اليمن: مقتل العشرات في غارة أمريكية استهدفت مركز احتجاز مزعوماً في اليمن، وفقاً لمشاهد مصوّرة
يمن فيوتشر - واشنطن بوست- ترجمة خاصة الأحد, 04 مايو, 2025 - 02:03 مساءً
اليمن: مقتل العشرات في غارة أمريكية استهدفت مركز احتجاز مزعوماً في اليمن، وفقاً لمشاهد مصوّرة

[ AFP ]

أفادت تقارير بأن غارة جوية أميركية نُفذت يوم الإثنين في اليمن أسفرت، على ما يبدو، عن مقتل عشرات من الأشخاص داخل مجمّع تديره جماعة الحوثي، والذي يقول باحثون في مجال حقوق الإنسان إنه استُخدم على مدى سنوات كمركز احتجاز، وأحياناً لأغراض عسكرية، وذلك وفقاً لصور لما بعد الغارة اطّلعت عليها صحيفة واشنطن بوست.

وتقول جماعة الحوثي إن الغارة الأميركية استهدفت سجناً يُحتجز فيه مهاجرون أفارقة، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 68 شخصاً، وإصابة العشرات. أما تحليل الصحيفة للصور المتاحة فقد أظهر وجود 38 جثة على الأقل و32 مصاباً، وهي أرقام يُرجّح أنها أقل من الحصيلة الفعلية نظراً لمحدودية المواد المصورة المتوفرة.
ولا تُظهر اللقطات أي مؤشرات واضحة على وجود معدات أو زيّ عسكري، كما لم تتضح هوية القتلى، وما إذا كانوا مدنيين. وقد تمكّن فريق الصحيفة من الوصول إلى صور لمبنى واحد فقط من بين المبنيَين اللذين دُمّرا في الغارة.
وكانت جماعة الحوثي قد استهدفت القوات الأميركية في البحر الأحمر، إلى جانب سفن تجارية ومواقع عسكرية إسرائيلية، في إطار احتجاجها على الحرب المتواصلة في غزة، والتي أودت بحياة آلاف المدنيين. وفي منتصف مارس/ آذار، شنّت حملة ترامب عمليةً عسكرية أُطلق عليها اسم "عملية رف رايدر " (Operation Rough Rider) استهدفت قيادات ومواقع تابعة للحوثيين.

و القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، لم تُعلن حتى الآن عن الهدف من الغارة الأخيرة، لكنها "على علم بادعاءات سقوط ضحايا مدنيين" وتقوم بتقييم تلك الادعاءات، بحسب مسؤول في وزارة الدفاع. وأكد الجيش الأميركي أن عملياته في اليمن تُنفذ استناداً إلى "معلومات استخبارية دقيقة وشاملة" بهدف تقليل المخاطر على المدنيين.
ولم يكن من الممكن التحقق بشكلٍ مستقل من طبيعة استخدام المجمّع الواقع في شمال غرب اليمن حالياً. وكانت الأمم المتحدة قد وصفت الموقع في السابق بأنه كان يضم ثكنة عسكرية، بينما خُصص في السنوات الأخيرة كمركز لاحتجاز المهاجرين. وأفاد أحد الباحثين في مجال حقوق الإنسان لصحيفة واشنطن بوست بأن استخدامه لأغراض عسكرية توقف قبل نحو عقد، بينما أشار باحث آخر إلى أن الحوثيين يستخدمونه حالياً لأغراض أخرى، و"المهاجرون ليسوا سوى واجهة".
ويرى محللون ومسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون، أن هذه الغارة تُضاف إلى أدلة متزايدة تشير إلى أن إدارة ترامب لا تُولي أولوية لتقليل الخسائر المدنية في حملتها الجوية المستمرة ضد الحوثيين. وكانت صحيفة واشنطن بوست قد أفادت بأن وزارة الدفاع الأميركية تتحرك لتفكيك الجهود الرامية إلى الحدّ من الأذى اللاحق بالمدنيين خلال العمليات العسكرية، بهدف تمكين القادة العسكريين من "التركيز أكثر على الفتك" أثناء تنفيذ الضربات.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين المطلعين على الحملة، مشترطاً عدم كشف هويته للحديث عن عمليات جارية: "هذه الضربة تحديداً، والحملة في اليمن عموماً، تكشف بوضوح عن مستوى أعلى من التساهل مع وقوع ضحايا مدنيين مقارنة بما شهده اليمن في السابق، بل وحتى مقارنة بالحروب ضد تنظيم داعش." كما أكّد أن الغارة التي وقعت يوم الإثنين نُفذت من قبل الولايات المتحدة.
وتُظهر مقاطع الفيديو مشاهد مروّعة للدمار. ففي أحد المقاطع، يُسمع رجل يقول للمصوّر وهو عالق بين كتل إسمنتية: "أنا أموت الآن." ويظهر عشرات الأشخاص وقد سُحقوا تحت الأنقاض، وأطرافهم بارزة من تحت الركام، وبعضهم قُطّعت أجسادهم بفعل الانفجار. وتشير التقديرات إلى أن هناك جثثاً أخرى لا تزال مدفونة أو في أجزاء من المبنى لا تظهر في الصور المتاحة.
و يواصل عمال الإغاثة البحث بين الأنقاض عن ناجين، وسط مراتب مبعثرة وملابس وأوانٍ بلاستيكية. وقد نُشرت مقاطع الفيديو والصور إما عبر قنوات تابعة للحوثيين أو من قبل صحفيين يخضعون لرقابة صارمة من الجماعة.
وتُظهر صور أقمار صناعية التُقطت بعد الغارة على أطراف مدينة صعدة الجنوبية الغربية دمار مبنيَين كبيرين داخل مجمّع مسوّر يُعرف باسم سجن احتجاز مدينة صعدة، يمتد على مساحة تُقدّر بـنحو 50 فداناً. ويتماثل المبنيان في التصميم، ويبلغ طول كلّ منهما نحو 120 قدماً، ويفصل بينهما طريق بطول يزيد قليلاً عن 500 قدم.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، استهدفت قوات سعودية مباني أخرى داخل المجمع نفسه، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 91 محتجزاً وإصابة 236 آخرين، وفقاً لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقالت المنظمة إن المجمّع كان يضم آنذاك نحو 1,300 محتجز قيد المحاكمة و700 مهاجر. وكانت تلك واحدة من أكثر الضربات دموية ضمن الحملة السعودية الطويلة ضد الحوثيين، والتي تلقت دعماً أميركياً كبيراً.
وعقب تلك الضربة، صرّح متحدث باسم الجيش السعودي أن الموقع كان "هدفاً مشروعاً" نظراً لاستخدامه من قبل الحوثيين لأغراض عسكرية.
وقال أحد الباحثين في مجال حقوق الإنسان في اليمن، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، إن الحوثيين استخدموا مركز الاحتجاز شمال غرب اليمن لأغراض عسكرية حتى عام 2015 أو 2016، حين تم تحويله إلى سجن. أما الباحث اليمني الآخر (عدنان الجبرني)، فوصف المجمع بأنه موقع مهم، مشيراً إلى أن كثيراً من تفاصيله لا تزال غير معروفة.
ومنذ عام 2018، يجري مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر زيارات دورية إلى مجمّع السجن، إلا أنهم رفضوا التعليق على أوضاعه الداخلية. وعقب زيارة ميدانية بعد الغارة السعودية، أفاد ممثلو الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقرير بأنهم لم يجدوا أي مؤشرات تدل على استخدام المجمع لأغراض عسكرية.
وقال (كريستوفر ليمون)، النائب السابق لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في إدارة بايدن، إن القصف السعودي خلّف "نتائج كارثية بحق المهاجرين الضعفاء الذين كانوا محتجزين لدى الحوثيين." وأضاف متحدثاً عن العمليات العسكرية الأميركية: "من غير المعقول أن الجيش لم يكن ليتوقع وجود خطر كبير على المدنيين."
وقد زار وفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) الموقع يوم الإثنين عقب الغارة، وأفادت اللجنة بأن فرقاً من جمعية الهلال الأحمر اليمني قامت بإجلاء المهاجرين الجرحى إلى مستشفيين قريبين.
وبحسب تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش عام 2023، فإن مسافرين من دول إفريقية يعبرون هذا الممر الصحراوي منذ عقود، ويُقدّر أن أكثر من 90% من المهاجرين المتجهين إلى السعودية ينحدرون من إثيوبيا. وقد اعتادت قوات الحوثيين احتجاز هؤلاء المهاجرين، تحت ضغوط متزايدة من السلطات السعودية لوقف الهجرة غير النظامية، ويتعرضون في كثير من الأحيان للتعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز احتجاز مثل الذي في صعدة، بحسب التقرير الحقوقي.
وقال (براين فينوكان)، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية الأميركية: "المهاجرون الأفارقة المحتجزون داخل سجن شمالي اليمن ليسوا هدفاً عسكرياً مشروعاً." وأشار إلى أن الجيش الأميركي لم يُعلن حتى الآن بشكل علني عن الهدف من الغارة أو ما إذا كانت ناتجة عن خطأ.
وقد شهدت الأسابيع التي تلت انطلاق الحملة تصاعداً حاداً في أعداد الضحايا المدنيين في اليمن. ووفقاً لمنظمة إيروورز  البريطانية، فقد قُدّر عدد القتلى المدنيين اليمنيين جراء الغارات الأميركية في مارس/آذار بين 27 و56 قتيلاً. كما قدّر مشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project) أن ما لا يقل عن 97 غارة في الشهر ذاته أسفرت عن مقتل 28 شخصاً وإصابة 66 آخرين. وتُشير التقديرات إلى أن حصيلة الضحايا في أبريل/نيسان كانت أعلى بكثير.
وفي 18 أبريل/ نيسان، أفادت جماعة الحوثي بأن أكثر من 70 شخصاً قُتلوا في غارة جوية استهدفت ميناء نفطي خاضع لسيطرتهم، بحسب ما نقلته واشنطن بوست.

عقب غارة يوم الإثنين، بثّت قناة "المَسيرة" التابعة للحوثيين مقطع فيديو يُظهر بقايا ذخائر وحُفرتين على الأقل في الموقع الذي كان يشغله المبنى المستهدف. وقال (تريفور بول)، وهو فني سابق في وحدة تفكيك الذخائر بالجيش الأميركي، إن الأدلة البصرية تشير إلى استخدام عدة قنابل موجهة أميركية الصنع من طراز GBU-39. وتُعرف هذه الذخائر بأنها دقيقة التوجيه وصغيرة الحجم نسبياً، ما يُفترض أن يقلل من المخاطر على المدنيين.
وأضاف بول أنه لا تظهر أي مؤشرات واضحة في الصور على أن المبنى المتضرر كان يُستخدم لأغراض عسكرية، مشيراً إلى أن أساسات المبنى كانت من الخرسانة العادية، وأن داخله بدا وكأنه مخصص للنوم أو الإيواء.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (شون بارنيل)، يوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة نفّذت ألف غارة، أي بمعدل نحو 23 هدفاً يومياً، منذ 15 مارس/آذار. وقد أثار هذا المعدل تساؤلات لدى بعض الخبراء بشأن مدى قدرة القادة والمحللين على تقييم الأهداف بدقة وكفاءة.
و قال تريفور بول: "لقد نفذوا بالفعل عدداً من الضربات المشكوك في مشروعيتها، ومع وتيرة العمليات الحالية، فإن احتمالية وقوع الأخطاء أو اتخاذ طرق مختصرة ستزداد حتماً."
وكان نواب ديمقراطيون قد أعربوا الأسبوع الماضي عن قلقهم الشديد مما وصفوه بـ"الاستخفاف الخطير الظاهر بأرواح الأبرياء"، وذلك في أعقاب تقارير عن سقوط ضحايا في غارات أخرى.

الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

https://www.washingtonpost.com/investigations/2025/05/04/us-yemen-strike-migrant-detention/


التعليقات