بعد أكثر من شهرين ونصف على وقف إطلاق النار، يستمر الهدوء النسبي في اليمن ما يبعث آمال بحل الصراع المستمر منذ سنوات في الدولة التي مزقتها الحرب.
وقبل زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المرتقبة إلى جدة في الشهر المقبل، تأمل الأمم المتحدة أن يكون استمرار الهدنة خطوة أولى نحو التوصل لاتفاق سلام شامل.
والجمعة، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إن الهدنة "منحت الشعب فترة استراحة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ النزاع، ومن وجهة النظر هذه تمنحنا مجالا ومتنفسا للانخراط في تسوية سياسية".
وأضاف في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن "الهدنة هي الخطوة الأولى نحو تسوية أوسع نطاقا".
وبحسب مجلة "بولتيكو"، جاء وقف إطلاق النار بعد أن عملت الإدارة الأميركية والسعوديون معا للمساعدة في التوسط في الهدنة التي تم تمديدها مطلع الشهر الحالي لشهرين إضافيين، وعندها، أشاد بايدن في بـ "القيادة الشجاعة" للمملكة العربية السعودية بشأن هذه القضية.
•بعيد المنال
والثلاثاء، قال مصدران مطلعان لوكالة رويترز إن السعودية وجماعة الحوثي اليمنية استأنفت المحادثات المباشرة لبحث الأمن على طول حدود المملكة والعلاقات المستقبلية بموجب أي اتفاق سلام مع اليمن.
ويعد استئناف المحادثات علامة إيجابية على جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة لإيجاد تسوية سياسية للصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف ودفع اليمن إلى حافة المجاعة، وفقا لرويترز.
ومع ذلك، يرى محللون تحدثوا لموقع قناة "الحرة" أن مسألة الوصول لتسوية سياسية شاملة ودائمة في اليمن أمر بعيد إلى حد كبير على اعتبار تشابك أطراف النزاع مع جهات خارجية رغم الأنباء التي تفيد بوجود مباحثات مباشرة بين السعودية والحوثيين.
في هذا قال المحلل السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، إن التسوية السياسية الشاملة في اليمن "أمر مستبعد تماما"، واصفا ما يحدث حاليا بـ "تجميد الصراع".
بدوره، استبعد رئيس مركز القرن للدراسات، سعد بن عمر، الوصول لحل دائم قائلا إن أزمة اليمن مرتبطة مع جهات خارجية وأن المملكة لا تملك الحلول بمفردها.
وأضاف في حديثه لموقع "الحرة" أن "هذه الورقة (التسوية) بيد الولايات المتحدة وإيران ... هناك مصالح مشتركة وخطوط مشتبكة مع بعضها البعض في اليمن".
ومطلع يونيو، وافقت الحكومة اليمنية والمتمردون الحوثيون على تمديد لشهرين إضافيين للهدنة التي دخلت حيّز التنفيذ خلال أبريل وساهمت بشكل فاعل في خفض حدّة المعارك التي تقول الأمم المتحدة إنها أدت إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وفي هذا الإطار، يرى السياسي اليمني، علي البخيتي، أن "السلام لا يزال بعيد المنال" قائلا إن الحياة الاعتيادية لم تعد لطبيعتها على الرغم من وقف إطلاق النار.
وقال لموقع "الحرة" إن "اليمنيين يفتقدون للخدمات الأساسية البسيطة مثل الكهرباء والمياه ... كما أن اليمنيين لا يستلمون مرتباتهم فهناك أكثر من مليون ونصف بين جيش وأمن لا يستلمون رواتبهم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي".
وكان رئيس المكتب السياسي لجماعة الحوثي، مهدي المشاط، قال في تصريحات خلال وقت سابق الشهر الماضي على هامش لقاءه بالمبعوث الأممي لليمن، إن "معاناة موظفي الدولة مستمرة جراء توقف المرتبات فيما ثروات الشعب اليمني النفطية والغازية ينهبها اللصوص وبشكل مستمر ومكشوف".
وأضاف: "نؤكد على ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة بدورها في الضغط على الطرف الآخر بتوريد كافة الموارد من الثروات النفطية والغازية والرسوم الجمركية والضريبية إلى حساب المرتبات".
ويتهدد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج آلاف بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار، وفقا لفرانس برس.
•استراتيجية سعودية
من جانب آخر، رجح المودع أن يخرق الحوثيون الهدنة المستمرة منذ أبريل في "الوقت المناسب لهم"، لا سيما باتجاه النفط والغاز في مأرب وهو هدف أساسي لكل أطراف النزاع وخاصة الحوثي، وفق قوله.
وأوضح في حديثه لموقع "الحرة" أن النفط والغاز في مأرب جزء أساسي من الصراع مما يبعد من التسوية السياسية الشاملة في البلاد.
خلال فترة الهدنة، تبادلت الحكومة اليمنية والحوثيون اتهامات بخرق وقف النار، ولم يطبق الاتفاق بالكامل وخصوصا ما يتعلق برفع حصار الحوثيين لمدينة تعز، لكنه نجح بالفعل في خفض مستويات العنف بشكل كبير.
وقال المودع إن "هناك استراتيجية سعودية غير معلنة تقوم على يمننة الصراع، أي بمعنى أن تجعل الصراع يمنيا يمنيا بحيث ينتهي دورها المباشر في الحرب".
وتابع أن هذه الاستراتيجية تعني أن تتوقف المعارك الهجومية ضد الحوثيين مع الاكتفاء بمنع الجماعة المدعومة إيرانيا من التمدد نحو المناطق التي تعتبرها السعودية والإمارات مهمة.
ويدور نزاع في اليمن منذ عام 2014 بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّبت الحرب بمقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.
وقبل أيام، قال منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، جون كيربي، إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، سيلتقي في السعودية قادة مجلس التعاون الخليجي لبحث عدد من القضايا بينها إنتاج النفط والحرب في اليمن.
وبحسب ما نقلت مجلة "بوليتكو" عن مسؤولي بالإدارة الأميركية، فإن التنسيق الأميركي مع السعودي "عامل رئيسي في الاختراق الدبلوماسي الأخير". وجادل هؤلاء المسؤولون بأن السبيل الوحيد لإحلال السلام في اليمن هو كسب تأييد الرياض للتوصل إلى تسوية.
وعلى الرغم من أن البخيتي لا يرى انعكاسات واضحة لها على الملف اليمني، يعتقد المودع أن زيارة بايدن المرتقبة إلى الرياض "ستسهم في ترسيخ الاستراتيجية السعودية" التي يتحدث عنها، مضيفا: "أعتقد أن هذه الاستراتيجية تمت بالتفاهم مع الولايات المتحدة ومن مصلحة أميركا يمننة الصراع؛ لأنه يبعد عنها حرج توريط حليف تدعمه بالسلاح".
وكان بايدن قد رحب بتمديد الهدنة في اليمن، وحض أطراف النزاع في هذا البلد على جعلها "دائمة". وقال في بيان بعد إعلان تمديد الهدنة مطلع يونيو الحالي إن "الشهرين الأخيرين في اليمن، بفضل الهدنة التي أعلنت في أبريل، كانا من الفترات الأكثر هدوءا منذ بدء هذه الحرب الفظيعة قبل سبعة أعوام. تم إنقاذ آلاف الأرواح مع تراجع المعارك. من المهم العمل على جعل (الهدنة) دائمة".
•حرب منسية
أتاحت الهدنة استئناف رحلات تجارية من مطار صنعاء الدولي - المفتوح فقط لرحلات المساعدات منذ 2016 - إلى عمّان والقاهرة، كما مكّنت ناقلات النفط من الرسو في ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة المتمردين الحوثيين في مسعى لتخفيف حدة النقص الحاد بالوقود.
تعليقا على ذلك، يرى سعد بن عمر أن "الظروف الآن مواتية لكافة الأطراف للضغوط على وكلائهم في اليمن لتحقيق السلام" على الرغم من أنه يلقي باللوم على الحوثي في استمرار الصراع.
وقال إن "السلام لا يخدم أهداف الحوثي؛ لأنه يريد أن يكون المجتمع مشدود لعدو خارجي وهمي"، في إشارة للسعودية.
لكن البخيتي، وهو الناطق السابق باسم الحوثيين والذي انشق عنهم، يقول إن "الحلول صعبة" لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الجماعات الدينية. وتابع بقوله: "الحوثي ليس تيارا سياسيا للتفاوض معهم، بل هو تيار ديني لا يمكن التفاوض معه لإيجاد تسوية".
أما المودع فيرى أن مستقبل الأزمة اليمنية يتجه نحو مزيدا من ترسيخ الانقسام وتجزئة الدولة بعد أن "تنتقل الحرب لمربع آخر". وقال: "عندما يتحول الصراع إلى يمني يمني، ستكون حربا منسية لها وجه آخر قد يكون أشد سوءا على اليمنيين".