح صناعي نفذته وزارة الصناعة والتجارة والجهاز المركزي للإحصاء، هناك نحو 28 ألف منشأة صناعية في اليمن، 78.43% منها منشآت صغيرة جدًا (1-3 عامل)، و19.15% منشآت صغيرة (4- 9 عمال)، و1.19% منشآت متوسطة (10-50 عمال)، فيما0.51% منها منشآت كبيرة (أكثر من 50 عامل)، وتتبع نسبة ما يقارب 98% من إجمالي المنشآت الصناعية القطاع الخاص.

إضافة إلى تدهور العملة المحلية واضطراب أسعار الصرف، والانقسام المصرفي في البلاد، يؤكد أنور جار الله رئيس لجنة الصناعة بالاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية، بأن "انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها كذلك سببًا بتكبد القطاع الصناعي اليمني لخسائر وتراجع بالطاقة الإنتاجية".

ويوضح جار الله في حديثه لـ"يمن فيوتشر"، بأن "القيود المفروضة على الحركة التجارية، كعدم السماح لسفن الحاويات الدخول عبر ميناء الحديدة، ومنع جلب المواد الخام والمعدات، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وأجور النقل بين المحافظات"، عوامل أساسية أثرت على مسار الصناعة المحلية والإنتاج الصناعي، مؤكدًا بأن "تضاعف التكاليف وارتفاع أسعار المنتجات والتردي المعيشي للمواطنين أثر كثيرًا على مبيعات الشركات والمصانع المحلية والقطاع الخاص وهو ضاعف خسائر القطاع الصناعي والذي انعكس على المنشآت العاملة وإقدام الكثير منها على تسريح العمالة وتقليص الكميات الواردة وتلف بعض المنتجات خاصة الغذائية.

في هذا الصدد، كان هناك تخوف داخلي في اليمن أن تلقي كل هذه والأزمات بتبعات ثقيلة تؤثر على أداء القطاع الخاص وقدراته الإنتاجية الصناعية ومستوى الاستيراد وتغطية احتياجات الأسواق المحلية من السلع والمواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية، إلا أن جهود بذلت من بعض القطاعات الصناعية والتجارية الكبرى للتخفيف من حدة تبعات هذه الأزمات والصمود في وجهها واحتواء ما أمكن منها للاستمرار في عجلة الإنتاج وتغطية احتياجات الأسواق المحلية.

وتؤكد مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه، كبرى المجموعات التجارية والصناعية في اليمن، أنها بذلت جهود كبيرة للحد من تداعيات التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل على المستهلك النهائي عبر الضغط على المصروفات وترشيد النفقات، كالتزام مبدئي تجاه اليمنيين لإدراكهم خطورة توقف أو تراجع الإنتاج على استقرار السوق.

وأوضحت لـ "يمن فيوتشر"، بأنها سعت وما زالت إلى ايجاد بدائل متعددة لاستمرار خطوط الإنتاج الصناعي المحلي والعمل بجهود شاقة لتوفير واستيراد مدخلات الإنتاج وتلافي انخفاض المعروض من السلع الغذائية والألبان التي تعتمد عليها كثير من الأسر اليمنية، مشيرة إلى أنها بذلت "جهود مضاعفة لإيجاد حلول لاستدامة نقل الخامات والمشتقات النفطية من الخارج، وتقديم الكثير من الدعم والتسهيلات لضمان تواصل سلاسل الإمداد الداخلية واستقرار الأسواق، والصمود أمام مختلف العواصف التي تسببت بها الحرب والأزمات لاستمرار دوران عجلة الإنتاج.

 

تغيرات سعر الصرف

يشكو تجار وصناعيون، من فوارق سعر الصرف اليومية التي أصابتهم بالارتباك وتعطيل أعمالهم وتكبدهم خسائر فادحة نتيجة عدم استقرار سعر صرف العملة المحلية، كما يرى عدد من الصناعيين ومنهم عبدالله بأن "المشكلة لم تعد تكمن في تدهور سعر صرف الريال اليمني فقط، بل في الاضطراب الحاصل وتغير سعر الصرف من يوم لآخر، وفي كثير من الأحيان يتغير أكثر من ثلاث مرات في اليوم".

ياسين الواحدي مالك منشأة صناعية، هو الأخر، تضرر بفعل تقلبات أسعار الصرف، وانخفضت نسبة الإنتاجية في مصنعه الذي يحوي 14 عاملًا، نتيجة تقلبات أسعار العملة المحلية، وأوضح بأن "كثيرًا من المعاملات والصفقات اليومية التي تجري في قطاع الأعمال يتم إلغاؤها بسبب تغير سعر الصرف، وبعضها تكون نافذة وغير قابلة للإلغاء مع تغير سعر الصرف، وهذا يؤدي إلى "تحملنا تكاليف وخسائر باهظة فوارق صرف العملة المحلية"، وتؤكد ذلك إفادات عديد من التُجار والصناعيين.

وشهدت العملة اليمنية اضطرابات بوتيرة عالية، مع تجاوز سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية مستويات قياسية في ظل عجز وارتباك حكومي ومصرفي في السيطرة على عملية الانهيار المتواصلة وتلافي تبعاتها الكارثية على كافة المستويات المعيشية والإنسانية. ووفق اقتصاديين، فقد خسر الريال اليمني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ اندلاع الحرب.

  • أثرت أسعار الصرف على عملية التصنيع المحلي بشكل سلبي مباشر من خلال زيادة أسعار المنتجات المصنعة وانخفاض قدرتها التنافسية في السوق المحلي أمام المنتجات الاجنبية، الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج

تشير التقديرات إلى أن المتوسط الوطني لسعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني ارتفع من 214 ريال/دولار نهاية عام 2014 إلى 900 ريال/دولار (السوق الموازي) في سبتمبر 2021 بنسبة ارتفاع 420.5%، وهو ما يمثل خسارة ولأسباب عدة أبرزها استنفاد الاحتياطيات الخارجية التي كانت متاحة من النقد الأجنبي بالتوازي مع تعثر تدفق موارد النقد الأجنبي إلى اليمن وانخفاض حجم تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج بسبب قيود جائحة كورونا، بالإضافة إلى الانقسام المصرفي الحاصل في البلاد.

رسم بياني يوضح متوسط أسعار الصرف غير الرسمية للريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي في كل من عدن وصنعاء

 

أثرت أسعار الصرف على عملية التصنيع المحلي بشكل سلبي مباشر من خلال زيادة أسعار المنتجات المصنعة وانخفاض قدرتها التنافسية في السوق المحلي أمام المنتجات الاجنبية، الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج"، وفقًا للدكتور معين الهويش، وأن "تقلبات أسعار الصرف تنتقل إلى أسعار السلع بصورة فورية حيث يقوم المستوردون ببيع سلعهم بما يعادل أخر سعر صرف متداول في سوق الصرف بغض النظر عن وقت استيراد السلع المباعة مما يجعل أسعار السلع المعتمد إنتاجها على مدخلات مستوردة في حالة تقلب دائم تبعا لتقلبات سعر الصرف".

فيما يعتبر أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة تعز، التأثير السلبي غير المباشر هو بأن "سعر الصرف المرتفع يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للعملة المحلية وتآكل المدخرات وتخفيض القيمة الحقيقية للدخل وبالتالي انخفاض الانفاق الكلي بما في ذلك الانفاق على القطاع الصناعي سواء كاستهلاك منتجات أو استثمارات جديدة".

 

أزمات وقود متلاحقة

تشير التقديرات إلى أن أزمات الوقود تسببت بوقف 50% من الحركة الاقتصادية بشكل عام، وفي القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية على وجه الخصوص، ووفقًا لتقرير ممارسة الأعمال للبنك الدولي، فإن 72% من إجمالي المنشآت الاقتصادية الخاصة العاملة في اليمن أكدت حدوث زيادات في نفقاتها التشغيلية جراء ظروف الصراع والحرب والعوامل المرتبطة بها خلال السنوات 2017 - 2019 .

وتؤدي أزمة المشتقات النفطية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي بما فيها من تفرعات وأنشطة والتي تتأثر جميعها نتيجة الأزمات المتكررة وتأخر الإمداد من المشتقات النفطية، مما يتسبب في انخفاض الإنتاجية، وتقوم بعض المنشآت بوقف نشاطها موقتًا، وخفض ساعات العمل، مما يساهم في تدني إنتاجية وعائدات القطاع الصناعي وتقليص قدرته على التوسع وتوليد فرص العمل والدخل، وكان تقرير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي لشهر يناير2020، أشار إلى تقديرات الغرفة التجارية الصناعية بأن أكثر من 350 مصنعًا توقفوا عن العمل؛ نتيجة أزمات المشتقات النفطية المتكررة، وأكثر من 980 ألف عامل فقدوا مصدر دخلهم.

وأًجبرت مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه، -التي تغذي النسبة الأكبر من احتياجات السوق المحلية في اليمن- على توقف النشاط الإنتاجي كليًا أو جزئيًا في السنوات الأولى من الحرب بعد نفاذ المشتقات النفطية وتعرض بعض المصانع للقصف والتدمير، وإغلاق المنافذ وصعوبة وصول العمال إلى المصانع، وقالت لـ يمن فيوتشر" بأنه تم تخطي هذه التحديات واستيراد شحنات اسعافية من الوقود لاستعادة النشاط الإنتاجي، ومعالجة تحديات انتقال العمال بعملية تسكين داخلية واسعة مع توفير كل خدمات المعيشية والتغذية، وتمكنت من دعم استقرار السوق وتغذيتها بالسلع الأساسية والحفاظ على سلامة سلسلة التوريد ودعم قدرتها على مواجهة التحديات وتذليل الصعوبات التي واجهتها عملية النقل لإيصال السلع والبضائع إلى مختلف المحافظات.

  • تؤدي أزمات الوقود المتلاحقة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي بما فيها من تفرعات وأنشطة والتي تتأثر جميعها نتيجة استمرار هذه الأزمات المتكررة وتأخر الإمدادات من المشتقات النفطية، وهو ما يتسبب في انخفاض الإنتاجية

ووفقًا لتقرير آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن، هناك زيادة في المتوسط الشهري لكمية الوقود المفرغة لمايو 2022، بحوالي 384٪ لتصل إلى نحو 216 ألف طن مقارنة بالمتوسط ​​الشهري لعام 2021  وزيادة بنسبة 66٪ مقارنة بالمتوسط ​​الشهري منذ مايو 2016 بحوالي 130 ألف طن.

يظهر تحليل "يمن فيوتشر" لبيانات تقارير آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، إلى أن كميات الوقود المفرغة لم تغطي حجم الطلب وحاجة السوق المحلية من الوقود، فكما يوضح الشكل التالي بأن المتوسط الشهري لكمية الوقود المفرغة بلغ حوالي 144.5 ألف طن خلال الفترة 2016- مايو 2022م، وساهم في تغطية حوالي 26.5% في المتوسط، وتقدر الأمم المتحدة احتياجات اليمن من الوقود بحوالي (544 ألف طنًا) شهريًا، وبالتالي فإن فجوة الطلب تقدر بنسبة 73.5% أي بما يقارب 399 ألف طن شهريًا في المتوسط خلال الفترة نفسها مما أدى إلى أزمات متكررة ومتلاحقة في الوقود.

خبراء اقتصاديون يعتبرون إن حالة حدوث انخفاض كبير في العرض من الوقود إلى ما دون مستويات المتطلبات الشهرية، يؤدي إلى حدوث أزمة في المشتقات النفطية، حيث يعتمد استقرار أسعار الديزل والبترول بشدة على حجم المعروض من الوقود بالكميات الكافية، كما تعثر المصافي المحلية لتكرير النفط في مدينة عدن، والاكتظاظ في مينائها بالإضافة إلى التأخر الكبير في الإجراءات المتعلقة بالواردات كلها عوامل تعمل على استمرار الأزمات المتكررة نتيجة قلة العرض واتساع فجوة الطلب.

رسم تفاعلي يوضح المتوسط الشهري لكل من كمية الوقود المفرغة وفجوة الطلب خلال الفترة 2016 – مايو 2022م

 

 

 

 

سوق سوداء للوقود

وتنعكس أزمة المشتقات النفطية في اليمن في بروز ظاهرة السوق السوداء حتى توسعت وأقامت سوقًا موازيًا للسوق الرسمي للمشتقات النفطية مما يؤدي إلى عدم استقرار الوضع التمويني والسعري للمشتقات النفطية.

وخلال سنوات الحرب عانى اليمنيون من ارتفاعات متواصلة في أسعار الوقود، والتي زادت بأكثر من 300% عما كانت عليه قبل الحرب في 2014، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم وشملت مختلف القطاعات.

فأزمة انعدام المشتقات النفطية وتقلبات أسعارها هي من أجبرت الحاج مطهر السيد على إيقاف مصنعه المنتج لأكواب وأطباق بلاستيكية، مدة عام كامل، نتيجة شراءه المشتقات النفطية من السوق السوداء، مما أثقل كاهله، وأصبح هو من يصرف على المصنع لا العكس، حد تعبيره.

ويعتبر السيد أن المشتقات النفطية في السوق السوداء تعد مصدر إتلاف للماكينات والمعدات المختلفة نتيجة ضعف الالتزام بمعايير الجودة والسلامة، وهو ما انعكس على الآت ومعدات مصنعه من إلحاقها بالضرر.

وتشير البيانات إلى أن المتوسط الوطني لسعر مادة الديزل ارتفع من 150 ريالاً/لتر نهاية 2014 ليصل نهاية سبتمبر 2021 إلى 661 ريالاً / لتر بنسبة زيادة 340.7%، وارتفعت أسعار البترول على المستوى الوطني من 158 ريالاً/لتر نهاية 2014 إلى 650 ريالاً/لتر نهاية سبتمبر 2021 بنسبة زيادة 311.4%.

رسم تفاعلي يوضح أسعار المشتقات النفطية خلال الفترة 2014- 2021

 

 

 

وكانت اليمن قد أعلنت تحرير أسعار الوقود في عام 2018، وخضوعها لتداولات أسعار الصرف، والدولار تحديدا، وذلك بعد عقود من الدعم الحكومي لهذه السلعة الضرورية، ويخلص الدكتور الهويش إلى أن "تأثير أسعار المشتقات النفطية على عملية التصنيع المحلي بشكل سلبي مباشر مرتبط في معظمه بأسعار الصرف، من خلال أسعار المنتجات المصنعة، حيث تأثرت أسعار المنتجات بارتفاع تكاليف الوقود والنقل سواء للمواد الخام أو للمنتجات النهائية، ومن خلال ذات التأثير غير المباشر الخاص بأسعار الصرف.

ولم يغفل الدكتور الهويش عن تأثير ارتفاع أسعار الوقود عالمًيا على الوضع في اليمن، معتبرًا أنها "أدت إلى زيادة الطلب على النقد الاجنبي والضغط عليه وبالتالي ارتفاع سعر الصرف ومن ثم ارتفاع الأسعار المحلية للوقود ومنها إلى أسعار المنتجات الصناعية" مشيرًا إلى أن "هناك حلقة مفرغة ما بين أسعار المشتقات النفطية وأسعار الصرف وأسعار المنتجات الصناعية".

 

تكاليف شحن باهظة

الأمر لم يكتفي بتقلبات أسعار الصرف والمشتقات النفطية، فزيادة التكاليف الخاصة بالشحن البحري الخارجي جراء زيادة رسوم الشحن والتأمين للبضائع الواصلة إلى الموانئ اليمنية ومن ضمنها المواد الخام والمنتجات الوسيطة، مثلت صعوبات وتحديات في التحكم بسلسلة الامدادات والتوريدات اللازمة لعملية الإنتاج والتصنيع، حيث تراوحت نسبة الزيادة في تكاليف الشحن ورسوم التأمين، وتكاليف النقل الداخلي، بين المحافظات، بنسبة تفوق 700%، بحسب صناعيين ورجال أعمال، بالإضافة إلى الازدواج الجمركي والضريبي، والجبايات.

الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي فضل مبارك، يعتبر أحد عراقيل التصنيع في اليمن في ظل الحرب والصراع، هو ما يتم من عملية فرض تفتيش على السفن القادمة إلى الموانئ اليمنية، وأن هناك تكاليف باهظة مضافة جراء هذا القرار.

ويرى مبارك بأن "التحالف قادر على أن يقوم بعملية التفتيش في الموانئ اليمنية"، وأنه "يمكن نقل طاقم التفتيش إليها إن كان لا يثق في الكوادر اليمنية لتولي هذه المهمة"، مشيرًا إلى أن هناك أعباء إضافية أخرى تتمثل في "الجبايات غير القانونية التي تفرضها بعض القوى منذ رسو السفينة في الميناء وتفريغ شحنتها وخروجها إلى مكانها المحدد حيث يتطلب دفع إتاوات وجبايات في كل نقطة امنية من بوابة الميناء إلى بوابة المصنع".

 

  • زيادة التكاليف الخاصة بالشحن البحري الخارجي جراء زيادة رسوم الشحن والتأمين للبضائع الواصلة إلى الموانئ اليمنية ومن ضمنها المواد الخام والمنتجات الوسيطة، مثلت صعوبات وتحديات في التحكم بسلسلة الامدادات والتوريدات اللازمة لعملية الإنتاج والتصنيع

 

بحسب البيانات التي أشارت إلى انخفاض الواردات في اليمن واستنادًا على النتائج التي توصلنا إليها فإن زيادة تكاليف الشحن والتأمين، ضاعفت معاناة صناعيين في استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، ومحاولة تلافي انعكاس ذلك على تكلفة وسعر المنتج النهائي.

جملة من التحديات والعوائق واجهت القطاع الصناعي في اليمن، وحالت دون صموده، ونتج عنها عديد انعكاسات وتداعيات، فكما تشير بيانات البنك الدولي إلى تراجع القيمة المضافة للصناعة من إجمالي الناتج المحلي، من 44% في 2014، إلى 35.6% في 2020.

رسم تفاعلي يوضح تراجع القيمة المضافة في الصناعة من إجمالي الناتج المحلي في اليمن خلال الفترة 2014- 2020

 

 

 

كما أن هذه الأزمات أجبرت بعض المصانع إلى العمل على تصنيع منتجاتها لدى شركات في الخارج، تكون بالمعايير والجودة ذاتها، خلافًا عن مصانع تم إيقافها، ونقل رأس المال إلى الخارج، بالإضافة إلى استثمار يمنين في الصناعات الغذائية في بلدان أخرى، أبرزها مصر وتركيا وعمان.

ويقول مفيد العامري مدير التخطيط والتشغيل بإحدى الشركات الصناعية لـ "يمن فيوتشر": "شراء مواد خام تكلفنا الكثير، والتكاليف تتضاعف بحسب المرحلة والعملية، من شحن، ونقل، وجمرك، وضريبة، وغير ذلك"، كما أن "تأخر وصول المواد يعتبر بحد ذاته تكاليف، ولهذا فالمنتج يتحمل سعر فوق طاقته"، مبررًا عملية اللجوء إلى التصنيع خارج اليمن.

ويشير العامري إلى أنه "تم تقليص خطوط الإنتاج في شركتهم، واللجوء إلى تصنيع بعض المنتجات في الخارج، بالمواصفات والجودة نفسها وتحمل ذات العلامة التجارية بالاتفاق مع الشركات التصنيعية المماثلة في بعض الدول، على إنتاج هذه المنتجات ومن ثم إيصالها لليمن، كمنتجات جاهزة تصل للمستهلك مباشرة.

هذه المنتجات الجاهزة تسعى إلى تقمص دور المنتج المحلي طمعًا في كسب تعاطف المستهلك معها بينما هي في حقيقة الأمر منتجات مستوردة لا تمت بصلة للمنتج المحلي، بحسب رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي، وليد الحدي.

ويرى الحدي بأن "لها تأثيرات سلبية على الصناعة الوطنية من حيث دخولها للسوق المحلي في الوقت الذي لم يستفد البلد واقتصاده من تواجدها من ناحية استيعاب وتوظيف عمالة لتقليص نسبة البطالة، كما أنها في الوقت ذاته تعمل على منافسة المنتجات الوطنية التي تدعم الاقتصاد الوطني محاولة ازاحتها لصالحها.

كما أن لهذه المنتجات تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني من حيث استنزاف العملة الصعبة التي تذهب إلى الخارج وذلك بطبيعة الحال يؤثر سلبًا على القوة الشرائية للعملة الوطنية ويتسبب في عجز بميزان المدفوعات، أي أن أثرها السلبي لا يقل عن المنتجات المستوردة.

ويتذمر محسن الرداعي -تاجر تجزئة بمدينة عدن- عند مباشرة مندوب شركة صناعية يتعامل معها، بأن تأخر المنتج كان بسببه تأخر وصول المواد الداخلة في تصنيع المنتج في الموانئ، وبسبب هذا التأخير كان قد لجأ الرداعي إلى جلب سلعة مماثلة أخرى إلى متجره، وهو منتج خارجي منافس للمنتج المحلي الذي تأخرت مكوناته التصنيعية في الموانئ، يقول باستياء: كنا نود أن يصل إلينا المنتج في وقته وأن ألبي طلب ورغبة الزبون بالمنتج المحلي.

 

تسريح عمالة

ولكون القطاع الصناعي من أهم القطاعات الإنتاجية القادرة على خلق فرص العمل والحد من البطالة، فإن تعطيله ساهم بجانب عوامل أخرى، في الأزمة الغذائية التي تعاني منها اليمن، فبحسب دراسة للاتحاد العام للغرف الصناعية والتجارية اليمنية انعكس التراجع في قيمة الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الصناعة خلال الفترة 2015 – 2020 بتراجع معدل التشغيل للأيدي العاملة في القطاع، وأسهم في زيادة معدل البطالة الكلي في الاقتصاد إلى حوالي 32% من إجمالي القوى العاملة في الاقتصاد في العام 2020 مقارنة بما يقارب 13.5% في العام 2014م، كما كان بإمكانه خلق 479 ألف فرصة عمل خلال الفترة في حال كانت الظروف طبيعية دون حرب.

ويعد القطاع الصناعي في اليمن أحد القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تشغل العمالة اليمنية، كونه يوظف حوالي 14.5 %من إجمالي العمالة، بحسب مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية 2013 -2014، الذي نفذته منظمة العمل الدولية.

وانحسرت فرص العمل في المشاريع الصناعية، فخسرت الصغيرة والأصغر والمتوسطة منها الكثير من قاعدة عملائها، بنسبة 69%، ويعد الافتقار للفرص الاقتصادية المتاحة سببًا رئيسًا في انخفاض سبل العيش لجميع الفئات السكانية التي تم تقيمها في اليمن، بحسب تقرير البنك الدولي الخاص بالتقييم المستمر للاحتياجات، المرحلة الثالثة.

لم يكن يعلم أسامة -34 عامًا- بأنه على موعد في الساعة التاسعة من صبيحة 30 سبتمبر/ أيلول 2016،  بوصول إيميل يفيد بأن اسمه الثامن من ضمن 15 عاملًا سيتم الاستغناء عنهم بعد شهر من تاريخ رسالة البريد الإلكتروني، وتسريحهم من الشركة التي التحق بها في العام 2012؛ نتيجة تضررها وتكبدها عديد خسائر بسبب الحرب.

أسامة الذي يحمل بكالوريوس علوم أحياء، استمر لمدة سنتين دون عمل بعد خروجه من الشركة الصناعية التي عمل فيها كمراقب إنتاج، وبعد صعوبة وجد فرصة للعمل في منشأة صناعية متوسطة، وهذه المرة في مجال التسويق والمبيعات.

تسريح أعداد كبيرة من العمالة سيترتب عليها زيادة في نسبة البطالة وبالتالي زيادة نسبة الفقر، الأمر الذي سيؤدي الى ارتفاع في نسبة الجريمة، بحسب الحدي، ويضيف: "كما يؤدي إلى حرمان الدولة من أوعية إيرادية تتمثل في الجمارك والضرائب، وتقديم مساحات مجانية لمنتجات أجنبية مستوردة تحتل السوق المحلي وتستنزف العملة الصعبة، وتعمل على ضرب الصناعات الوطنية"، مشيرًا إلى أن "العملة الصعبة التي ستذهب إلى الخارج لتغطية فاتورة المستوردات ستتسبب بعجز في ميزان المدفوعات وسيكون لها تأثير سلبي على القوة الشرائية للعملة الوطنية" .

يذكر أن تراجع معدلات التشغيل وتراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد أسهم في تراجع متوسط دخل الفرد وبالتالي انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر وتزايد حدة الأزمة الانسانية، حيث ارتفعت وتيرة الفقر في المجتمع بصورة كبيرة خلال الفترة 2014 -2020، لتصل نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر الوطني إلى 76.9% عام 2016، ثم إلى 77.9% عام 2017، ويتوقع وصولها إلى 80% من السكان عام 2020، بحسب التقرير الاقتصادي السنوي لوزارة التخطيط والتعاون الدولي 2020م.

  • تشير دراسات إلى أن 29% من مشاريع الصناعات الغذائية في اليمن، تأثرت سلبيًا نتيجة جائحة كورونا المستجد.

 

توصيات

تعكس النتائج والتقديرات السابقة لحجم الخسائر الاقتصادية والمالية التي تعرض لها القطاع الصناعي في اليمن بمكوناته المختلفة خلال السنوات الماضية جراء الصراعات السياسية والحروب ومدى فداحة الصراع والحرب على الإنسان والتنمية، ويوصي خبراء اقتصاديين بجملة من الحلول والمعالجات تؤكد أهمية الوقوف مع القطاع الخاص الصناعي في اليمن ودعمه ومساندته في العمل على استقرار الأسواق المحلية وتوفير احتياجاتها السلعية المختلفة، وتوفير بيئة اقتصادية محفزة تنبذ السياسات الجبائية المتعددة.

كما يوصي خبراء ضرورة تخفيف إجراءات التوريد وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص المتمرس في لعب دور أكبر في هذا الجانب بما يسهم في تحسين تدفق السلع والخدمات وتقليل التكاليف الإضافية التي يتحملها المواطنون، وإنهاء انقسام مؤسسات الدولة، وبالأخص تلك التي تلعب دورًا مهمًا في الجانب الاقتصادي مثل البنك المركزي، والعمل على تحسين السياسات المالية والنقدية والمحافظة على استقرار سعر الصرف للعملة المحلية، كما ضرورة قيام السلطات بصرف رواتب الموظفين والمتقاعدين المنقطعة من سنوات عدة، كون الرواتب مهمة بالنسبة للاقتصاد الوطني بما تمثله من قوة شرائية كبيرة.

 


التعليقات