تحقيق: الوفيات في معتقلات الحوثيين تثير تساؤلات ملحّة حول العمل الإغاثي في اليمن
يمن فيوتشر - ذا نيو هيومانتيرين- جاكوب جولدبيرغ- ترجمة خاصة: الاربعاء, 12 مارس, 2025 - 02:51 صباحاً
تحقيق: الوفيات في معتقلات الحوثيين تثير تساؤلات ملحّة حول العمل الإغاثي في اليمن

في أواخر أغسطس/ آب 2023، أبلغ (هشام الحكيمي)، مدير الأمن والسلامة في منظمة "أنقذوا الأطفال" في اليمن، زملاءه بأنه يواجه خطر الاعتقال.
وفي أوائل سبتمبر/ أيلول، قامت جماعة الحوثيين -المعروفة باسم أنصار الله، والتي تسيطر على معظم شمال اليمن- باعتقاله في العاصمة صنعاء ونقلته إلى مكان غير معلوم. وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت منظمة "أنقذوا الأطفال" وفاته أثناء احتجازه، عن عمر ناهز 44 عامًا، ووصفت المنظمة وفاته بأنها "غامضة"، مطالبةً بإجراء تحقيق.
وبعد مرور أكثر من 16 شهرًا، لم تصدر المنظمة ولا الحوثيون أي تفسيراتٍ رسمية بشأن اعتقال الحكيمي أو ملابسات وفاته. ومع تزايد الاعتقالات وحالة وفاة أخرى لأحد العاملين في المجال الإنساني أثناء الاحتجاز، ازدادت حِدة التساؤلات الملحّة والخيارات الصعبة التي تواجه القطاع الإنساني والجهات العاملة في اليمن.
تحاول "ذا نيو هيومانيترين" تجميع الأحداث التي سبقت اعتقال الحكيمي وخلال فترة احتجازه وبعد وفاته. فهل يمكن استخلاص أي دروس مما حدث لهذا المسؤول البارز في منظمة "أنقذوا الأطفال"؟

لا تزال الأسباب وراء استهداف الحوثيين لهشام الحكيمي غير واضحة، ولم تطّلع ذا نيو هيومانيترين على أي دليل يُشير إلى مسؤولية أي جهة غير محتجزيه عن وفاته. ومع ذلك، تكشف مقابلات مع موظفين حاليين وسابقين في منظمة أنقذوا الأطفال، بالإضافة إلى وثائق داخلية، أن عمليات المنظمة في اليمن واجهت مشكلاتٍ داخلية خطيرة قبل وأثناء وبعد اعتقاله. فقد تكون النزاعات في بيئة العمل ونظام الإبلاغ غير المجهز لمتابعة شكاوى الموظفين قد جعلتا المكتب القطري أكثر عرضة لتدخل جماعة مسلحة قوية لها سجل في الاعتقالات التعسفية.
و أظهرت تحقيقاتٍ داخلية أجرتها منظمة أنقذوا الأطفال أن الموظفين أثاروا "مخاوف متعددة" بشأن المكتب القطري في اليمن لعدة أشهر قبل وبعد اعتقال الحكيمي، لكن المنظمة أقرت بأن "آليات إدارة الحوادث فشلت"، ولم يتم الالتزام بـ"إجراءات إدارة المخاطر"، وذلك وفقًا لملخص من ثلاث صفحات اطّلعت عليه ذا نيو هيومانيترين.
وجاء في الملخص: "بشكلٍ عام، تبين أن هناك إخفاقات جوهرية في القيادة والعمليات والمساءلة، وهي أمور يجب علينا معالجتها على وجه السرعة".
و منذ وفاة الحكيمي، صعّد الحوثيون حملتهم ضد العاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني. ففي يونيو/ حزيران 2024، اعتقلوا أكثر من 50 شخصًا، بينهم 13 من موظفي الأمم المتحدة، ثم أوقفوا ثمانية آخرين من موظفي الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني من هذا العام. ولا يزال العديد من المعتقلين في طي المجهول دون تواصل مع العالم الخارجي، بينما تم الإفراج عن ثلاثة على الأقل. وفي أوائل فبراير/ شباط، توفي أحد موظفي الأمم المتحدة أثناء احتجازه.

هذه المآسي وضعت قطاع المساعدات في مأزق مزدوج. فبينما يطالب بعض أقارب المحتجزين وبعض الخبراء في الشأن اليمني قادة المنظمات الإنسانية بفرض خطوط حمراء أكثر صرامة ضد تدخل الحوثيين في العمل الإنساني، بما في ذلك اعتقال العاملين في مجال الإغاثة، فإن إثارة غضب الحوثيين قد تؤدي إلى مزيد من الاعتقالات أو فقدان الوصول إلى المجتمعات المحتاجة، والتي تستعد الآن لمواجهة تداعيات خفض المساعدات الذي أعلنه الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب).
و في إطار هذا التحقيق، أجرت منظمة ذا نيو هيومانيترين مقابلات مع خمسة خبراء في الشأن اليمني، بالإضافة إلى أقارب ثلاثة من العاملين في الإغاثة المحتجزين حاليًا. وأجمع جميعهم على أن المنظمات الإنسانية قد سمحت بتدخل الحوثيين في عملها لفترة طويلة، مما أدى إلى تقويض المبادئ الإنسانية والتخلي عن النفوذ اللازم لردع اعتقال الموظفين.
وقالت (نيكو جفارنيا)، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش المتخصصة في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن والبحرين:
"المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في اليمن، لا يقوم بما يكفي للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين."
وأضافت:
"العديد من هذه المنظمات استمرت في العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين دون اتخاذ تدابير كافية لحماية الموظفين غير المعتقلين. و ينبغي عليها ممارسة المزيد من الضغوط على الحوثيين للإفراج عن الموظفين المحتجزين وإنهاء ممارسات أخرى، مثل تحويل المساعدات، التي استمرت لسنوات."
و من جهتهم، انتقد أقارب المحتجزين الثلاثة، الذين تحدثوا إلى ذا نيو هيومانتيرين، ما وصفوه بالاستجابة الفاترة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية تجاه هذه الاعتقالات، معربين عن أملهم في أن تدفع التغطية الإعلامية هذه المنظمات لاتخاذ إجراءات أقوى نيابة عن المحتجزين.


• الاحتجاز وتحويل المساعدات
وثّقت منظمات حقوقية يمنية مئات الحالات من الاعتقال التعسفي الذي مارسه الحوثيون منذ سيطرتهم على صنعاء في أواخر عام 2014. واستهدفت هذه الاعتقالات معارضيهم السياسيين المفترضين، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والأقليات الدينية، حيث يديرون شبكة من مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، التي يُمارس فيها التعذيب بشكلٍ واسع.
وقد احتُجز بعض المعتقلين للمطالبة بفدية مالية أو لاستخدامهم كورقة ضغط في عمليات تبادل الأسرى مع الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي تسيطر على معظم جنوب اليمن من مقرها في عدن وخارج البلاد. و في عام 2021، اعتقل الحوثيون نحو 20 من الموظفين السابقين في السفارة الأمريكية في صنعاء، والتي أغلقت عملياتها عام 2014. وقد تم الإفراج عن بعضهم لاحقًا.
و يخوض الحوثيون حربًا أهلية ضد الحكومة اليمنية وحلفائها منذ عام 2015، حيث دعمت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات الفصائل المناهضة للحوثيين عبر الضربات الجوية والقوات البرية، إضافةً إلى الدعم المالي في المراحل الأولى من الصراع. إلا أن هذا الدعم تراجع بشكلٍ كبير مع مرور السنوات. وعلى الرغم من الاعتقاد الكبير بأن إيران قدمت للحوثيين أسلحة وتدريبًا ودعمًا آخر، فإن طهران نفت معظم هذه الاتهامات.
وقد ظلت خطوط المواجهة في اليمن مستقرة إلى حد كبير منذ عام 2022، رغم توقيع وخرق اتفاق هدنة في ذلك العام. ولم تحقق مفاوضات السلام نجاحًا يذكر. وأدى استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية المصاحبة لها إلى تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، الذي كان بالفعل من أفقر دول المنطقة قبل عام 2015. ومع تزايد الاحتياجات الإنسانية، تدفقت مليارات الدولارات إلى البلاد عبر نداءات الإغاثة التي تنسقها الأمم المتحدة.
و يتم تحويل جزء من هذه المساعدات بشكلٍ منتظم إلى خزائن الحوثيين. كما وُجهت اتهامات للحكومة المعترف بها دوليًا بتحويل المساعدات، لكن على نطاق أصغر.
و كشفت تقارير صحفية عن حالات قامت فيها وكالات تابعة للأمم المتحدة بدفع رواتب لمسؤولين حوثيين. كما قام الحوثيون ببيع المساعدات الغذائية في السوق السوداء، واستخدموها للضغط على العائلات من أجل إرسال أبنائها للقتال.
ورغم تباطؤ القتال في  الجبهات، فإن استغلال الحوثيين للمساعدات أصبح "أكثر شمولًا، واستهدافهم للعاملين في المجال الإنساني أكثر تطرفًا"، وفقًا لدراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث يركز على الشأن اليمني.
(سارة فويلستيك) -منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في غزة، والتي شغلت منصب منسقة الوصول في برنامج الأغذية العالمي (WFP) في اليمن عام 2019، ولها خبرة في أفغانستان وجنوب السودان- قالت إن الحوثيين يفرضون قيودًا على قدرة وكالات الإغاثة على التنقل داخل المناطق التي يسيطرون عليها، وإجراء تقييمات مستقلة للاحتياجات، ومراقبة تنفيذ برامجها.
كما تواجه منظمات الإغاثة ضغوطًا لاستخدام الوزارات التابعة للحوثيين كشركاء منفذين. ففي عام 2019، كانت وزارة التعليم الحوثية هي الشريك الرئيسي لبرنامج الأغذية العالمي في توزيع المساعدات الغذائية، لكنها لم تكشف عن مواقع توزيع المساعدات ومنعت البرنامج من مراقبة تنفيذ برامج التغذية، وفقًا لما صرحت به فويلستيك لـ ذا نيو هيومانتيرين.
و قالت سارة فويلستيك:
"لم نتمكن أبدًا من مراقبة عملية توزيع الغذاء فعليًا، كان الأمر أشبه بثقب أسود. ففي كل مرة كنا نصل إلى خط أحمر لم نكن لنقبله في أي سياق آخر، ثم نتجاوزه دون أي رد فعل، لقد أصبح ذلك سابقة مستمرة."
وأكد متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي (WFP) أن البرنامج يستخدم حاليًا وزارة الصحة التابعة للحوثيين كشريك منفذ.
وقد تم اعتقال عدة أشخاص قيل إنهم رفضوا الانصياع لأساليب الحوثيين في تحويل المساعدات. ففي عام 2023، اعتقل الحوثيون (عدنان الحرازي)، الذي كان يدير شركة لمراقبة برامج الإغاثة لصالح عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة. وفي يونيو/ حزيران من العام نفسه، وهو الشهر الذي شهد اعتقالاتٍ جماعية طالت عاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني، صدر بحقه حكم بالإعدام. واعتبارًا من يناير/ كانون الثانوي 2025، كان الحرازي يطعن في الحكم أمام محكمة الاستئناف.
وقال (محمد الباشا)، مؤسس Basha Report، وهي شركة استشارية أمريكية متخصصة في تقييم المخاطر في الشرق الأوسط:
"هذه الاعتقالات وإغلاق المكاتب تبعث برسالة واضحة: أي شخص له صلة بجهة أجنبية يواجه خطر الاعتقال، أو مصادرة الأصول، أو حتى عقوبة الإعدام."
وأضاف:
"على المجتمع الدولي أن يدرك أن الحوثيين على الأرجح يعتبرون العاملين المحتجزين في مجال الإغاثة بمثابة أوراق مساومة."
وبحسب (نيكو جفارنيا)، فإن الحوثيين لا يوسّعون سيطرتهم على قطاع المساعدات فحسب، بل يعززون نفوذهم في قطاعات أخرى منذ أواخر عام 2023، مستغلين الدعم الإقليمي الواسع الذي حصلوا عليه جراء استهدافهم للملاحة في البحر الأحمر تحت ذريعة الردع ضد جرائم إسرائيل في غزة.
وقالت جفارنيا:
"هناك عدد كبير من الاعتقالات الجارية حاليًا في العديد من القطاعات -مثل الاتصالات، والتعليم، والصناعات الدوائية- بالإضافة إلى الشركات المربحة الأخرى. و الحوثيون يحاولون فرض موجة جديدة من السيطرة."


• بيئة معادية
في الأيام التي سبقت اعتقال الحكيمي، كان مكتب منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children) في اليمن يواجه اتهامات بتحويل المساعدات. و لم يتم إثبات هذه الاتهامات، ولا يوجد دليل على أن لها صلة باعتقاله.
و يستند هذا السرد للأحداث إلى مقابلات مع مسؤول سابق رفيع المستوى في منظمة أنقذوا الأطفال لديه معرفة مباشرة برد فعل المنظمة على اعتقال الحكيمي. وقد أكد ستة موظفين آخرين، حاليون وسابقون، أجزاء مختلفة من هذه الرواية، لكنهم تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لتجنب أي تبعاتٍ مهنية.
و لمدة عام تقريبًا قبل اعتقال الحكيمي، تعرض مدير مكتب اليمن في أنقذوا الأطفال آنذاك لحملة تنمر إلكتروني من قبل مهاجمين مجهولين. حيث طلب المدير السابق عدم ذكر اسمه خوفًا من مزيد من المضايقات، ورفض الإدلاء بأي تصريحات لهذه المقالة.
و في عام 2022، حاول هذا المدير تنفيذ سياسة تحد من توظيف أقارب العاملين في المكتب نفسه. و أثارت الخطة استياء بعض الموظفين، وتم التخلي عنها في النهاية.
لكن الهجمات الإلكترونية استمرت، متهمةً المدير بالترويج للمثلية في اليمن، والسعي لاستبدال الموظفين اليمنيين بأجانب، وتحويل المساعدات إلى الحوثيين.

وثّق المكتب الإقليمي لمنظمة أنقذوا الأطفال الدولية في الأردن المنشورات التي استهدفت مدير مكتب اليمن، لكنه لم يتمكن من تحديد هوية منفذي الهجمات.
وقال مسؤول سابق رفيع المستوى في المنظمة:
"من الواضح أن المدير كان مستهدفًا. فقد كانت بيئة معادية إلى حد ما."
و بعد بضعة أشهر من عام 2023، أرسل المكتب الإقليمي لمنظمة أنقذوا الأطفال اثنين من الموظفين لمراقبة المشكلات المتفاقمة في مكتب اليمن. وقال المسؤول السابق:
"عادا بتقرير شديد الإدانة حول عمليات مكتب اليمن."
وأكد موظف آخر أن الزملاء الذين زاروا المكتب وصفوه بأنه "يعاني من خللٍ وظيفي كبير". وأضاف:
"عندما وقعت مأساة هشام، قال لي العديد من الموظفين إن هذا بالضبط ما حذرت منه البعثة القادمة من المكتب الإقليمي."
وبحسب المسؤول السابق، بدا أن الحكيمي ومدير المكتب كانا على علاقة جيدة، لكن ذلك لم يكن سوى واجهة زائفة، وانفجرت التوترات في النهاية.
و في يوليو/ تموز أو أغسطس/ آب 2023، نُشرت منشورات مجهولة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم مدير المكتب بتحويل المساعدات بطرق مختلفة، بما في ذلك منح مركبة تابعة لمنظمة أنقذوا الأطفال للحوثيين، وفقًا للمسؤول السابق. لم تتمكن ذا نيو هيومانتيرين من التحقق من صحة المنشورات المزعومة، ولا يوجد أي دليل على تورط مدير المكتب في أي أنشطة غير قانونية.
و أطلقت هذه المنشورات سلسلة سريعة من الأحداث انتهت باعتقال الحكيمي، لكن بما أن الحوثيين لم يوضحوا سبب اعتقاله، فلا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الأحداث مرتبطة ببعضها.
و بعد فترة وجيزة من نشر المنشورات، حضر مدير المكتب، برفقة عدد من ضباط الارتباط في منظمة أنقذوا الأطفال، اجتماعًا مع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA)، وهو الهيئة الحوثية لتنظيم المساعدات التي تم حلّها لاحقًا. وخلال الاجتماع، طالب المسؤولون الحوثيون بمعرفة من كان وراء المنشورات، وطلبوا من ضباط الارتباط مغادرة القاعة لفترة من الاجتماع.
و أثار هذا الاجتماع شكوكًا بين ضباط الارتباط بأن مدير المكتب ربما ألقى باللوم على زملاء محددين فيما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن وفقًا للمسؤول السابق، أنكر المدير أنه قدّم أي أسماء للسلطات.
و شارك ضباط الارتباط هذه الشكوك مع الحكيمي، الذي قام بعد ذلك بتقديم سلسلة من التقارير -عبر البريد الإلكتروني ومنصة Datix الداخلية لمنظمة أنقذوا الأطفال والمخصصة للإبلاغ عن الاحتيال والحوادث الأخرى- معربًا لزملائه في الأردن عن مخاوفه من احتمال اعتقاله.
وبحسب المسؤول السابق، اتهم الحكيمي مدير المكتب بأنه ألقى باللوم عليه وعلى فريقه في المنشورات. وأضاف:
"في تقرير هشام، ذكر بوضوح أنه شعر بأن تصرفات المدير كانت تعرضه للخطر."
وفي غضون أيام قليلة، قام مدير المكتب بتقديم تقرير خاص به، اتهم فيه بعض زملائه بتدبير الحملة الإلكترونية ضده. وقال المسؤول السابق إن التقرير كان يشير بوضوح إلى الحكيمي وفريقه.
و أكدت (بيليندا غولدسميث)، مديرة وحدة الإعلام العالمي في أنقذوا الأطفال، أن الحكيمي أبلغ زملاءه الإقليميين بأنه يشعر بالخطر قبل اعتقاله.
وقالت غولدسميث في تصريح لـ  ذا نيو هيومانترين أواخر عام 2023:
"كانوا على تواصل مستمر معه لإيجاد أفضل طريقة للتعامل مع الوضع"، مشيرة إلى أن "إمكانية نقله إلى مكان آخر كانت من بين الخيارات المطروحة."
لكن الحكيمي رفض مغادرة صنعاء. وقال المسؤول السابق:
"لو غادر، فسيبدو وكأنه هارب من شيء ما، وهذا سيجعله يبدو مذنبًا. لم يكن بإمكانه العودة إلى منزله أبدًا."

قال (رياض الدبعي)، الناشط اليمني في مجال حقوق الإنسان والمقيم في هولندا، إنه تلقى أيضًا مكالمة هاتفية من الحكيمي في أواخر أغسطس/ آب 2023.
وصرّح الدبعي:
"قال لي إن بيئة العمل أصبحت سامة للغاية لدرجة أنه أصبح من الصعب عليه الاستمرار. وأوضح أنه كان يشعر بالتهديد، لكنه لم يتمكن من المغادرة لأنه لن يجد وظيفة مماثلة، كما قال إن كونه لاجئًا لم يكن خيارًا متاحًا له. طلب مني أن أدعو له لأنه لم يكن يعرف ما الذي يجب عليه فعله."
وبحسب المسؤول السابق في أنقذوا الأطفال، فإن مدير المكتب رفض أيضًا مغادرة اليمن، مشيرًا إلى أنه يريد البقاء بدافع المسؤولية تجاه فريقه.
و في النصف الأول من عام 2024، أجرت أنقذوا الأطفال تحقيقاتٍ حول اعتقال الحكيمي ووفاته، وخلصت إلى أن "ثقافة عمل سلبية قد ترسخت" داخل مكتب اليمن، حيث لم يتم تعزيز قيم المنظمة بشكلٍ فعال، وفقًا لملخص التحقيق المكوّن من ثلاث صفحات. وأضاف التقرير:
"هذا جعل العديد من الموظفين يشعرون بالإحباط والتهميش."
كما كشف التحقيق عن "ثغرات في عملية الإبلاغ، خاصة فيما يتعلق باستخدام منصة Datix"، وتعهدت المنظمة بتعزيز آليات الإبلاغ عن المخالفات وتدريب الموظفين ليكونوا أكثر استعدادًا للتعامل مع مثل هذه المخاوف.
وأظهرت التحقيقات أن قيادات المكتب الإقليمي والمقر الرئيسي لم تمتثل بالكامل لبعض السياسات والإجراءات التنظيمية. ووفقًا لملخص التقرير:
"لم تتمكن القيادة عبر المنظمة من استيعاب تدهور الوضع في اليمن بالسرعة المطلوبة."


• ما بعد الاعتقال
في الأيام التي سبقت اعتقاله، عبّر الحكيمي بوضوح عن مخاوفه على سلامته في رسائل البريد الإلكتروني والتقارير التي أرسلها عبر منصة Datix إلى زملائه. ومع ذلك، حاول أن يبدو متماسكًا عند الحديث معهم.
وقال المسؤول السابق في أنقذوا الأطفال:
"ناقشنا هذا الأمر مع هشام بعمق، وكان متأكدًا تمامًا من أنه حتى لو تم اعتقاله، فسيكون ذلك لمدة ثلاثة أيام فقط، ثم سيتم الإفراج عنه، وكان يرى أن هذا أمر طبيعي."
لكن في 9 سبتمبر/ أيلول 2023، وخلال فترة راحته من العمل، تم اعتقاله في عملية مخططة شاركت فيها عدة جهات، وفقًا لضباط الارتباط. وقال المسؤول السابق:
"أعتقد أن الأمر كان على مستوى أعلى مما كان يتوقعه حتى هو نفسه."
و كان لهذا الاعتقال وقع صادم واستثنائي على مكتب صنعاء، نظرًا لأن الحكيمي، بصفته مدير الأمن والسلامة، كان هو المسؤول عن التعامل مع التهديدات الأمنية. وأوضح المسؤول السابق:
"إذا تم احتجاز شخص ما، فهو الشخص الذي كان سيتولى إخراج الجميع أو التفاوض من أجلهم. كان يتمتع بعلاقات واسعة جدًا."
و في غضون أيام، تمكن مدير المكتب وعدد من زملائه الإقليميين من تأمين اجتماع مع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA) للاستفسار عن وضع الحكيمي، ومكان احتجازه، وأسباب اعتقاله. لكن المسؤولين الحوثيين قدموا إجابات غامضة، مما زاد من حالة الارتباك بشأن ما إذا كان اعتقاله مرتبطًا بعمله أم بحياته الشخصية.
وقال المسؤول السابق:
"ما قالوه لنا هو أنه سيتم التحقيق معه بصفته عضوًا في أنقذوا الأطفال، ولكن أيضًا كمواطن عادي."
وأضاف أن الحوثيين لم يذكروا أي شيء عن مزاعم تحويل المساعدات أو أي معلومات قد يكون مدير المكتب قد زوّدهم بها.
و أصرّ المسؤولون الحوثيون على أن اعتقال الحكيمي تم وفق القانون، وأنه سيتم الإفراج عنه بعد بضعة أيام، لكنهم استهزأوا بمستوى القلق الذي أبدته المنظمة.
"في الواقع، كانوا يسخرون منا"، قال المسؤول السابق.

مرت عدة أيام دون الإفراج عن الحكيمي، مما دفع منظمة أنقذوا الأطفال إلى إجراء اتصال آخر مع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA). لكن السلطات لم تقدم أي معلومات جديدة، مما أوحى بأن الأزمة بحاجة إلى تصعيد لمستوى أعلى داخل المنظمة، وفقًا للمسؤول السابق في المنظمة.
لكن دور مدير المكتب في القضية انتهى فجأة. فبعد المكالمة الثانية مع السلطات الحوثية، غادر اليمن وتم إعفاؤه من منصبه بعد حوالي شهر واحد فقط من تلقي المنظمة إشعارًا بوفاة الحكيمي.
في أواخر عام 2023، أكدت بيليندا غولدسميث، مديرة وحدة الإعلام العالمي في أنقذوا الأطفال، أن المنظمة أقالت أحد الموظفين "كجزء من عدة تحقيقات جارية، بما في ذلك مراجعة داخلية حول مدى الالتزام بسياساتنا المتعلقة بسلامة الموظفين"، لكنها رفضت الإفصاح عن هوية الموظف المُقال.
لم تعثر ذا نيو هيومانتيرين على أي أدلة تثبت أن تصرفات مدير المكتب كانت سببًا في اعتقال الحكيمي، كما لم تجد أي صلة مؤكدة بين إقالته وقضية الحكيمي تحديدًا.
و وفقًا للمسؤول السابق في المنظمة، فإن مغادرة مدير المكتب زادت من تعقيد الأزمة داخل مكتب اليمن، حيث قال:
"كان المطلوب هو إنشاء فريق لإدارة الحوادث داخل المكتب القطري على الفور، لكن هذا لم يحدث."
وأضاف:
"مع خروج مدير المكتب هشام من الصورة، لم يكن هناك أي قيادة، ولم يتقدم أحد لتحمل مسؤولية إدارة الوضع على مستوى المكتب في اليمن. ببساطة، لم يكن لدى فريق مكتب اليمن أي قدرة على إدارة الأزمة."
غولدسميث لم ترد على أسئلة حول قدرة المنظمة على التعامل مع تداعيات اعتقال الحكيمي بعد مغادرة مدير المكتب.
و في ظل هذه الفوضى، تمكن ضباط الارتباط في المنظمة من تحديد مكان احتجاز الحكيمي، وإيصال حقيبة ملابس له. لكن المسؤول السابق أكد:
"لم يتمكنوا من رؤيته أبدًا."
و تم إبلاغ قيادة منظمة "أنقذوا الأطفال الدولية" بوفاة هشام الحكيمي في 24 أكتوبر/ تشرين الأول2023، وفقًا لرسالة بريد إلكتروني داخلية اطلعت عليها ذا نيو هيومانيترين.
طالبت المنظمة بتفسير من السلطات الحوثية، التي قدمت بعد ذلك بيانًا زعمت فيه أن الحكيمي اعتُقل بسبب أنشطة سبق أن تم تحذيره منها، لكنه تجاهل تلك التحذيرات. ومع ذلك، قال أحد كبار الموظفين السابقين: "لم يتم توضيح طبيعة هذه الأنشطة على الإطلاق."
و ربطت منظمات تنتقد الحوثيين بين عدة حالات احتجاز أواخر عام 2023 وبين مسؤول يُدعى (محمد الوشلي)، نائب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات التابع للحوثيين. وأفادت منظمة ميون لحقوق الإنسان بأن الوشلي أشرف على احتجاز الحكيمي. كما ذكرت وكالة خبر أن الوشلي كان مسؤولًا أيضًا عن اعتقال عدد من الخبراء في قطاع التعليم بعد أسابيع قليلة. وتوفي أحد هؤلاء الخبراء (صبري الحكيمي)، أثناء احتجازه في مارس/ آذار 2024. ولم يتضح ما إذا كان هناك صلة قرابة بينه وبين هشام.
و لم يرد المتحدث باسم الحوثيين (محمد عبد السلام) على الأسئلة المتعلقة بهذه الاعتقالات.
و لم تقدم ملخصات التحقيقات الداخلية لمنظمة أنقذوا الأطفال أي تفسير لسبب اعتقال الحكيمي أو ظروف وفاته.
وقالت بيليندا غولدسميث، مديرة وحدة الإعلام العالمي في المنظمة، لـ ذا نيو هيومانيترين في أوائل فبراير/ شباط 2025:
"رغم كل جهودنا لفهم ما حدث ولماذا، فإن التحديات في اليمن تعني أننا لن نتمكن أبدًا من معرفة التفاصيل الكاملة حول وفاة هشام."
ولم ترد غولدسميث على الأسئلة المتعلقة بالأحداث التي سبقت اعتقال الحكيمي، لكنها أكدت أن المنظمة اتخذت عدة إجراءات، من بينها:
- تعيين قيادة جديدة.

- تعزيز الحوكمة والرقابة في كل من اليمن والمنطقة الأوسع.

و من جانبها، قالت هيئة الجمعيات الخيرية لإنجلترا وويلز لـ ذا نيو هيومانيترين في أوائل فبراير/ شباط 2025، إنها تتواصل مع منظمة أنقذوا الأطفال الدولية بشأن قضية امتثال تتعلق بادعاءات حول عمليات مكتبها في اليمن.
ورفض المتحدث باسم الهيئة الإفصاح عما إذا كانت القضية تتعلق بوفاة الحكيمي تحديدًا.


• دعوات لاتخاذ إجراءات أقوى
في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت قيادة منظمة "أنقذوا الأطفال الدولية" عن وفاة هشام الحكيمي داخل المنظمة وللرأي العام، وقررت تعليق أنشطتها في شمال اليمن لمدة 10 أيام.
وقال حينها المدير الإقليمي (إيكين أوغوتوغولاري) في رسالة إلكترونية للموظفين:
"ليس لدينا أي معلومات حول ظروف وفاته أو مبررات احتجازه، ولذلك سنطالب بإجراء تحقيق. ومن باب احترام عائلة هشام وأصدقائه، أود أن أطلب منكم الامتناع عن أي تكهنات بينما نبحث عن إجابات."
 و قد أثار نقص المعلومات إحباط الموظفين، خاصة أنهم لم يكونوا على علم مسبقًا بأن زميلهم كان محتجزًا لدى الحوثيين. وخلال مكالمات مع كبار المسؤولين عقب وفاة الحكيمي، تساءل بعض الموظفين لماذا لم تتخذ المنظمة رد فعل أكثر حدة؟
وقال أحد الموظفين:
"كان هناك اعتقاد بأنه لو كان هشام موظفًا دوليًا، ربما كان رد الفعل سيختلف. ربما كانت المنظمة ستتعامل مع هذه الأزمة بقدر أكبر من الإلحاح، وربما كان هناك حراك علني أقوى للمطالبة بإطلاق سراحه."
و من جانبها، قالت جفارنيا، الباحثة في هيومن رايتس ووتش، إن الحوثيين يتبعون تكتيكًا مألوفًا لتهدئة المنظمات التي يتم احتجاز موظفيها.
وأضافت في حديثها لـ ذا نيو هيومانيترين:
"الحوثيون يستخدمون نفس العبارات مع الجميع. يقولون للمنظمات ألا تتحدث عن القضايا، ويؤكدون أن الموظفين المحتجزين بخير، ويتلقون معاملة جيدة، وسيتم الإفراج عنهم فور انتهاء التحقيق."
و قالت جفارنيا:
"أعتقد أن الكثير من المنظمات لم تتخذ إجراءات أقوى لأنهم، إلى جانب العديد من أفراد عائلات المحتجزين، يريدون تصديق هذه الوعود، ويخشون القيام بأي شيء قد يؤدي إلى تفاقم الوضع."
وأضافت:
"لكن هناك الكثير من الأدلة التي تثبت العكس، فعندما لا يتم التحدث علنًا عن هذه القضايا، يكون هناك احتمال أكبر بأن يعامل الحوثيون المحتجزين بشكل أسوأ، أو أن يواجهوا الموت أثناء الاحتجاز."
وبعد حملات الاعتقال الجماعية في يونيو/ حزيران 2024 ويناير/ كانون الثاني 2025، كان رد فعل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية والجهات المانحة "بطيئًا وخافتًا نسبيًا"، وفقًا لمركز صنعاء.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنها ستقلّص أعمال التنمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وستركز على "الأنشطة المنقذة للحياة" لتقليل تعرض العاملين في المجال الإنساني للخطر. لكن مسحًا أجراه مركز صنعاء كشف أن هذه الخطوة "تُبقي فعليًا على الدعم المالي الذي يساعد الحوثيين على تجنيد المقاتلين والسيطرة على مؤسسات الدولة".
و من جهتهم، عبّر أقارب ثلاثة محتجزين حاليين، بينهم اثنان من موظفي الأمم المتحدة، عن رغبتهم في أن تتخذ الجهات المشغّلة خطواتٍ أقوى. وقد حجب ذا نيو هيومانيترين بعض المعلومات التعريفية عن الأقارب خوفًا على سلامة المحتجزين.
وروى أحد الأقارب تفاصيل مداهمة حوثية لمنزل موظف يمني يعمل لدى الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران الماضي:
"حوالي 15 مسلحًا اقتحموا المنزل، بينما طوقت سيارات أخرى المنطقة. قاموا بتفتيش كل شيء، الوسائد، الوثائق، وحتى صور العائلة. لم يعثروا على أي شيء يدينه، لكنهم اعتقلوه وأخذوا سيارة العائلة."
وأضاف:
"حاصروا المكان بالكامل وكأنهم يلقون القبض على إرهابي خطير، في حين أن هذا الموظف ليس له أي نشاط سياسي."
وتساءل قائلاً:
"لماذا تم اعتقاله؟ فقط لأنه يعمل لدى الأمم المتحدة!"
كما شكّك القريب في استمرار وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في العمل بالمناطق الخاضعة للحوثيين رغم احتجاز أكثر من 12 من موظفيها بشكل تعسفي.
و قال أحد أقارب المحتجزين متسائلًا:
"ماذا فعلوا؟ ما القيود التي فرضوها؟ ماذا تفاوضوا؟ الحوثيون أخذوا هؤلاء الأشخاص، ويمكنهم غدًا أن يأخذوا آخرين. نشعر بخيبة أمل كبيرة وبأننا تُركنا لمصيرنا."
وفي حادثة أخرى، فشلت منظمة الصحة العالمية في اتخاذ أي إجراء بشأن مخاوف أمنية أبلغ عنها أحد موظفيها قبل اعتقاله بفترة وجيزة، وفقًا لأحد أقاربه.
ففي مايو/ آيار 2024، حذّر طبيب يعمل في حملات التطعيم لدى منظمة الصحة العالمية فريق الأمن في مكتبه من أنه يتعرض للمراقبة، وأن مسؤولين في الاستخبارات الحوثية زاروا وزارة الصحة للاستفسار عن عمله وراتبه، حسبما أفاد قريبه لصحيفة ذا نيو هيومانيترين.
وأضاف القريب:
"لكنهم لم يفعلوا شيئًا."
وفي الشهر التالي، اعتُقل الطبيب ولا يزال قيد الاحتجاز حتى الآن.
و من جهته، رفض المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية (كريستيان ليندماير)، التعليق على القضايا الأمنية أو الإجراءات التي اتخذتها المنظمة لضمان سلامة موظفيها.
وعلى غرار هشام الحكيمي، كان الطبيب قد دخل في نزاعات وظيفية داخل مكتبه خلال الأشهر التي سبقت اعتقاله.
فخلال اجتماعٍ لفريق العمل في أوائل 2024، وجّه انتقادات حادة لقيادة منظمة الصحة العالمية بسبب إنهاء عقود عشرات الموظفين اليمنيين، في حين واصلت المنظمة تعيين موظفين دوليين من المستويات العليا والإبقاء عليهم.
وقال الطبيب خلال الاجتماع، وفقًا لتسجيل صوتي راجعته ذا نيو هيومانيترين:
"مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن يقوم بتهميش الموظفين المحليين واستبعادهم من العديد من الاجتماعات واللجان المعنية باتخاذ القرارات."

و قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية ليندماير، إن قيود التمويل أثرت بشدة على الموظفين الوطنيين والدوليين في مكتب المنظمة في اليمن، مضيفًا أن 90% من الموظفين الحاليين هم من الكوادر المحلية.
وبعد الاجتماع، كتب الطبيب في رسالة نصية لصديق، اطلعت عليها صحيفة ذا نيو هيومانيترين:
"أنا في حالة حرب مع المنظمة. لقد تسببت لهم بمشكلة، والآن هناك من يسعى خلفي."
الصديق، وهو موظف سابق في الأمم المتحدة، قال إن الطبيب كان أيضًا متورطًا في نزاعاتٍ تشغيلية مالية مع وزارة الصحة الحوثية، بسبب مخاوف من أن الأموال التي كان يشرف عليها سيتم تحويلها إلى وجهات أخرى.
وأضاف الصديق أن المسؤولين الحوثيين حذروا الطبيب مرارًا من عرقلة البرامج.
وقال:
"كان يعلم أنه إذا ذهب هذا التمويل إلى الحوثيين، فلن يتم تنفيذ أي شيء، وستفشل حملة التطعيم. إنه من النوع الذي لا يمكنه التزام الصمت عندما يرى أمرًا خاطئًا وأعتقد أن هذا هو السبب الذي جعلهم يستهدفونه."
و من جانبه، قال ليندماير إن الطبيب لم يبلغ رؤسائه بهذه المخاوف.
أما صديق الطبيب، فقد ألقى باللوم على الأمم المتحدة قائلاً:
"قادة الأمم المتحدة يدركون تمامًا فساد الحوثيين، ويعلمون أن الأموال التي تُمنح لهم لن تصل أبدًا إلى المحتاجين، لكنهم مستمرون في العمل معهم. إنهم يفضلون إعطاء الحوثيين ما يريدونه بدلاً من مواجهتهم أو الجدال معهم."
وأضاف الصديق:
"لهذا السبب، لم يكن هناك أي حماية حقيقية من قبل الأمم المتحدة."
وبعد اعتقال الطبيب، تم تكليف زميلٍ له ببعض مسؤولياته، وهو شخص سبق أن شغل منصبًا رفيعًا لدى الحوثيين، وفقًا للصديق.

شغل (محمد المطا) منصب مدير العلاقات مع المنظمات الدولية في وزارة الصحة التابعة للحوثيين في عام 2016. ووفقًا لتقرير نشرته الجزيرة، كان تعيينه جزءًا من عملية حولت الوزارة إلى "دجاجة تبيض ذهبًا" لصالح الحوثيين، مما منح الجماعة السيطرة على التمويلات القادمة من المنظمات الدولية، وكذلك على سوق الأدوية المحلية.
وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندماير، إن المطا تم تعيينه وفق "عملية التوظيف المعتادة للمنظمة" في عام 2011، وعمل لديها حتى عام 2015، ثم عاد في عام 2017 كجزء من فريق ضم الطبيب المعتقل حاليًا.
وأضاف ليندماير:
"عندما تم احتجاز الطبيب، واصل الدكتور المطا تنفيذ مهام الفريق."
لكن المتحدث لم يرد على طلب للتعليق حول سبب توظيف منظمة الصحة العالمية لشخص كان قد شغل مؤخرًا منصبًا رسميًا لدى أحد أطراف النزاع في اليمن.
ولم يرد المطا على طلب للتعليق أُرسل إليه عبر LinkedIn.

وفقًا لمركز صنعاء للدراسات، أدت الاعتقالات الجماعية إلى تصاعد الضغوط على العاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني، حيث باتوا يشعرون بأن عليهم "مساعدة الحوثيين بنشاط وأن يكونوا مفيدين لهم". وقد دفع هذا الوضع العشرات إلى الفرار من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
أما الباشا، مؤسس موقع "تقرير الباشا"، فقد قال إن مصادره في الأمم المتحدة بصنعاء لم تكن يومًا أكثر خوفًا مما هي عليه الآن.
ولخص وصفهم لظروف العمل هناك قائلاً:
"إذا تم اعتقالك، آسفون، ولكن سيتعين علينا استبدالك. يعني إما أن تعمل أو أن تستقيل."


• التناقضات في الأولويات
في تقرير صادر في فبراير/ شباط حول الاعتقالات الجماعية الأخيرة للعاملين في المجال الإنساني، قدم باحثون من مركز صنعاء ثلاث خيارات للمجتمع الإنساني: البقاء في صنعاء والاستمرار في التفاوض، أو الانتقال إلى خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أو وقف العمليات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون حتى يتم الإفراج عن الموظفين ورفع القيود على المساعدات.
و من بين 14 عاملًا إنسانيًا ومجتمعيًا تمت مقابلتهم من قبل الباحثين، أيد 10 منهم الخيار الثالث.
(جوليان هارنييس)، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة لليمن، رد على اقتراح مشابه خلال حدث في تشاتام هاوس العام الماضي.
وقال:
"أنا إنساني لدينا التزامات إيجابية لإنقاذ الأرواح في اليمن. كل ساعة، يموت طفل تحت سن الخامسة. مساعداتنا الإنسانية توقف ذلك، وتمنع أن يموت طفلان أو ثلاثة."
وأضاف:
"الاقتراح بوقف المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يتطلب أن نسأل: كم عدد الأشخاص الذين تريدون قتلهم؟ هل هو 10,000 طفل؟ هل هو 20,000 طفل سنسمح لهم بالموت؟"
"هذا تبرير غير مقبول"، قال فويلستيك، منسق الوصول السابق في برنامج الغذاء العالمي في اليمن، معلقًا على تصريحات هارنييس. "سألتقي به وأقول له، هل تعلم أن المساعدات التي تقدمها في الظروف الحالية -والتي ترفض الضغط بشأنها- هي فعلاً تساعد الناس؟"
العديد من التقارير التي نُشرت على مدار السنوات الأخيرة تطرح تساؤلات مشابهة حول مدى وصول المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى المستفيدين المقصودين.
وفقًا لـ (فريد المسلماني)، باحث في تشاتام هاوس، تتردد المنظمات الإنسانية في الوقوف ضد تدخل الحوثيين لأن ذلك قد يعرض وصولها إلى المستفيدين للخطر.
قال المسلماني:
"المتبرعون سيقدمون لك المال فقط إذا كان لديك وصول. لكنهم ليسوا داخل البلاد ليروا كيف يتم صرف المال، لذا، طالما أن المنظمات الإنسانية لديها وصول، فإنهم يتركون للحوثيين السيطرة على المساعدات كما يشاؤون."

ردًا على الأسئلة التي وجهتها 
ذا نيو هيومانتيرين قال هارنييس إن المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي هما العاملان الوحيدان اللذان يأخذهما بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.
وقال متحدث باسم اللجنة التنسيقية للمساعدات الإنسانية الطارئة التابعة للأمم المتحدة (OCHA): "الغالبية العظمى من المساعدات الإنسانية تصل إلى أولئك الذين هي موجهة لهم".
لقد نجح فرض الخطوط الحمراء ضد تدخل الحوثيين في بعض الحالات الأخيرة. ففي عام 2020، أجبرت تهديدات بتجميد المساعدات مفوضية تنسيق المساعدات الإنسانية (SCMCHA) على التراجع عن مطالبها بفرض ضريبة بنسبة 2% على جميع المشاريع الإنسانية في البلاد. وفي العام السابق، علق برنامج الأغذية العالمي (WFP) جزءًا من مساعداته لضمان الحصول على إذن لتنفيذ نظام التسجيل البيومتري الذي يهدف إلى منع تحويل المساعدات.
و قالت فويلستيك: "إنها تعمل"، مضيفة: "لم يتم طرد برنامج الأغذية العالمي، ولم يتم إعلان برنامج الأغذية العالمي شخصًا غير مرغوب فيه (PNG). لم تكن الأمور سهلة. كنا قليلاً قلقين بشأن الأمن. لكنهم لم يغلقوا الباب أمام المفاوضات."
وتابعت:
"أن تكون لديك خطوط حمراء يعني في كثير من الأحيان تحقيق نتائج أفضل"، مضيفة: "في بعض الأحيان، عليك اتخاذ خيار صعب جدًا قد يضر الناس على المدى القصير لتحقيق مكسب طويل الأمد."

في 10 فبراير/ شباط 2025، أوقفت الأمم المتحدة جميع عملياتها في محافظة صعدة اليمنية، وهي معقل للحوثيين حيث كان بعض من موظفيها المعتقلين يعملون خلال عمليات الاعتقال في الشهر السابق.
وقال بيان صادر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة: "هذه الإجراءات الاستثنائية والمؤقتة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الضرورة للبقاء والاستمرار في تقديم المساعدات وبين الحاجة لضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وشركائها."
في اليوم التالي، أعلن برنامج الأغذية العالمي (WFP) أن أحد موظفيه (أحمد باعلوي)، قد توفي في الحجز. كما هو الحال مع الحكيمي، السبب المحدد لاعتقاله وطريقة وفاته معروفة فقط لطاقم الحراس الذين اعتقلوه.
وقالت جفارنيا إن وفاة باعلوي "تُبرز أكثر الحاجة إلى ألا يتمكن الحوثيون من إرغام المنظمات على الاستسلام لإرادتهم".
و بعد أكثر من عام ونصف على اعتقال الحكيمي، ومع استمرار احتجاز العديد من العاملين، لا تزال المنظمات الإنسانية تصارع مع الخيارات الصعبة والخطوط الحمراء الخاصة بها، مع قلة الخيارات لمحاولة محاسبة الحوثيين.
وقال أحد الموظفين السابقين في منظمة إنقاذ الطفولة لـ ذا نيو هيومانتيرين: "نحن منظمة غير حكومية نتعامل مع نظام حاكم." وأضاف: "لم يكن هناك شيء يمكننا فعله، سوى إرسال فريق لخاطفي هشام."
وتابع: "الناس يتم اعتقالهم، وهو أمر يمكن أن تديره، أخبرني، هل تعامل مع هذا الموضوع أي شخص بطريقة مختلفة؟"

لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: 

 


التعليقات