من المتوقع أن تتضمن التقارير الخاصة بالإخفاقات الاستخباراتية التي سبقت حرب "السيوف الحديدية" قسماً مهماً عن الحوثيين. فعلى مدار نحو عقد من الزمن، كان تهديد عسكري جديد ضد إسرائيل يتنامى في اليمن، إلا أنه لم يحظَ باهتمام يُذكر، إذ كانت الأولوية تُمنح لما اعتُبر تهديدات أكثر إلحاحاً، مثل إيران وحزب الله وحماس.
ورغم أن اسم الحوثيين كان يُذكر أحياناً في الإحاطات والتقديرات الأمنية، إلا أن ذلك كان غالباً بشكل عابر. وعلى الرغم من إدراك إسرائيل لقدرات الحوثيين أنها بعيدة المدى، فقد فوجئ الكثيرون حين أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ والطائرات المُسيّرة باتجاه إسرائيل، وواصلوا لاحقاً تكثيف وتيرة هجماتهم.
ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، من بين عشرات الصواريخ التي أُطلقت نحو إسرائيل، اخترق نحو 45 منها الأجواء الإسرائيلية، بما في ذلك أكثر من 25 صاروخاً منذ منتصف مارس/ آذار، وهو التوقيت الذي استأنف فيه جيش الدفاع الإسرائيلي عملياته القتالية في قطاع غزة.
وخلال فترة القتال الطويلة، حققت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية معدلات اعتراض مذهلة تجاوزت 90%. غير أن الحرب أثبتت مراراً أنه لا يوجد نظام دفاعي كامل، فالقليل من الصواريخ التي تنجح في اختراق الدفاعات يمكن أن تُحدث أضراراً كبيرة.
وقبل أسبوعين، اخترق صاروخ يمني منظومتي الدفاع الصاروخي الأميركية "ثاد" والإسرائيلية "حيتس"، مخلفاً حفرة ضخمة في المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل. وقد شكّلت هذه الضربة انتصاراً نفسياً كبيراً للحوثيين، ودَفعت عشرات شركات الطيران الأجنبية إلى تعليق رحلاتها إلى إسرائيل لأجل غير مسمّى.
و خلافاً لما يزعمه الحوثيون، فإن الصواريخ التي يطلقونها باتجاه إسرائيل ليست فرط صوتية، ولا تتمتع بقدرات مناورات خاصة. ومع ذلك، فإن أنظمة الاعتراض قد تفشل لأسباب متعددة.
•إيران.. حقل التجارب
لفهم كيفية التعامل مع التهديد الحوثي، من المفيد العودة إلى جذور الجماعة وكيفية صعودها إلى السلطة.
الحوثيون هم حركة شيعية متطرفة نشأت في محافظة صعدة شمال اليمن، وتشكّلت جزئياً نتيجة تهميش الحكومة اليمنية لهم، إضافة إلى تصاعد الحماس العقائدي الشيعي المتأثر بالثورة الإيرانية.
ويفتقر اليمن إلى بنى تحتية متقدمة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على النمط الغربي، بينما يعيش الحوثيون حياة بسيطة ويعتمدون على شبكة واسعة من القبائل الممتدة في مناطق نائية.
و تتبنى الجماعة أيديولوجيا شديدة العداء للغرب، وترفع شعاراً صادماً:
"الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام."
وعلى غرار حركتي حماس وحزب الله، يمتلك الحوثيون جناحاً مدنياً يدّعي تقديم خدمات عامة للسكان، إلى جانب جناح مسلح تطوّر ليُصبح جيشاً فعلياً على أرض الواقع.
و قد بدأت الجماعة تمرّدها على الحكومة المحلية عام 2004، و أدّت حملات القمع الشديدة التي تلت ذلك إلى تعزيز موقعها. ثم جاء "الربيع العربي" عام 2011 ليمنح الحوثيين دفعة إضافية، وبنهاية عام 2014 كانوا قد سيطروا على صنعاء، عاصمة اليمن، وأصبحوا القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع في شمال البلاد.
و من عام 2015 وحتى أبريل/ نيسان 2022، خاض الحوثيون حرباً ضد تحالف من الدول العربية السنية بقيادة السعودية والإمارات، هدفه إعادة الحكومة اليمنية السُنية السابقة إلى السلطة. وخلال سنوات الصراع، قدّمت إيران دعماً مالياً كبيراً للحوثيين، إلى جانب كميات ضخمة من الذخيرة والأسلحة الفردية والصواريخ والطائرات المُسيّرة، ما حوّل اليمن فعلياً إلى ساحة اختبار للأسلحة الإيرانية.
وخلال سنوات الحرب السبع تلك، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مُسيّرة باتجاه السعودية، استهدفوا بها منشآت مدنية وعسكرية على حد سواء. وقد بلغ مدى بعض هذه الصواريخ نحو 1200 كيلومتر (750 ميلاً).
•تهديدات أكثر إلحاحاً
تابعت إسرائيل هذه التطورات من بعيد في معظم الأحيان. ورغم ظهور مؤشرات إنذار مبكرة، خاصة بعد هجمات كبرى استهدفت مصالح سعودية وإماراتية، مثل ضربة مارس/ آذار 2021 على منشآت شركة أرامكو، إلا أن التهديد لم يُعامل بالجدية الكافية. ففي اليوم التالي مباشرة، أطلق الحرس الثوري الإيراني تهديدات مبطّنة ربطت الهجوم الحوثي بإمكانية استهداف مدينة إيلات. وكانت الرسالة واضحة، أي أن بإمكان الحوثيين أن يكونوا أداة بيد إيران لمهاجمة إسرائيل.
وبعد انتهاء القتال مع الدول العربية، احتفظ الحوثيون بترسانة كبيرة من الطائرات المُسيّرة، وصواريخ الكروز، والصواريخ الباليستية بعيدة المدى. وقد حذّر بعض المسؤولين في إسرائيل من أنه بمجرد أن يضع الحوثيون أوزارهم مع السعودية، سيوجهون أسلحتهم نحو إسرائيل.
وفي يونيو/ حزيران 2022، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك (بيني غانتس)، أن الحوثيين راكموا العشرات من هذه الأسلحة، في انتهاك صريح لحظر السلاح الدولي. وقبل أقل من شهر على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كشف الحوثيون عن صاروخ بعيد المدى، يُعتقد على نطاق واسع أنه صُمم خصيصاً لاستهداف إسرائيل. ومع ذلك، ظل جمع المعلومات الاستخباراتية حول الحوثيين أولوية متأخرة، تطغى عليها ملفات أكثر إلحاحاً مثل إيران، وحزب الله، وحماس.
و يرى بعض المراقبين أن الحوثيين، على غرار حركتي حماس وحزب الله، لا يمكن هزيمتهم إلا من خلال وجود عسكري مباشر على الأرض، وهو خيار من غير المرجّح أن تُقدم عليه إسرائيل.
أما القوات المحلية المناهضة للحوثيين في اليمن، فلا يمكنها تحقيق أي تقدم فعلي دون دعم خارجي واسع النطاق.
وتُطرح في المقابل مقاربة أخرى تتمثل في توجيه ضربة مباشرة لإيران، باعتبارها الجهة التي تموّل الحوثيين وتزوّدهم بالسلاح. غير أن هذا الخيار قد لا يوقف الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، لأن الحوثيين لا يخضعون مباشرة لسلطة النظام الإيراني.
الخلاصة أن لا أحد في إسرائيل يبدو متفائلاً بإمكانية القضاء على التهديد الصاروخي الحوثي بالقوة العسكرية وحدها.
وقد تستمر صفارات الإنذار التي تُجبر ملايين الإسرائيليين على التوجه إلى الملاجئ، ما دام الحوثيون يختارون مواصلة إطلاق الصواريخ.
لقراءة المادة الاصل: هنا