دعت القمة النسوية الثامنة، في ختام أعمالها اليوم الاثنين بمدينة عدن، إلى إشراك النساء في آلية العدالة الانتقالية، والإسراع في إنشاء الاستراتيجية الوطنية للحد من الكوارث ودمج المرأة في مراحل إعدادها وتنفيذها، كمدخل لإصلاح البيئة العدلية وتعزيز كفاءة الاستجابة الوطنية للتهديدات الإنسانية.
وأنهت أكثر من 240 امرأة من مختلف المحافظات اليمنية أعمال القمة في مسعى متجدد لترسيخ حضور النساء داخل مراكز صنع القرار، وتوسيع مشاركتهن في صياغة السياسات العامة المرتبطة بالسلام والعدالة والأمن الإنساني.
وأوصى المشاركون بضرورة إدماج النساء في كل مراحل تصميم آلية العدالة الانتقالية وربطها بخطط الحد من الكوارث، إلى جانب إشراك نساء الريف والساحل في برامج التوعية بالألغام ومخلفات الحروب، باعتبارهن الفئة الأكثر عرضة لمخاطرها اليومية.
واختارت القائمات على القمة قاعة منتجع "كراون" للمؤتمرات المطلة على ساحل البحر العربي، وعلى مقربة من قصر معاشيق الرئاسي الذي تتخذه الحكومة مقرًا لها، مكانًا لانعقاد الدورة الثامنة التي امتدت يومين، في إشارة رمزية إلى الاقتراب من مركز القرار ومحاولة كسر العزلة المفروضة على صوت النساء في بيئة سياسية يغلب عليها الطابع الذكوري، وسط مصادرة طويلة لحقوقهن منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من أحد عشر عامًا.
وفي يومها الثاني، واصلت القمة نقاش أوراق عمل تناولت مشاركة المرأة في العدالة الانتقالية، وضحايا الألغام، وحماية حقوق الإنسان، ومستويات العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الرقمي ودور شعبة مكافحة الجريمة الإلكترونية في مكتب النائب العام في معالجة هذا النوع من الانتهاكات.
وتوزع المشاركون على أربع مجموعات عمل ركزت على العدالة الانتقالية وحماية حقوق المرأة، وإنشاء آلية عدالة انتقالية جديدة، ومشاركة النساء في الخطة الوطنية للعدالة الانتقالية، إضافة إلى حقوق الإنسان ومستويات العنف ضد المرأة.
وخرجت المجموعات بحزمة توصيات مقدَّمة لصناع القرار، محليًا ودوليًا، لدفع السلطات الحكومية إلى اعتمادها كمدخل عملي لإنهاء النزاع اليمني.
*ضحايا الألغام والعدالة الانتقالية*
ويرى الخبير في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، القاضي محمد الهتار، أن السلام لا يكتمل ما لم تُوضَع المرأة في مركزه، واصفًا أي مسار عدالي يتجاوز معاناة النساء أو أدوارهن في صناعة المستقبل بـ"العدالة المنقوصة".
وشدد على أن حماية النساء معيار جوهري لالتزام الدولة بصون الكرامة الإنسانية، وأن غياب الردع القانوني للعنف ضد المرأة يضعف ثقة المجتمع بالعدالة.
واعتبر أن تجاهل أصوات النساء خطأ تاريخي يعيد إنتاج الألم بدلًا من معالجته.
من جهته، أشار مدير قسم التوعية في البرنامج التنفيذي للتعامل مع ضحايا الألغام، علي صالح الشاعري، إلى وجود ما يقارب مليوني لغم زُرعت عشوائيًا منذ عام 2015، ما يضع المدنيين فوق واحدة من أوسع الحقول المفخخة في المنطقة.
وأوضح أن البرنامج الوطني نفذ خلال السنوات الخمس الأخيرة ما يزيد عن 27,600 جلسة توعية، استفاد منها أكثر من 1.1 مليون مواطن ومواطنة، فيما تجاوز عدد الضحايا 5,800 بين قتيل ومصاب.
وتظهر البيانات، وفق ممثلة مكتب تنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام، سحر عبدالكريم مشهور، أن الألغام والمخلفات المتفجرة ما تزال تهدد حياة ملايين اليمنيين في ظل غياب خرائط الحقول ورفض تسليمها.
ونفذ البرنامج الوطني ومكتب التنسيق 33 مهمة عاجلة جرى خلالها التخلص من 49 مادة متفجرة وتأمين أكثر من 170 شخصًا في محافظتي عدن ولحج خلال فيضانات أغسطس/آب الماضي.
كما طور البرنامج استراتيجيته الوطنية بإدماج النساء في فرق المسح والتوعية وتحديث أدوات جمع البيانات، وهي جهود ما زالت تحت الاحتياج، تقنيًا وماليًا، لضمان حماية المدنيين.
وخلال إدارتها جلسة "العدالة الانتقالية وضحايا الألغام"، أكدت الناطقة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، القاضية إشراق المقطري، أن أي مسار للعدالة الانتقالية يظل ناقصًا ما لم تُوضع النساء في مركزه، باعتبارهن الأكثر تضررًا من النزاعات.
ورأت أن غياب إنصافهن ينسف إمكانية بناء سلام عادل أو تأسيس مجتمع قادر على التعافي.
وفي مداخلة عبر تقنية الزوم، شددت مسؤولة الأبحاث والمناصرة في المركز العالمي لمسؤولية الحماية، أميرة راجا سينغهام، على أن حماية النساء في أوقات النزاع شرط لبناء سلام دائم لا خطوة تكميلية، مؤكدة أن إشراك النساء في عملية السلام يرفع فرص الوصول إلى حلول مستدامة ويضمن معالجة جذور النزاع.
وفي الاتجاه ذاته، دعت الناشطة السودانية الزلالى كمال الجزولي إلى اتخاذ موقف حاسم تجاه مرتكبي الانتهاكات ضد حقوق النساء، معتبرة الحديث غير ممكن عن سلام عادل دون آلية واضحة للمساءلة والمحاسبة.
*جهود مكافحة الجرائم الإلكترونية*
وتحدث رئيس شعبة مكافحة الجرائم الإلكترونية في مكتب النائب العام، القاضي عبدالقادر الفضلي، خلال جلسة "دور شعبة مكافحة الجرائم الإلكترونية في مكتب النائب العام للجمهورية" عن أهمية إنشاء هذه الشعبة ودورها المتقدم في مواجهة الجرائم الرقمية المتنامية.
ورأى أن تأسيسها يشكل خطوة محورية في تعزيز قدرات النيابة العامة على مكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني التي تتسع رقعتها مع الاستخدام غير المنضبط لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأكد الفضلي أن النساء والأطفال هم الفئات الأكثر عرضة لهذه الانتهاكات، ما يفرض تطوير أدوات قانونية وتقنية أكثر فاعلية، إلى جانب رفع مستوى الوعي المجتمعي لضمان حماية حقيقية لهذه الفئات.