بدأت السعودية مؤخرًا حملة تطهير لمؤسساتها الحكومية من اليمنيين العاملين في المملكة منذ عقود.
يبدو أن تأثير هذه السياسة قد يتوالى على سوق العمل السعودي، وعلى الأرجح سيؤثر على مئات الآلاف من اليمنيين في المملكة والملايين من أفراد أسرهم باليمن الذين يعتمدون على التحويلات المالية لتأمين المعيشة.
هذه التحويلات تلعب دورًا فعّالًا ومهمًّا لا غنى عنه في دعم ما تبقى من اقتصاد اليمن، وبالتالي فإن طرد العمال اليمنيين -إذا سُمح له بالاستمرار بهذه الوتيرة- سيقوّض على الأرجح إمكانية تماسك الجمهورية اليمنية وصمودها بعد الحرب. من شبه المؤكد أن انخفاض التحويلات سيفاقم الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار الاجتماعي والنزاع المسلح لسنوات.
أصدرت المملكة توجيهات لمؤسسات الدولة برفض تجديد عقود العمل لليمنيين. التقارير أفادت عن تسريح جماعي لأكاديميين يمنيين من جامعات في نجران وجازان وعسير والباحة خلال شهر يوليو/تموز، وهي ليست سوى مثال بسيط عمّا يحدث، ففي الوقت الذي يبدو أن المملكة تركز على تطهير العمال اليمنيين من مدنها الجنوبية المجاورة لليمن، إلا أن تقارير تفيد عن فقدان اليمنيين لوظائفهم في أنحاء المملكة. ونظرًا لمركزية الاقتصاد السعودي وحقيقة أن جزءًا كبيرًا من القطاع الخاص يعتمد على المؤسسات السعودية ويتعاقد معها، فإن تأثير هذه السياسة السعودية الجديدة سينعكس بشكل شبه مؤكد على سوق العمل بأكمله. وبالتالي من المحتمل أن يُجبر مئات الآلاف من اليمنيين وعائلاتهم في المملكة على المغادرة.
خلال الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة في السبعينيات والثمانينيات بفضل النفط، شكل اليمنيون نسبة مرتفعة من العمال الذين ساعدوا في بناء السعودية. حتى عام 1990، كان اليمنيون قادرين على دخول المملكة دون تأشيرة متمتعين بحرية التنقل والقدرة على العمل دون كفيل في أي مكان بالسعودية.
عقب الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه عام 1990، مُنحت الجمهورية المشكلة حديثًا مقعدًا ضمن المقاعد العشرة غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفق قاعدة التناوب. امتنع اليمن عن التصويت في المجلس على قرار أجاز التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية من الكويت، الأمر الذي أغضب السعوديين الذين ردوا بإلغاء إعفاء اليمنيين من الحصول على تأشيرة للدخول إلى المملكة، وطرد ما يقدر بمليون عامل يمني. أدى غياب التحويلات المالية وعودة اليمنيين إلى اليمن بعد خسارة وظائفهم إلى انكماش الاقتصاد وتقلب اجتماعي لم يتعافَ منه اليمن بشكل كامل حتى يومنا هذا.
ارتفع عدد اليمنيين العاملين في المملكة تدريجيًّا في العقود التالية. ولكن منذ الربيع العربي عام 2011، وتحديدًا في السنوات الماضية، كثفت الرياض حملتها لتوطين القوى العاملة عبر تصعيب عمل الوافدين في المملكة تدريجيًّا مثل زيادة تكاليف الإقامة والمتطلبات البيروقراطية لجميع العمال غير السعوديين وطرد العمال غير الموثقين. أجبرت هذه الإجراءات عشرات الآلاف من اليمنيين على العودة إلى بلادهم، فيما زادت الحرب المستمرة من التأثير السلبي لخسارة التحويلات المالية. وكما وثّق مركز صنعاء سابقًا، أدى توقف صادرات النفط على نطاق واسع في اليمن والتدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015 إلى تسارع انهيار الاقتصاد ونقص في العملة الأجنبية. انخفضت قيمة الريال اليمني بشكل كبير كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني وسط خسارة اليمنيين سبل العيش، وتفاقمت الأزمة الإنسانية نتيجة انخفاض القدرة الشرائية. إحدى العوامل القليلة التي خففت من حدة هذه الأزمة هي مليارات الدولارات التي يرسلها المغتربون اليمنيون سنويًّا. تُعد هذه التحويلات -التي تأتي معظمها من السعودية- أكبر مصدر للعملة الأجنبية في اليمن حاليًّا.
ولكن سياسة الرياض الجديدة ليست جزءًا من خطتها لسعودة القوى العاملة، بل تبدو وكأنها إجراء عقابي ضد اليمنيين تحديدًا. تأتي هذه الخطوة بعد أن رعت السعودية العملية الانتقالية الفاشلة في اليمن بعد عام 2011 والتي مهدت الطريق للحرب الحالية، وبعد أن مزق التدخل العسكري الكارثي -الذي حصد أرواحًا لا تحصى وأسفر عن معاناة إنسانية توصف بأنها الأسوأ- اقتصاد اليمن وترك جماعة الحوثيين المسلحة مترسخة بقوة في صنعاء. استمرت الرياض في دعم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي شرذم فساده وعدم كفاءته تماسك المعارضة اليمنية ضد الحوثيين باستمرار، وأفقد ثقة المواطنين في الدولة اليمنية. وبعد كل ما حدث، تستهدف السعودية اليوم العمال اليمنيين في المملكة الذين تُعد تحويلاتهم المالية إحدى شبكات الأمان القليلة التي تحمي اليمن من الانحدار إلى قاع الهاوية. هذه السياسة السعودية لن تقوّض الحكومة اليمنية التي تزعم الرياض أنها تريد لها أن تستعيد زمام السلطة في صنعاء وحسب، ولكنها تؤذي اليمنيين على نطاق واسع. وحقيقة أن الرئيس هادي لم يحرك ساكنًا لطرح هذا الأمر مع السعوديين مؤشر على عدم فائدته لليمنيين ودليل إضافي على ضرورة عزله من منصبه.
ومما لا لبس فيه هو أن حملة التطهير السعودية هذه تعكس فشلًا أخلاقيًّا فاضحًا. أما فيما يخص الفاعلين الدوليين، فعليهم أن يكونوا على دراية أن وجود دولة فاشلة في جنوب شبه الجزيرة العربية -حيث الفاعل الأقوى هم الحوثيون حلفاء إيران- سيكون له تداعيات على المنطقة والعالم. وبناءً على ما سبق، يجب وقف التطهير السعودي للعمال اليمنيين.