عندما كانت طفلة، كانت حربية الحميري، تتعجب من الهندسة المعمارية لبلدها اليمن.
في مسقط رأسها صنعاء، أعجبت منذ سن مبكرة بالمنحوتات الحجرية المعقدة التي زينت المدينة القديمة وهي جزء من العاصمة، يعتقد انها كانت مأهولة منذ 2500 عام.
كان هذا المكان القديم مصدر إلهام للمهندسة حربية التي تبلغ الآن 37 عامًا، وهي تساعد في إعادة بنائه كجزء من خطة للأمم المتحدة.
تقول: "لا تلتحق النساء كثيرا بهذا المجال من العمل". "أردت أن أكون فريدة في مهنتي، وأن أنضم إلى مجال يمكنني فيه كسر الحواجز بين الجنسين."
اليمن مجتمع أبوي ومحافظ للغاية، حيث تشكل النساء نسبة ضئيلة من القوة العاملة ويعمل معظمهن في الزراعة أو صناعة الخدمات أو الشركات العائلية.
عندما كانت مراهقة، تراجعت حربية عن هذا التخصص، وانضمت إلى كلية الطب، لكنها غادرت بعد أسبوعين وسعت وراء تطلعاتها للقيام بما تفعله اليوم.
التحقت بالجامعة لدراسة الهندسة لكنها لم تخبر والديها حتى تم تأكيد مكانها. تتذكر "عندما وضعوا أمام حقيقة أنني اخترت مهنة مختلفة لم يعترضوا، لانهم رأوا أنني كنت سعيدة".
بسبب الأضرار التي لحقت بها، أثناء الحرب المستمرة في البلاد، وتفاقم التدهور البيئي وانهيار الاقتصاد، فإن ثلاثة من مواقع التراث البالغ عددها 52 موقعا عالميا مدرجا على قائمة منظمة اليونسكو، التي تواجه الخطر، تقع في اليمن.
ويشمل ذلك مدينة صنعاء القديمة ومسجدها الكبير الذي بني في القرن السابع واشتهر بكونه الأول خارج مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
كما تم تصنيف بلدة زبيد التاريخية ومدينة شبام القديمة المحاطة بالأسوار على أنها في خطر مما جعل حربية وفريقها في سباق مع الزمن.
أدى مشروع النقد مقابل العمل التابع لليونسكو بالفعل إلى إعادة تأهيل 162 مبنى في صنعاء وشبام وزبيد وكذلك في مدينة عدن القديمة.
في البداية، كانت أهداف اليونسكو هي مسح الأضرار التي لحقت بـ 8000 مبنى ذي أهمية تاريخية وقد حققوا ذلك، لكن الآن ارتفع هذا العدد إلى 16000.
من أهداف المشروع الأخرى توفير فرص دخل طويلة الأجل لحوالي 4000 شاب. وفقًا للأمم المتحدة فإن أكثر من ثلثي سكان اليمن البالغ عددهم 29 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 30 عامًا ولكن اعتبارًا من عام 2019 كان ربع الشباب عاطلين عن العمل.
تعرضت بعض المباني للقصف خلال الحملة الجوية التي المستمرة منذ ست سنوات بقيادة السعودية ضد حركة الحوثي المتمردة التي أجبرت الحكومة اليمنية على الخروج من صنعاء.
عندما سافرت حربية لمدة ست ساعات من صنعاء إلى زبيد على سبيل المثال، وجدت منازل كانت بمثابة أماكن للقاءات المجتمع المحلي في حالة سيئة. الجدران انهارت بمجرد انهيار الأسقف المطلية بألوان زاهية، كما كانت بعض المباني على وشك السقوط.
وتقول إن أحد أكبر التحديات التي واجهتها كان الحصول على المواد اللازمة لإعادة هذه المباني إلى مجدها السابق.
كان العمل بطيئا ومضنيا. ولابد من إعادة إنشاء العمارة بدقتها التاريخية، وإعادة بناء الأسقف، واستبدال المكونات التالفة بمواد مستوردة من المملكة العربية السعودية، وهي عملية بحاجة الى ثلاثة أشهر في حد ذاتها.
كل ذلك بينما كان عليها التأكد من عدم انهيار الهياكل على الأشخاص الذين ما زالوا يعيشون في الداخل.
هناك أيضًا مخاوف أمنية تأتي مع إعادة بناء بلد في خضم الصراع.
يتعين على المنسقين المحليين التفاوض بين الفصائل المختلفة للتأكد من أن حربية وفرقها يمكنهم الوصول إلى المواقع بأمان.
حتى العمل التحضيري خطير. يجب إجراء عمليات المسح ثلاثية الأبعاد من أجل تقييم الأضرار التي لحقت بالمبنى بشكل صحيح.
يستخدم هذا النوع من التقييم الذي تقوده حربية أحيانا، طائرات دون طيار، لكن الحرب تعني أن هناك حاجة إلى تصاريح لطائرات التصوير.
و مع استخدام مثل هذه التكنولوجيا المرتبطة الان بشكل متزايد بالمقاتلين، فإن تشغيل طائرة دون طيار، حتى لاغراض التصوير، يمثل مخاطرة على حربية وفريقها.
كما أن هناك شحة في العمالة المدربة خاصة أولئك المتخصصين في أساليب البناء التاريخي.
تقول حربية: "الشباب لا يحافظون على مهارات البناء التقليدية هذه. إنهم ينظرون إليها على أنها مجالات وظيفية غير مناسبة".
بدلاً من الانتظار، تقوم بتدريبهم بنفسها. وهي تدير فريقًا من 24 كادرا، وحتى الآن ساعدت أيضًا في تدريب 211 مهندسًا ونجارًا ومتخصصًا، نصفهم تقريبًا من الإناث.
تقول حربية، التي ترتدي العباءة والنقاب، وهي الملابس التي ترتديها النساء المسلمات في اليمن للتستر التام "لقد فوجئت بعدد النساء اللاتي يرغبن في الالتحاق بفرص التدريب هذه، وهي المجالات التي تعتبر تقليديا للذكور فقط".
"أنا أعيش في مجتمع محافظ وهناك توقع ألا ترغب أي امرأة في أن تكون في هذا الدور."
كما تفخر بحقيقة أنها تساعد في الحفاظ على المشهد الحضري التاريخي في اليمن للأجيال القادمة.
"على الرغم من التحديات والصعوبات المختلفة، فإن هذا العمل يمنحني شعورًا بالسعادة" كما تقول. "و على الرغم من كل ما يمر به البلد، اعتقد انني قادرة من خلال عملي القيام بدوري في الحفاظ على تاريخه وتراثه".
*جاك نيدهام، صحفي مستقل يكتب عن الثقافة والتكنولوجيا.