يحتفل العالم اليوم الاحد بذكرى مرور أكثر من قرن على تأسيس الإذاعة، تحت شعار "الإذاعة والثقة".
ويعتبر هذا اليوم مناسبة للاحتفال بوسيلة إعلامية حولت الطريقة التي نتواصل بها، ولا تزال لها مكانتها في القرن الحادي والعشرين..فما هو سرّ بقاء واستمرارية الإذاعة لأكثر من قرن؟
سأل مركز اعلام الامم المتحدة المدير العام المساعد للاتصالات والمعلومات في اليونسكو توفيق الجلاصي، عن سحر الإذاعة وسرّ بقائها وديمومتها، على الرغم من بروز منافسة شديدة على رأسها مواقع التواصل الاجتماعي.
•ماذا عن أهمية اليوم العالمي للإذاعة والاحتفال بها؟
-الجلاصي: أعلنت الدول الأعضاء في منظمة اليونسكو سنة 2011 عن يوم 13 شباط/فبراير يوما عالميا للإذاعة، واعتمدت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2012.
بناء على أكثر من قرن من تاريخها، تظل الإذاعة وسيلة قوية للاحتفال بالإنسانية بكل تنوّعها كونها تشكل منصة للحوار الديمقراطي.
وعلى المستوى العالمي، تظل الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأوسع انتشارا، ولها قدرتها الفريدة على الوصول إلى جمهور واسع وتشكيل تجربة المجتمع في التنوع وخلق ساحة للجميع للتعبير عن آرائهم وتمثيلهم وإسماع صوتهم.
تواصل الإذاعة مسيرتها كونها واحدة من أكثر الوسائط الموثوقة والأكثر استخداما في العالم، وفقا لتقارير دولية مختلفة. بالتالي فإن شعار نسخة 2022 في اليوم العالمي للإذاعة هو "الإذاعة والثقة" وبمناسبة هذا اليوم العالمي للإذاعة، تدعو اليونسكو جميع المحطات الإذاعية في جميع أنحاء العالم للاحتفال بالسنة الـ 11 لهذا الحدث والاحتفال بذكرى مرور أكثر من قرن على تأسيس الإذاعة، وأدعو الجميع إلى الاطلاع على 13 فكرة للاحتفال بهذا اليوم العالمي للإذاعة، هذه الأفكار متاحة على الموقع الرسمي لهذا الحدث.
•هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن الأفكار الـ 13 وكيف يمكن تقديم الاقتراحات؟
-الجلاصي: قمنا في اليونسكو ببلورة بعض الأفكار، 13 فكرة، وضعناها على الموقع المخصص للحدث، لليوم العالمي للإذاعة 2022، لكن بطبيعة الحال من خصائص الوب هو التفاعل مع المستخدمين والمواطنين بصفة عامة، وهذه الأفكار هي نقطة بداية، ويمكن الإضافة إليها بحسب الاقتراحات التي تصلنا من جميع أنحاء العالم.
-إذا هي خلق ساحة للجميع للتعبير، وظلت شامخة لكل هذه المدة، ما هو سر بقاء وشموخ الإذاعة برأيك؟
-الجلاصي: أعتقد أنه على مرّ السنين وفرت الإذاعة وصولا سريعا وبأسعار معقولة إلى المعلومات في الوقت الفعلي والتغطية المهنية حول المسائل ذات الاهتمام العام، فضلا عن ضمان التعليم عن بُعد وأيضا الترفيه.
من خلال الربط بين التقنيات التقليدية للإذاعة والتقنيات الحديثة من خلال التكنولوجيا، تقدم الإذاعة مجموعة متنوعة من المحتوى من خلال أجهزة وتنسيقات مختلفة مثل البث الصوتي ومواقع الوسائط المتعددة.
وفي هذا الصدد، تلعب الإذاعة دورا رئيسيا لأنه يمكن أن يناسب برامج الأقليات، أو يمنح الميكروفون لمجتمعات محددة بطرق أسهل من أنواع الوسائط الأخرى.
•شعار هذا العام هو الإذاعة والثقة، كيف يمكن الحفاظ على ثقة المستمعين بل ورفع مستواها؟
-الجلاصي: في الواقع، أصبح احترام المعايير الأساسية للصحافة الأخلاقية أمرا صعبا في عصرنا هذا، العصر الرقمي. مع ذلك، من أجل الحفاظ على ثقة المستمعين أو رفعها، يجب أن تستمر الصحافة في الاعتماد على معلومات يمكن التحقق منها ويتم مشاركتها للصالح العام، وتحمل المؤسسات المعنية للمساءلة، وتساعد المجتمع على بناء مستقبل أفضل للجميع.
من الضروري أيضا وجود جمهور مطّلع ومزود بكفاءات الدراية الإعلامية، والدراية المعلوماتية، بحيث يكتشف المستمعون المحتوى ويستهلكونه ويستجيبون له بشكل نقدي، وبالتالي يقدّرون جودة الصحافة التي تقدّمها لهم المحطة الإذاعية. لذلك فإن المزيد والمزيد من المحطات الإذاعية تقوم بتضمين برامج الدراية الإعلامية والمعلوماتية في جدول برامجها.
•بلا شك هذا ينطبق على كل شيء، لكن في عصرنا الحالي، في عصر الجائحة، كوفيد-19، مع المعلومات المضللة والكاذبة كيف يمكن الاستفادة من الإذاعة في هذا الأمر؟
-الجلاصي: صحيح، جائحة كوفيد-19 والأحداث العالمية الأخيرة أدت إلى تآكل الثقة في وسائل الإعلام بشكل عام، وخاصة تداول محتوى كاذب ينتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، تُعتبر الاستقلالية التحريرية ضرورية، لأنها قد تُظهر قدرة المحطات الإذاعية على نقل الأخبار بدون تأثير، علاوة على ذلك، فإن فهم التقنيات الرقمية والمنصات الاجتماعية أمر أساسي لتجنب تداول المعلومات التي لم يتم التحقق منها.
ويُعدّ الاستثمار في تدقيق الحقائق والصحافة الاستقصائية والتحقق الصارم من المصادر والمحتوى من بعض الممارسات التي يمكن للمذيعين الإذاعيين تعزيزها للحفاظ على ثقة المستمعين والجمهور عامة.
•كيف يمكن الحفاظ على استمرارية الإذاعة في ظل كل هذه المنافسة الرقمية التي تحيط بعالمنا اليوم؟
-الجلاصي: هو أمر نشاهده كل يوم. معظم المحطات الإذاعية هي مؤسسات صغيرة أو متوسطة الحجم. عندما تكون غير هادفة للربح الكامل، وتجد نفسها في وضع صعب، خاصة أمام محطات الوب.
البث الإذاعي للخدمة العامة يواجه خطط خفض الرسوم – رسوم الترخيص - وتحفظا من المواطنين لضعف الضرائب السمعية البصرية في أوقات خدمات البث المباشر والإذاعة على مواقع الويب، عندما يمكنهم الوصول إلى المحتوى بطريقة أخرى مخالفة للإذاعة.
يجب إذا البحث عن نماذج تمويل جديدة ودرسها على سبيل المثال من طرق الاشتراكات ونماذج العضوية والمحتوى المدفوع مقابل الاستماع، والإعلان المحلي وغير ذلك من النماذج التمويلية الجديدة التي فرضت نفسها اليوم.
•مضى قرن على تأسيس الإذاعة، هل ترى قرنا آخر مقبلا، كيف ترى مستقبل الإذاعة؟
-الجلاصي: أنا أظن أن للإذاعة مستقبلا، لأنه في بعض الأنحاء النائية في العالم، لا يوجد تواصل مع شبكة الإنترنت، ولا يوجد بث تلفزي. أنا أفكر في بعض القرى الصغيرة جدا في أنحاء نائية.
سائقو عربات أو شاحنات، الطريقة الوحيدة التي تصلهم المعلومة هي عن طريق جهاز الراديو الموجود في شاحنته
مثلا من بعض البلدان الأفريقية على الحدود مع بلدان أخرى. فالطريقة الوحيدة للفلاح في حقله للتواصل هو – حتى تصل إليه المعلومة – معلومة عمّا يحدث في بلده، معلومة عن أسعار حتى القمح والشعير والأشياء التي غرسها في حقله، فالطريقة الوحيدة هي عبر الراديو والإذاعة.
ومثلا سائقو عربات أو شاحنات، الطريقة الوحيدة التي تصلهم المعلومة هي عن طريق جهاز الراديو الموجود في شاحنته. لا يوجد لديه جهاز تلفزي أو كمبيوتر للاتصال بالويب.
أنا أظن أنه مضى قرن على تأسيس الإذاعة، لكن لها مستقبل، لأن لديه القدرة للوصول والنفاذ للمعلومة، وفي بعض الأحيان لا توجد طرق أخرى أو شبكات أخرى غير الإذاعة والطريقة الصوتية لأنه لا توجد طريقة للوصول إلى الوسائل الأخرى.
لذلك، لدي قناعة أن الإذاعة ستواصل توصيل المعلومة والخبر والترفيه أيضا عن طريق الشبكات الصوتية لسنوات وعقود في المستقبل.
• شكرا جزيلا لك السيد توفيق الجلاصي، المدير العام المساعد للاتصالات والمعلومات في اليونسكو.