"نجم البلدة" هو نجم فلكي مرتبط بالأشهر الميلادية، و من نجوم فصل الخريف، ويبدأ في منتصف يوليو (تموز)، بتكون تيارات بحرية شديدة تنبع من أعالي البحار، تتأثر بها سواحل محافظتي حضرموت والمهرة وشرق اليمن عموماً، وتكون باردة جداً وتؤدي إلى تلطيف الجو في مياه بحر حضرموت، لا سيما في الأجزاء المطلة على مدينة المكلا والمناطق الحضرمية الساحلية الواقعة إلى الشرق والغرب من المكلا.
وبحسب ما هو متعارف عليه محلياً، فإن مياه البحر تكون الأكثر برودة عن غيرها من السواحل، وذلك يعود لاتجاه التيارات المائية والرياح والأمواج التي تكون أكثر تركيزاً واتجاهاً على هذه السواحل.
•ظاهرة فريدة
وفي تقدير الباحث في محافظة حضرموت خالد القحوم، تتشكل في موسم نجم البلدة ظاهرة بحرية فريدة من نوعها، وذلك يتمثل في ارتفاع درجة برودة مياه البحر بشكل كبير، لأن "نجم البلدة هو أحد النجوم المرتبطة بفصل الخريف من الناحية الزراعية، وهو في المنزلة الثانية، كما يصفه العالم الفلكي القزويني "فضاء في السماء لا كواكب له بين العائم وسعد الذابح"، ومكون من ستة كواكب مستديرة صغيرة وخفية تشبه القوس".
كما أن اشتداد الرياح الموسمية الشمالية وقوة انبعاث التيار البحري، يثيران حركة موج واسعة وعنيفة داخل البحار تقوم بدفع التيار الغائص الذي يدفع به المياه من الأعماق الباردة إلى سطح البحر، مما يدفع بالكتل المائية إلى الشواطئ الجنوبية لشبه جزيرة العرب، فتتشبع بالبرودة التي تسري في مياهها.
•المدلول الشعبي
ويلفت القحوم إلى البعد التاريخي لنجم البلدة في المدلول الثقافي والشعبي، ومنها الجانب المهني قائلاً "ارتبط الإنسان الحضرمي بنجم البلدة منذ القدم، وكان أكثر الفئات المهنية إحساساً بهذا النجم المزارعون، فكان موسماً لعقد الصفقات والعقود التجارية بين ملاك المزارع وعمالها، حيث يتم بذر المحاصيل الزراعية، كما ينتج التمر الطازج المسمى الرطب، وتنشط حركة الإنتاج الزراعي، وعلى العكس تماماً كان للصيادين في حضرموت قبل عشرات السنين قصص وحكايات مع نجم البلدة، أهمها عدم قدرتهم على الإنتاج السمكي كبقية فصول السنة نتيجة الأمواج العاتية، لذا كانوا يكتفون بصيد الأسماك في المناطق القريبة من السواحل، لكن قلة العمل تلك كانت فرصة لهم لممارسة بعض الأنشطة التراثية في هذا الموسم".
•الاغتسال أمر لا بد منه
وتشهد مدينة المكلا الحضرمية بهذه المناسبة تجمعاً للآلاف من المواطنين من أبناء المنطقة وغيرها، بهدف الاغتسال في مياه البحر الباردة، وحضور فعاليات مهرجان البلدة الذي يشتمل على عدد من الأنشطة والاحتفالات الثقافية والفنية والرياضية والتراثية، التي تنظمها السلطة المحلية ومنظمات وفرق شبابية ومجتمعية.
وعلى شاطئ شارع الستين، يتجول الشاب هاني أحمد ملتقطاً بكاميرا هاتفه صوراً لأصدقائه، بعد أن فرغوا من السباحة في وقت مبكر من الصباح.يقول هاني "توجهت ثاني أيام عيد الأضحى مع مجموعة من أصدقائي من مدينة سيئون شمال حضرموت وقطعنا بسيارتنا أكثر من 400 كم للوصول إلى المكلا، للاستمتاع بموسم البلدة بالاغتسال في البحر، وحضور الأنشطة الثقافية والفنية المصاحبة له، واستكمال إجازة العيد في أجواء من البهجة والبحر الجميل والطبيعة الرائعة".
يضيف "هذه ليست المرة الأولى التي أحضر موسم البلدة، فقد سبق لي ذلك أكثر من مرة، وأكثر ما يجذبني برودة ماء البحر، لهذا الاغتسال في البحر أمر لا بد منه لكل من حضر إلى هنا، فهو يثير الانتعاش والنشاط ومفيد جداً لتحسين المزاج والصحة النفسية، وعلاج للأمراض الجلدية كما يقال".
•ضعف الخدمات
ويعبر حسن عمر من محافظة مأرب اليمنية عن فرحته وسروره بوجوده في المكلا للاستمتاع بأجواء البلدة مع لحظات الشروق الأولى، لكنه يطالب السلطات المحلية بأجهزتها المختلفة بالاهتمام بالخدمات السياحية وتطويرها.ويوضح ذلك بالقول "البلدة موسم يجذب الآلاف من اليمنيين من محافظات عدة، وكما تلاحظ هذا الإقبال الكبير بشكل يومي، ولكن للأسف مدينة المكلا بحاجة إلى اهتمام أكبر بالخدمات الفندقية والسياحية، وبخاصة شارع الستين الموقع الرئيس لتجمع الناس في موسم البلدة"، مؤكداً أن هناك ضعفاً شديداً في شبكة الاتصال، والفنادق والمطاعم قليلة للغاية، بل وللأسف بعض الفنادق خدماتها لا تلبي احتياجات السياحة المحلية، لذا من المهم توفير الخدمات وتشجيع الزوار على الاستقرار عدة أيام أخرى وبخاصة وأن موسم البلدة يستمر أسابيع.
•المكلا آمنة
أما علي جمعان من محافظة المهرة فيتحدث عن البلدة بموسمها ومهرجانها قائلاً "للسنة الثالثة على التوالي أحرص على حضور موسم البلدة، بصراحة زرت دولاً عربية، ولكن كانت سعادتي في المكلا أكثر، وبخاصة سحر ماء البحر البارد، هذا شيء مذهل، أحس أنني أجدد حياتي مع كل موسم بلدة، وكذلك يسعد الواحد منا بقضاء أيام جميلة في المكلا مع أهلها الذين عرفناهم بالطيبة والأخلاق الفاضلة".
•الاستشفاء والترويح
يؤكد القحوم أن تمسك زوار موسم البلدة بالاغتسال في مياه البحر الباردة لم يأتِ من فراغ، إذ يفيد ذلك في الاستشفاء من الأمراض الجلدية وأمراض الدم، إلى جانب بث روح النشاط وقضاء أوقات سعيدة على الشواطئ، وبخاصة في وقت الصباح الباكر، كما أن الموسم وما يصاحبه من أنشطة ثقافية وفنية ورياضية، شكل فرصة كبيرة لأبناء حضرموت والمحافظات اليمنية الأخرى للترويح عن النفس، وانتشال نفسياتهم من تداعيات وآثار الحرب اليمنية، وانهيار القوة الشرائية للعملة الوطنية.
•فعاليات وأنشطة
شهد مهرجان البلدة هذه السنة العديد من الفعاليات، أهمها كرنفال الألعاب الشعبية وفنون الرقص الشعبي، بمشاركة عدد من الفرق التراثية والفرقة النحاسية للمنطقة العسكرية الثانية.
إضافة إلى إقامة معرض مصور للتراث البحري، واليوم المفتوح لحصن الغويزي التاريخي الواقع في مدخل مدينة المكلا الشرقي، ومعرض لهيئة المعماريين اليمنيين، كما أقيمت العديد من المسابقات الرياضية على شواطئ المكلا، ناهيك عن المهرجانات والحفلات الفنية اليومية الصباحية والمسائية، والتي حظيت بمتابعة كبيرة من زوار البلدة، وأعطت الموسم نكهة من الفرح المميز.
•الروح الحضرمية
يوضح مدير عام مكتب الإعلام بالمحافظة أن أنشطة مهرجان البلدة تقليد سنوي تقيمه السلطة المحلية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والفرق الشبابية، ويتم التركيز على الأنشطة ذات الطابع الثقافي والتراثي والفني التي تؤكد وتجسد روح التراث الحضرمي الأصيل، بما تمتلكه حضرموت من فنون وتراث وثقافة وحضارة عظيمة تعود لآلاف السنين، وهي فرصة طيبة لجذب الزوار إلى مدينة المكلا والمدن الحضرمية الأخرى الواقعة على الساحل، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية بشكل عام، والترويج للفرص الاستثمارية في المحافظة والاستغلال الأمثل لها، فهناك فرص استثمارية كبيرة في المكلا خصوصاً ومناطق حضرموت كافة، فبالتالي موسم البلدة فرصة مواتية للترويج للثقافة الحضرمية، ولفت النظر للمزايا الاقتصادية والاجتماعية والسياحية.
•تداعيات الحرب
يعزو المسؤول اليمني تواضع الخدمات السياحية في مدينة المكلا، إلى تداعيات الحرب السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على الجانب التنموي والخدماتي، مستدركاً أن السلطة المحلية بالمحافظة تعمل بكل ما أوتيت من جهد وإمكانيات على تذليل الصعاب وحل المشكلات التي تواجه توفير الخدمات، واستكمال البنى التحتية في سبيل الوصول إلى خدمات راقية، داعياً رجال المال والأعمال والاستثمار إلى استغلال الفرص الاستثمارية المتعددة في مدينة المكلا، والمشاركة في تأهيل البنى التحتية وبخاصة في المجال السياحي، مختتماً حديثه بالتنويه إلى أن السلطة المحلية ترحب وتشجع المستثمرين على استغلال الفرص الاستثمارية، وفي مقدمتها قطاع السياحة.