على الرغم من قلّة الاهتمام بها في الصحافة الغربية، تشهد المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، الخاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حالة من إعادة الاصطفاف السياسي يُرجَّح أن تؤثر على مستوى التهديدات التي تواجه حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وببساطة، سيظل الخطر على السفن قائمًا ما دام القائمون عليه يمتلكون قاعدة آمنة ينطلقون منها.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه الحوثيون بانقساماتهم الداخلية وبالخشية من تعرض قيادتهم العليا لمزيد من الضربات الدقيقة، عاد التنافس إلى الاشتعال في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا. وقد ظلت هذه الحكومة منقسمة بين ما تبقى من مؤسسات الدولة الشرعية وبين المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي إلى استعادة دولة جنوب اليمن المستقلة كما كانت قبل توحيد البلاد عام 1990. أما ما تبقى من الحكومة خارج إطار المجلس الانتقالي، فهو نفسه منقسم بين عدة تيارات، أحدها مرتبط بحزب الإصلاح ذي التوجه القريب من جماعة الإخوان المسلمين، والذي تعتبره دولة الإمارات طرفًا غير مرغوب فيه.
يحظى المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إماراتي كبير، إذ ترى أبوظبي في قياداته ميولًا أقرب إلى الاتجاهات العلمانية، رغم تجاهل حقيقة أن جنوب اليمن كان سابقًا دولة ماركسية-لينينية على علاقة وثيقة بالاتحاد السوفيتي، وقد دعم في حينه تمرّدًا شيوعيًا فاشلًا في جنوب عُمان. وخلال الأيام الماضية، دفعت قوات ألوية العمالقة الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي بقوات الحكومة الأساسية خارج عدن، ومن منطقة لحج شمال عدن، ومن المناطق الساحلية الأكثر كثافة سكانية في حضرموت والمهرة شرق البلاد، ورفعت علم المجلس الانتقالي على الحدود مع سلطنة عُمان. وبهذا، تحدّى المجلس الانتقالي السيطرة على مناطق إنتاج النفط اليمني في حقول مأرب–الجوف، وشبوة، وسيئون–المسيلة، واستولى بالفعل على موانئ التصدير التي تخدم هذه المناطق.
وردّت قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية عبر تعزيز وجودها في المناطق المتاخمة للحدود اليمنية–السعودية، لا سيما في شمال مأرب وأجزاء من حضرموت والمهرة.
وبذلك تجد ثلاثة من دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في حالة تضارب مباشر في المصالح. فالسعودية تحتاج إلى حماية حدودها ولا تريد أن تُترك وحيدة في مواجهة تهديد الحوثيين، كما أنها كانت دائمًا تسعى لامتلاك منفذ فعال إلى خليج عدن. أما الإمارات، فتسعى إلى المضي في مشروعها لإنشاء دولة تابعة لها في جنوب اليمن، بما يخدم طموحاتها شبه الإمبراطورية والتجارية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا. بينما تحتاج عُمان إلى تأمين حدود محافظة ظفار، وترغب في إبقاء محافظة المهرة المجاورة في حالة من الاستقلالية وعدم الانحياز كما كانت خلال السنوات الماضية.
ولا تزال هذه الطموحات المتعارضة دون حل، على الرغم من الخطوات الجريئة التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويُرجَّح أن التوصل إلى تسوية سياسية داخل مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا سيحدّ كثيرًا من طموحات الحوثيين، الذين تمكنوا من فرض هيمنتهم على مناطقهم بسبب تشرذم القوى المناهضة لهم. كما أن نهضة جنوب يمني مزدهر ومستقر من شأنها إضعاف قبضة الحوثيين على السكان الخاضعين لسيطرتهم، والذين يعانون مستويات شديدة من الحرمان.
ولا تزال الولايات المتحدة وبريطانيا، استنادًا إلى تحركات دبلوماسية خلال الأيام الماضية، تدعمان الحكومة المعترف بها دوليًا، على أمل أن تتمكن من جمع مختلف الفصائل في المناطق غير الخاضعة للحوثيين، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، ضمن ائتلاف ناجح. غير أن هذا الائتلاف لم ينجح حتى الآن، ولم تظهر مؤشرات حقيقية على أنه في طريقه إلى ذلك. ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال – وإن بدا ضعيفًا – يظل أفضل أمل متاح لتحقيق قدر من الاستقرار في اليمن، وهو شرط أساسي لتحسين أمن الملاحة في البحار المجاورة.
لكن من الواضح أن خيارات أخرى باتت مطروحة على الطاولة.