تحليل: لا، إيران لم تتخلَّ عن الحوثيين. هي فقط تريد من ترامب أن يظن ذلك
يمن فيوتشر - المجلس الأطلسي- فاطمة ابو الاسرار- ترجمة خاصة: السبت, 12 أبريل, 2025 - 03:01 مساءً
تحليل: لا، إيران لم تتخلَّ عن الحوثيين. هي فقط تريد من ترامب أن يظن ذلك

إذا شعرت بالارتباك من مقال Telegraph الذي يتحدث عن "تخلي" إيران عن الحوثيين، فأنت لست وحدك. هذه السردية تمثل بالضبط نوع الغموض الاستراتيجي الذي تعتمد عليه إيران منذ فترة طويلة، حيث تثير التكهنات بينما تخفي نواياها. لكن هذه اللحظة لا تتعلق فقط بالمعلومات المضللة، بل بالإشارات المقصودة. فالمصدر الرسمي المجهول الذي سرّب العنوان يبدو وكأنه يعرض تصورًا لضبط النفس، لا لتغيير الحقائق على الأرض، بل لشراء الوقت، واختبار ردود الفعل، وتشكيل كيفية قراءة تلك الحقائق في واشنطن والرياض وما بعدهما.

ورغم أن إيران ربما أعادت تموضع بعض الأفراد كما ذكرت Telegraph، إلا أنه لا يوجد دليل موثوق على سحب الدعم عن الحوثيين أو "تخلٍ" كامل عنهم. لا تزال طهران تحتفظ بسفيرها في صنعاء الذي يقدم المشورة للحوثيين وتحافظ على وجود عملياتي سري كبير من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. علاوة على ذلك، لا يزال الجنرال عبد الرضا شهلائي، أحد كبار قادة فيلق القدس النشطين في اليمن منذ 2011–2012، عضوًا في المجلس الجهادي للحوثيين. ويُعتقد أن وجود الحرس الثوري في اليمن مرتبط بما يُعرف بـ"فرع 6000"، الذي يشرف على العمليات في شبه الجزيرة العربية.
رواية "التخلي" ليست تشويهاً منعزلاً. في العراق، تشير تقارير رويترز الأخيرة إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران قد تنزع سلاحها، لكنها تفكر في "تحويل الجماعات إلى أحزاب سياسية ودمجها في القوات المسلحة العراقية" — أي ترسيخ نفوذها بدلاً من تقليصه. وهذا جزء من نمط أوسع من الإنكار المعقول الذي أتقنته إيران في جميع أنحاء المنطقة. ففي سوريا، سُمّي وجودها "استشاريًا" بينما كانت تبني قواعد عسكرية راسخة. أما في العراق، فقد طمست الحدود بين الدولة والميليشيا. وفي اليمن، لم تعد إيران بحاجة للدفاع عن دورها؛ فآخرون يقومون بذلك عنها.
السردية التي روّج لها المصدر المجهول تبدو وكأنها تسريب لاختبار ردود الفعل، وتهدف لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تقديم نصر رمزي للإدارة الأمريكية، منح إيران مساحة للمناورة من أجل تخفيف العقوبات وتحقيق طموحاتها النووية دون تقديم تنازلات، وإرسال رسالة للمراقبين الدوليين بأنها قادرة على ضبط النفس. لا يتعلق الأمر بالاعتراف بالهزيمة أو التخلي عن الوكلاء، بل هو مجرد "دبلوماسية عبر العناوين الصحفية".

 

العلاقة بين الحوثيين وإيران
عندما تم سؤال أحد كبار مسؤولي الحوثيين عن تقرير Telegraph، سخر من فكرة أن إيران نشرت أفرادًا في اليمن من الأساس. وزير الخارجية الحوثي جمال عامر صرّح صراحةً لـرويترز بأن "إيران لا تتدخل في قراراتنا، وإنما تتوسط أحيانًا". لم يتم ذكر أي انسحاب إيراني، بل تأكيد على الاستمرار في الانخراط ضمن محور المقاومة. وبالنسبة للحوثيين، فإن الاعتراف بالاعتماد على إيران يعني إظهار الضعف، أما إنكار ذلك فيعزز وهمًا يخدم الطرفين.
ومن المفارقات أن طهران طالما زعمت أنها لا تلعب دورًا مباشرًا في اليمن، وهي مزاعم يصعب تصديقها نظرًا لتسليح الحوثيين وتدريبهم وخطابهم المتناسق مع إيران. ففي مارس الماضي، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي أن الحوثيين يتصرفون باستقلالية، بينما رحّب بهم كأعضاء محوريين في "محور المقاومة". ومع تعمّد إيران التعتيم على سيطرتها وتنسيقها العملياتي، أصبح وضع الحوثيين كـ"وكلاء" اختبارًا سياسيًا يكشف تحيّزات المراقبين أكثر مما يكشف الواقع. هذا الغموض المحسوب هو جزء أساسي من استراتيجية إيران الإقليمية.
ومن أكثر الروايات استمرارًا في العلاقة بين اليمن وإيران، هي الادعاء بأن طهران تحاول "كبح جماح" الحوثيين. هذه السردية المتكررة في دوائر غربية تصور الحوثيين كمندفعين أو غير منضبطين، وكأنهم يتصرفون خلافًا لنصيحة إيران. رغم عدم وجود دليل يدعم ذلك، إلا أن هذه الرواية مفيدة جدًا، إذ تبني أسطورة استقلال الحوثيين بينما تحجب دور إيران الحقيقي.

 

"نصر" لترامب؟ مخاطر تفسير الإشارات الاستراتيجية بشكل خاطئ
يبدو أن نهج ترامب قد ولّد حسابات جديدة في طهران. فبعد أن أمر الرئيس الأمريكي بـ"عمل عسكري حاسم وقوي" ضد أهداف حوثية في اليمن في مارس 2025، محذرًا من أن "الجحيم سينهمر" إذا استمرت الهجمات، رد المسؤولون الإيرانيون بمزيجهم المعتاد من التحدي والحذر. هذه اللهجة التصعيدية، مع النهج الأمريكي الأكثر عدوانية الذي يستهدف مجموعة أوسع من الأصول والكوادر الحوثية، شكّلت ضغطًا استراتيجيًا تواجه إيران صعوبة في مواجهته.
بينما تحافظ طهران علنًا على موقف متحدٍ، فإن أي محاولة لسحب عناصر من الحرس الثوري من اليمن تعني ببساطة عدم رغبتها في تعريض أصولها عالية القيمة للنيران الأمريكية.
وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية تصوّر ترامب كشخص مندفع، يفتقر إلى الفهم العسكري والسياسي، ويتدخل بشكل متهور بدافع الغرور واليأس. وبالتالي، فإن سردية "التخلي" تقدم له انتصارًا رمزيًا مغلفًا، مما قد يقلل من الضغوط على طهران ووكلائها. لكن الزعم بأن إيران تخلّت عن الحوثيين من دون أن تكبحهم، يفضح زيف موقفها. فقد صرّح ترامب أنه سيحمّل إيران مسؤولية "كل رصاصة يطلقها الحوثيون"، مما يجعل مجرد الانسحاب بلا معنى. الانفصال الحقيقي يتطلب من إيران وقف هجمات الحوثيين، لكن ما تريده طهران هو رصيد ضبط النفس، مع السماح لوكيلها بالاستمرار. لا يمكنها أن تحصل على الأمرين معًا.
ورغم هذا التناقض المنطقي، فقد انتشرت حملة التضليل في وسائل الإعلام، حيث كرر كثيرون رواية "التخلي" دون تمحيص، بينما لا تزال إيران تقدم الدعم التشغيلي لقوات الحوثيين.

 

التحالف الوكالاتي الجديد: روسيا، الصين، وإيران
رغم الحديث المكثف عن انسحاب طهران، من المهم فهم ما يملأ الفراغ الظاهري. فالتأثير الروسي والصيني المتزايد يمنح الحوثيين قنوات دعم بديلة تُكمل ولا تستبدل دعم إيران. تشير التقارير إلى زيادة التعاون مع موسكو، بما في ذلك مستشارين عسكريين روس في صنعاء.
أما الصين، صاحبة المصالح الاقتصادية في البحر الأحمر من خلال "مبادرة الحزام والطريق"، فتتبنى موقفًا دبلوماسيًا متوازنًا، تدعو لخفض التصعيد وتتموضع كوسيط. هذه العلاقات لا تعني تحوّل الحوثيين عن إيران، بل تعكس استراتيجية تنويع، مما يجعل شبكة دعمهم أكثر تعقيدًا وصعوبة في تفكيكها أمريكيًا.
بدلًا من تصور هذا كتنافس صفري بين طهران وموسكو وبكين، يمكننا النظر إليه كدعم تكاملي: إيران توفر التماسك الأيديولوجي والدعم الإعلامي والدور القيادي؛ روسيا تقدم الخبرة العسكرية والغطاء الدبلوماسي؛ والصين تضيف العمق الاقتصادي والشرعية الدولية.
ويتجلى هذا التكامل في تدفق المواد نحو الحوثيين. ففي مارس 2025، اعترضت السلطات اليمنية 800 مروحة طائرة مسيّرة صينية كانت متجهة للحوثيين عبر منفذ صرفيت الحدودي مع عُمان، وهو مسار استغلّه الحرس الثوري الإيراني منذ بداية الحرب. وفي أغسطس 2024، تم ضبط خلايا وقود هيدروجيني صينية الصنع تتيح للطائرات المسيّرة التحليق لمسافات أطول وبدقة أعلى، مما قد يضاعف قدرة الحوثيين على تنفيذ هجمات لمسافات تزيد عن 100 ميل.
وفي الوقت ذاته، حصلت الصين وروسيا بهدوء على ممر آمن في البحر الأحمر، وهو امتياز لا تناله معظم الدول التي تظل سفنها معرضة لهجمات الحوثيين.
ولعل الأكثر دلالة، هو أن شخصيات مؤثرة روسية وصينية موالية للحكومات ظهرت في صنعاء في 22 مارس 2025 لحضور مؤتمر تضامني مع فلسطين بدعوة من الحوثيين. لم تكن مشاركتهم مصادفة، بل كانت إشارة مدروسة إلى اصطفاف دبلوماسي متزايد بين هذه القوى.

 

وماذا بعد؟
في هذه الأثناء، يظل الغموض الاستراتيجي الإيراني وسيلة لإخفاء القلق المتزايد من لا يمكن التنبؤ به في تصرفات ترامب وعدائه المعلن للنظام. فعندما ضربت القوات الأمريكية مواقع حوثية في مارس، أصدر قائد الحرس الثوري سلامي تصريحات متضاربة، مهددًا بـ"رد حاسم ومدمر" بينما نفى أي سيطرة على الحوثيين. كالعادة، يعكس هذا كيف تُظهر إيران القوة خطابياً بينما تتجنب أي مواجهة مباشرة قد تهدد بقاء النظام.
وقد أصبح هذا التوازن الدقيق أكثر صعوبة، مع انهيار استراتيجية المنطقة الرمادية الإيرانية بفعل مشاكلها الاقتصادية وانهيار حلفائها مثل حزب الله وحماس. فإيران لا تستطيع مواجهة مباشرة مع واشنطن، ولا تستطيع التخلي عن وكلائها دون فقدان ماء الوجه. وتمنحها سردية "التخلي" مخرجًا يحفظ ماء الوجه، وكأنها تستجيب للضغط الأمريكي بينما تحافظ على أصولها الاستراتيجية الأكثر أهمية.
وبالنسبة لواشنطن، من الصعب تحجيم إيران من دون التورط في مخاطر قد تصيب المنطقة بأكملها. فمبدأ الرئيس الأسبق رونالد ريغان في التصدي للنفوذ المعادي من خلال الحضور الدائم وبناء التحالفات، تآكل منذ زمن. وعلى الرغم من موقف إدارة ترامب الصارم تجاه إيران عبر الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2015، وحملة "الضغط الأقصى"، إلا أن طهران استغلت التغييرات بين الإدارات لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وكلاء مثل الحوثيين الذين باتوا يسيطرون فعليًا على نقاط بحرية استراتيجية ويهددون الملاحة العالمية دون عواقب تُذكر.
بدلاً من فهم التحول السردي الإيراني كقطيعة، يجب أن نراه كتناقض مصطنع، حاضر مشوّه يدعو إلى سوء الفهم بينما يحافظ على النفوذ. ما يبدو كضبط للنفس ليس إلا حلاً رمزيًا بدلًا من تغيير استراتيجي.
هذه ليست عملية انسحاب. إنها قصة محسوبة – وتنجح حتى الآن.

 

لقراءة المادة من موقعها الاصلي: 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/no-iran-didnt-abandon-the-houthis-it-just-wants-trump-to-think-so/


التعليقات