تقرير: كيف تساعد كرة القدم اليمنيين على التأقلم مع الحرب المطولة
يمن فيوتشر - الجزيرة الانجليزية- تقرير وترجمة عبدالله علي السبت, 25 يونيو, 2022 - 02:47 مساءً
تقرير: كيف تساعد كرة القدم اليمنيين على التأقلم مع الحرب  المطولة

وسط الصراع الوحشي في اليمن الذي أودى بحياة أكثر من 370 ألف شخص، تحول اليمنيون إلى حبهم الأبدي/الدائم  لكرة القدم لمساعدتهم على التكيف مع الدمار والعنف والأزمة الإنسانية التي تعصف ببلدهم.
من خلال بطولات كرة القدم غير الرسمية التي أقيمت في مختلف القرى والمدن اليمنية، كان الشباب والرجال  يجتمعون معًا لمحاولة العيش في مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية في اليمن. 
في ملاعب كرة القدم الشعبية المغطاة بالرمال والصخور، يستعرض اللاعبون لكرة القدم الهواة مهاراتهم أمام المئات من الجاهمير المبتهجة القادمة من مناطق بعيدة وقريبة من مكان إقامة الدوريات الرياضية. 
لا توجد مقاعد للجماهير، وعادة ما يقف الجمهور الذي يتراوح بين 800 و 1500، على قدميه طوال مدة المباريات، يهتفون ويغنون لتحفيز فريقهم ولاعبيهم.
كما هو الحال مع العديد من جوانب الحياة في اليمن ، توقف الدوري الرياضي الرسمي بشكل كلي، نتيجة الحرب التي اندلعت في عام 2014.
عقب الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح، سعت جماعة الحوثي المدعومة من إيران للسيطرة على اليمن، واستولت على العاصمة صنعاء ، وقامت بطرد الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة ورئيسها آنذاك ، عبد ربه منصور هادي ، الذي حظي بدعم السعودية ودول إقليمة أخرى .
ما يقرب من 60 في المائة من 370,000 حالة وفاة منذ اندلاع الصراع حدثت بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية والمياه الملوثة، مع تدهور البنية التحتية للبلاد بشكل كبير.
لا يزال ما يقرب من 25 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة، وخمسة ملايين معرضون لخطر المجاعة، وقد أثر تفشي الكوليرا على أكثر من مليون مواطن في البلاد.
مع الوضع المزري الذي يعيشونه، لجأ العديد من اليمنيين إلى كرة القدم بحثا عن مايروح عنهم /ما ينسيهم معاناتهم  ، ليس فقط من خلال المشاركة في البطولات غير الرسمية ولكن أيضًا عبر ممارسة كرة القدم في الشوارع.
بحسب سامي الحنظلي ، ناشط رياضي ولاعب كرة قدم  سابق في فريق أهلي تعز لكرة القدم ، فإن :"البنية التحتية الرياضية تعرضت لدمار شديد ، مع استهداف الملاعب والمراكز الرياضية بهجمات أو تحويلها إلى قواعد عسكرية".
وأضاف بأنه :"بينما استؤنفت الدوريات الرسمية لكرة القدم في سبتمبر من العام الماضي ، لا يزال التمويل لدعم الأندية الرياضية والرياضيين نادرًا" .
وقال الحنظلي للجزيرة "نظم اليمنيون بطولات رياضية في ملاعب كرة قدم شعبية ، مما أعاد الإثارة بين الجماهير وساعدهم على التعامل مع محنتهم، وساهمت في اكتشاف مواهب رياضية جديدة في اليمن".
" تساعد هذه المباريات والبطولات أيضًا في منع العديد من الشباب من التورط في أعمال العنف لأنها تعزز الروابط المجتمعية بين اللاعبين والجمهور من مختلف المناطق اليمنية"، يقول الحنظلي. 


• الترابط بين اليمنيين
في حين أن هذه المباريات تفرض إحساسًا بالانتماء إلى قرية أو مقاطعة ، فإن مشاعر الوحدة الوطنية تتجسد على الرغم من الانقسامات المستمرة منذ سنوات إذ أن الجماهير في كثير من الأحيان يرفعون الهتافات لليمن ، داعين إلى وطن موحد ومسالم للجميع.
بالنسبة لرمزي مسعد ، 25 عامًا ، تمثل بطولات كرة القدم هذه فرصة للتواصل مع يمنيين آخرين بطريقة لم يعتاد عليها سابقاً، كونه ينتمي إلى المهمشين في البلاد - وهي أقلية سوداء تم تهميشها تاريخيًا حيث يسكن في الأحياء الفقيرة الخاصة بالمهمشين في منطقة جبلة ، الواقعة في مدينة إب وسط اليمن. 
بحسب رمزي ، المهمشون بعيدون عن اليمنيين فهم مكتظين في منازل مصنوعة من القش ويسكنون ، في مناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية للرعاية الصحية والمياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء .
 "دعوة فريق المهمشين لكرة القدم نادي "النسيم" للمشاركة في بطولة كرة القدم في السياني واللعب جنبًا إلى جنب مع فرق أخرى من منطقة جبلة والسياني أسعدت قلوبنا"، يقول مسعد 
وقال مسعد للجزيرة إن : "مشاركتهم في البطولة الرياضية في منطقة السياني لا تقدر بثمن".
وأضاف مسعد ، الذي انتهى فريقه بالفوز بتلك البطولة في وقت سابق من هذا العام ، "لقد غمرتنا السعادة والفرح حيث شاهدنا الجمهور يقدّرنا كما لو كنا من سكان المنطقة".
نظرًا لكونه منبوذًا من المجتمع نتيجة للتسلسل الهرمي الاجتماعي الذي دام قرونًا والذي يتم فيه حصر المهمشين في أدنى مراتبهم ، قال مسعد إن الدعوة للانضمام إلى البطولة "كانت موضع تقدير كبير وأردنا أن نظهر للآخرين أننا ولدينا أيضًا لاعبو كرة قدم موهوبون وحريصون على الاندماج مع مجتمعنا ".
تقام هذه البطولة بالذات كل شتاء في منطقة السياني جنوب مدينة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي ، بحسب مطيع دماج ، أحد منظمي البطولة ومموليها.
"يتم إرسال الدعوات إلى نحو 16 فريقًا من قرى السياني وجبلة، الحرص على تنظيم مثل هذه الفعاليات ينبع من معرفة حب اليمنيين للرياضة ، والرغبة في بث الروح في نفوس العديد من اليمنيين الذين دمرتهم الحرب ، مع تعزيز روح الأخوة أيضًا"،يقول دماج.
وأضاف أن أعداد المشاركين يعتمد على الوضع في البلاد في ذلك الوقت.
في كل عام ، هناك إقبال ومشاركة كبيرة من قبل اللاعبين والجمهور وتكون الروح المعنوية عالية دائمًا على الرغم من النقص الحاد في الوقود الذي فرض تحديًا على الكثيرين للانضمام إلى الألعاب ، إلا أن ثمانية فرق ما زالت قادرة على المشاركة في البطولة "، مشيرًا إلى ترحيبه بحضور المهمشين في الألعاب والذي كان" مهمًا لكسر دائرة التمييز الأقلية التي تواجهها منذ سنوات عديدة ".


•من لاعب كرة قدم في الشارع إلى المنتخب الوطني
في عام 2017 ، كان حمزة محروس ، الذي كان آنذاك 13 عامًا ، من بين مئات الآلاف الذين فروا من مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر ، هربًا من العنف المتصاعد استقر مع عائلته في مدينة تعز المحاصرة من قبل جماعة الحوثي  منذ عام 2015.
بعد أن عاش معظم حياته في بيئة ريفية ، إذ كان يمارس كرة القدم منذ سن مبكر وقبل نزوحه ، فاز بالعديد من الجوائز لمهاراته كلاعب كرة قدم ، ولعبه كمهاجم لفريق مدرسته بالإضافة النادي المحلي .
في تعز ، شارك في بطولات غير رسمية أقيمت في شوارع حي المسبح التي دمرتها الحرب حيث كان يسكن.
سرعان ما تم اختياره من قبل عدة فرق محلية ، بما في ذلك نادي الطليعة  لكرة القدم وأهلي تعز ، الذي فاز معه ببطولة بلقيس.
في عام 2019 ، تم رصده من قبل مجموعة  الكشافة التي كانت تبحث عن لاعبين للانضمام إلى المنتخب الوطني اليمني ، وتمت اختياره في منتخب الناشئين. 
وقال محروس لقناة الجزيرة "الانضمام إلى المنتخب الوطني كان حلمًا لم أكن أعتقد أنه سيتحقق ، خاصة في ظل ظروف النزوح والأوقات الصعبة التي مررنا بها، ولكن من خلال المثابرة وممارسة الرياضة ، في الشوارع، وملاعب كرة القدم وبدعم من والدي  حدث ذلك."
في ديسمبر 2021 ، منح محروس وزملاؤه اليمنيين طعمًا نادرًا من الابتهاج والاعتزاز الوطني عندما فازوا ببطولة غرب آسيا لكرة القدم للناشئين ، بفوزهم على السعودية بركلات الترجيح في المباراة النهائية.
تدفق اليمنيون إلى الشوارع احتفالاً ، بعضهم أطلق أسلحته في الهواء ، فرحين لفترة وجيزة بشعور من الفخر والوحدة.
قال محروس: "شعرت بأنني جزء من خلق السعادة التي يتوق إليها ويحتاجها ملايين اليمنيين ، وهو ما كان ممكنًا فقط من خلال كرة القدم". 


•طريقة قبول أحلامي الضائعة
قال سعد مراد ، 30 عامًا ، إنه فوت فرصة المضي قدمًا في مسيرته الكروية بسبب الحرب.
بعد أكثر من عقد من بناء قدراته كلاعب كرة قدم ، من البطولات المدرسية في مدينته دامت إلى اللعب في الدوري اليمني الأول لنادي ذي ريدان الرياضي ، بدا مراد جاهزًا للمنتخب الوطني.
ولكن مع تعليق الدوري وجميع الأنشطة الرياضية الرسمية ، اصطدمت مسيرة مراد المهنية بحاجز كبير، وقال إن الصلة الوحيدة التي تربطه بحياته السابقة كانت من خلال البطولات غير الرسمية التي تقام في فصل الشتاء.
قال مراد ، غير القادر على الحصول على وظيفة وسط الوضع الاقتصادي المزري في البلاد ، "لقد وفرت هذه البطولات المحلية السعادة والراحة وطريقة لقبول أحلامي المفقودة".
بمشاركة 32 نادياً رسمياً لكرة القدم إلى جانب لاعبي المنتخب الوطني ، كانت البطولة التي استضافتها دمت الشتاء الماضي من أكبر الأحداث الكروية التي تقام في البلاد منذ سبع سنوات
وبحسب معمر الحجري ، عضو اللجنة المنظمة بدمت ، فإن هذه البطولة تقام سنويًا منذ عام 2018 بتمويل وتبرعات مستقلة ، بدعم من رجال الأعمال ومغتربين في الخارج.
وقال الهاجري: "فاز الفريق الفائز هذا العام بجائزة مالية تبلغ حوالي 500 ألف ريال يمني (900 دولار أمريكي ) وتلقى الوصيف 300 ألف ريال يمني ( 500 دولار أمريكي )".
هذه المبالغ كبيرة في بلد تتعرض فيه العملة المحلية لضربات هائلة نتيجة للصراع.
مع فقدان الوظائف وتعليق الرواتب ، يكافح الملايين من أجل البقاء ، ويزداد الوضع سوءًا بسبب نقص الوقود الذي أدى إلى ارتفاع التضخم.
ماهيوب المريسي ، موظف حكومي يبلغ من العمر 50 عامًا ، حضر معظم مباريات بطولة هذا العام مع أطفاله ، اندهش من العدد الهائل من الأشخاص الذين قدموا من مناطق بعيدة ، غالبًا سيرًا على الأقدام.
"كانت ملاعب كرة القدم رملية لكن الجمهور المتحمّس غمر المساحات المحيطة وتدفقت الجماهير إلى الحقول الزراعية لمشاهدة المباريات، كان الناس فقط منتشين ومتحمسين للتواجد هناك لقد أعاد جزءًا من روح اليمنيين.
بعيدًا عن هذه البطولات ، بشكل يومي تقريبًا ، يتوجه جميل ناشر البالغ من العمر 22 عامًا إلى مكان مفتوح بالقرب من منزله على في شارع تعز بمدينة إب، حيث يلتقي عشاق كرة القدم من أصدقائه الآخرين في ساعات العصر للعب كرة القدم إلى وقت المساء . 
مرتديًا قميص محمد صلاح لاعب نادي ليفربول ليعكس حبه للاعب ، يشكل ناشر فريقًا من ثمانية لاعبين.
على أرض الملعب ، هناك موجة من الألوان حيث يرتدي كل لاعب قميص النادي الذي يدعمه.
حبنا لكرة القدم وممارستها في الشارع هو الشيء الذي لم يتغير في حياتنا التي دمرتها الحرب لقد نشأنا ونحن نلعب اللعبة ومن المطمئن أن نعرف أنه لم يتم سلبها منا.


التعليقات