في يوليو/ تموز الماضي، أدلى السفير الإسرائيلي في الأرجنتين بحديث إلى منصة إنفوباي، أحد أبرز المنابر الإعلامية في أميركا اللاتينية، حيث سمّى إدغاردو روبين (المعروف أيضاً باسم “سهيل” أسعد)، وعبد الله سيريا، وعبد الكريم باز –وهم ثلاثة رجال دين شيعة من أصول أرجنتينية تلقوا تدريبهم في إيران– باعتبارهم جزءاً من شبكة إرهابية مرتبطة بطهران. وترتبط هذه الشبكة بالشيخ محسن ربّاني، أحد أبرز المخططين لتفجير سفارة إسرائيل في بوينس آيرس عام 1992، وتفجير مركز الجمعية اليهودية الأرجنتينية (AMIA) الثقافي عام 1994.
ورغم أن اتهام رجال دين أرجنتينيين تدربوا في إيران بالارتباط بالإرهاب قد يبدو غير مألوف، إلا أنه ينسجم مع مساعي طهران المتواصلة لتصدير رسالتها الثورية إلى الخارج. فإيران تُعَدّ في جوهرها نظاماً دينياً، كما تُصنَّف باعتبارها الراعي الأول عالمياً للإرهاب، حيث تقوم المؤسسة الدينية بدور محوري في منح الغطاء الشرعي، والتبرير الأخلاقي، وتوفير الإرشاد والقيادة المرتبطة بالعمليات الإرهابية.
ومن أبرز البيئات التي يلتقي فيها الدين بالإرهاب جامعة المصطفى الدولية، وهي مؤسسة دينية مقرها مدينة قم الإيرانية –المركز الأهم للحوزات العلمية الشيعية– تركز على تأهيل الناطقين بغير الفارسية، بما في ذلك أعداد كبيرة من معتنقي المذهب الشيعي من مختلف أنحاء العالم. وتمتد فروعها إلى مناطق عدة، من بينها أوروبا، حيث خضعت بعض أنشطتها مؤخراً لاهتمام المحققين الألمان، ما قد يجعلها عرضة لمزيد من التدقيق من قِبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
وقد فرضت كلٌّ من وزارة الخزانة الأميركية عام 2020، ووزارة الخارجية الكندية عام 2022، عقوبات على جامعة المصطفى. وأوضحت وزارة الخزانة أن الجامعة “تدير عشرات الفروع الدولية التي تسهّل عمليات قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني من خلال استقطاب طلاب أجانب، بمن فيهم أميركيون”، فيما جاء في بيان كندا أن الجامعة “كيان يعمل على نشر أيديولوجية النظام في الخارج عبر شبكة فروعه العالمية”.
أما الشيخ محسن ربّاني، الذي يُعدّ المرشد الروحي لرجال الدين الثلاثة من أصل أرجنتيني الذين سماهم السفير الإسرائيلي في بوينس آيرس، فلم يكن مجرد شخصية محورية في تفجيري عامي 1992 و1994. فمنذ عودته إلى إيران عام 1997، تولّى رئاسة “إسلام أورينتي” – وهو القسم التابع لجامعة المصطفى والمكلَّف بتلقين وتدريب رجال الدين الطامحين من الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية. وقد تولى تلامذته إدارة مراكز إسلامية شيعية في الأرجنتين، وبوليفيا، والبرازيل، وتشيلي، وكولومبيا، وكوبا، وكوستاريكا، والإكوادور، والبيرو، وفنزويلا، وغيرها.
وإلى جانب “إسلام أورينتي”، تُشرف جامعة المصطفى على برامج تعليمية بعشرات اللغات الأجنبية في مقرها الرئيس بمدينة قم، كما تدير فروعاً في مناطق متفرقة داخل الشرق الأوسط وخارجه، من بينها برلين، وبيروت، وجوهانسبرغ، ولندن. أما خريجوها، فقد أسسوا مساجد ومراكز ثقافية في مختلف أنحاء العالم، ينشرون من خلالها تعاليم الجامعة، ويروّجون لدعاية النظام، ويستقطبون أنصاراً جدد لقضيته. وتنتشر هذه المراكز وتزدهر في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية.
ويُعد التلاقي بين رجال الدين المتشددين والأنشطة الإرهابية نتاجاً مباشراً لبرامج التلقين التي يقوم بها أساتذة جامعة المصطفى، وقد امتدت تداعياته إلى مختلف أنحاء العالم، متجاوزة الفوضى التي فجّرتها إيران وأذرعها في الأرجنتين عامي 1992 و1994. ووفقاً للباحث في معهد واشنطن، حمدي مالك، فإن الفرع العراقي لجامعة المصطفى مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنظمة كتائب حزب الله المصنّفة أميركياً كجماعة إرهابية، حيث يشغل اثنان من قادة الكتائب مناصب رسمية داخل الجامعة.
كما وُجهت أصابع الاتهام إلى خريج طاجيكي من جامعة المصطفى يُدعى محمد علي بورهانوف بالتورط في مخططات إرهابية ضد إسرائيليين في آسيا الوسطى. وفي حالة أخرى، ارتبط أحد أعضاء شبكة المصطفى، وهو ناشط برازيلي من المتحوّلين إلى الإسلام الشيعي ومعروف بمواقفه المناهضة لإسرائيل، بعلاقات وثيقة مع خلية تابعة لحزب الله كانت محور تحقيق “تراپيشي” في البرازيل، الذي كشف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 عن مخطط للتنظيم يهدف إلى تجنيد برازيليين لتنفيذ هجمات ضد أهداف يهودية في العاصمة.
ومؤخراً، كشفت مؤسسة جيمستاون عن دور أستاذ تايلاندي في جامعة المصطفى، لعب دور الوسيط في صفقة إطلاق سراح الرهائن التايلانديين لدى حركة حماس في غزة، مستفيداً من صلاته المباشرة بالنظام الإيراني.
ورغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وكندا على جامعة المصطفى، واستمرار انكشاف روابطها بمخططات إرهابية، إلا أن فروعها تواصل نشاطها في الخارج. فقد قام المستشار الأعلى للجامعة مؤخراً بزيارة رسمية إلى البرازيل، التي تُعد موطناً لعدد كبير من خريجيها وأحد أهم المراكز الإقليمية للنفوذ الإيراني وحزب الله في أميركا اللاتينية.
وفي العام الماضي، كشفت صحيفة بيلد الألمانية أن أكثر من 700 من المنتسبين لفرع الجامعة في برلين يخضعون لمراقبة مشددة من أجهزة الأمن الألمانية. ورغم أن هذه المؤسسة التعليمية المرتبطة بإيران لا تزال ناشطة، إلا أن الضغوط تتصاعد عليها، إذ جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 تعطيل حسابها على منصة “باي بال”، فيما أقدمت السلطات الألمانية على إغلاق مساجد ومراكز إسلامية مرتبطة بإيران وحزب الله، من بينها مركز المصطفى في بريمن عام 2022، والمسجد الشيعي في هامبورغ المرتبط بالنظام الإيراني في يوليو/ تموز 2024. وكان رئيس مركز بريمن السابق –الذي اعتقلته السلطات الألمانية عام 2022– يُشتبه في أنه من عناصر وحدة “رضوان” العسكرية الخاصة التابعة لحزب الله.
ورغم هذه الإجراءات، لا يزال فرع الجامعة في برلين مفتوحاً، إلى جانب مراكز إسلامية أخرى يديرها خريجو المصطفى من دون أن تكون مرتبطة بها مؤسسياً. ومن بين هذه المراكز مسجد “پيام نور” الشيعي في هانوفر، الذي يتولى إدارته الشيخ رضوان حرب، وهو أحد خريجي جامعة المصطفى، بحسب ما ورد في صفحته على فيسبوك.
ويُعتبر الشيخ رضوان، وهو لبناني الجنسية، مرتبطاً عائلياً بحزب الله، إذ كان شقيقه الراحل علي من شهداء الحزب، وقد زار الشيخ قبره ونشر صورة للمناسبة على صفحته في فيسبوك. كما قام رضوان بتخليد ذكرى مقاتلين آخرين من الحزب، فنشر عام 2022 رثاءً للشهيد علي حسين خليل في ذكرى وفاته، وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، نشر رثاءً لعدة شهداء من حزب الله من بلدته المنصوري الذين قُتلوا خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وعلّق قائلاً: “قليلون هم من يرتقون إلى علياء الخلود والسمو والعظمة، ممن يقدمون الروح ويأخذون الأرواح”.
وتُظهر منشورات رضوان بشكل واضح ميوله الداعمة للنظام الإيراني ولوكالاته مثل حزب الله وحماس. كما تؤكد اتصالاته قربه من شبكات إيران في الخارج ومن المغتربين التابعين لحزب الله. ومن بين معارفه فاضل رعد، الذي اعتقلته السلطات الألمانية في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بتهمة الانتماء إلى حزب الله. ويجمع رضوان ورعد علاقة صداقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولديهما 144 جهة اتصال مشتركة.
كما يرتبط الشيخ رضوان بمركز إيراني كان قائماً في هامبورغ قبل إغلاقه، سواء من خلال صداقاته على وسائل التواصل الاجتماعي مع قيادات المسجد أو على أرض الواقع، إذ كان ضيفهم ممثلاً لمسجد هانوفر في افتتاح مركز جديد عام 2017. وخارج ألمانيا، تربطه علاقات صداقة مع مركز إيراني في غانا، ومع المستشار الثقافي الإيراني السابق في الجزائر، علي موسوي، الذي طُرد من الجزائر بسبب محاولاته نشر المذهب الشيعي في البلاد.
ويُعد رضوان مثالاً واحداً فقط من خريجي جامعة المصطفى حول العالم، الذين تعكس أعمالهم اليومية وشبكات علاقاتهم بشكل مباشر وجهة النظر العالمية للنظام الإيراني والمؤسسة التي دربتهم. وبالنظر إلى سجل جامعة المصطفى، فقد فُرضت عليها عقوبات بسبب برامج التلقين، ووجود إرهابيين بين خريجيها، وتفانيها في نشر أيديولوجية النظام الإيراني خارج حدوده. وما يظل لافتاً أن عدداً قليلاً فقط من الدول تبنّى نهج الولايات المتحدة وكندا في فرض العقوبات، بينما لا تزال الجامعة تمارس نشاطها دون عرقلة حقيقية.