اليمن: نساء بلا أمومة
يمن فيوتشر - أسامة الكُربش: الخميس, 13 فبراير, 2025 - 03:47 مساءً
اليمن: نساء بلا أمومة

"منذ صغري، حلمتُ كأي فتاة بأن أكون أمًا، لكن عندما اكتشفتُ أنني عقيمة، شعرتُ وكأنّ العالم انهار من حولي"... بهذه المعاناة بدأت الثلاثينية سلمى -اسم مستعار- من صنعاء رحلتها مع العقم.

بعد زواجها بخمس سنوات، تطلعت سلمى بفارغ الصبر إلى أن تصبح أمًا، ولكن بعد محاولات عديدة وفحوصات طبية متكررة، أخبرها الأطباء بأنها تعاني من مشكلة تمنعها من الحمل.
تقول سلمى: "لم أصدق ما سمعته.. لقد شعرت بالضياع، اعتقدتُ أنني فقدتُ جزءًا أساسيًا من كينونتي كإنسانة".
العقم من أصعب التجارب التي قد تمر بها امرأةٌ في مجتمع تقليدي ينظر إلى الأمومة كشرطٍ أساسي لتأمين مكانةٍ محترمةٍ للنساء بين العائلة وأقارب الزوج.
فعدم القدرة على الإنجاب يضع المرأة تحت ضغط اجتماعي ونفسي، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها ناقصة أو غير مكتملة.
وبالنسبة لعائلات كثيرة، يمثل العقم سببًا مقبولًا ومنطقيًا للطلاق أو الزواج من أخرى؛ ما يضاعف الشعور بالعجز لدى النساء العقيمات.

 

•نظرة قاسية
تشير سلمى في حديثها لمنصة هودج إلى أن "المجتمع كان القاسي الأكبر في رحلتها مع العقم، إذ إنه في كل مناسبة عائلية كانت تواجه نفس السؤال: "متى سنرى أطفالك؟".
وتضيف: "واجهتُ نظرات الشفقة والاتهام من الآخرين، وكأنني ناقصة، ولم يكن أحد يعلم بحجم الألم الذي أخفيه داخلي".

 

•معاناة نفسية
تقول الأخصائية النفسية نادية شجاع الدين: "إن العقم غالبًا ما يُنظر إليه كمصدر للنقص لدى المرأة؛ مما يجعلها عرضة للتمييز والضغوط".
وتشير شجاع الدين في حديثها لمنصة هودج إلى أن هناك عائلات عديدة تعتبر عدم قدرة المرأة على الإنجاب سببًا كافيًا للتقليل من شأنها، أو حتى التهديد بالطلاق والزواج من أخرى.
وتضيف: "في حال وافقت المرأة على زواج شريكها من أخرى، فإنها قد تصبح ضحية للتنمر من قبل الزوجة الثانية، وغالبًا ما تتفاقم الأمور بتشجيع من أهل الزوج".
لافتةً إلى أن بعض العادات والتقاليد المحلية تعزز من ظلم النساء العقيمات، ففي بعض المناطق يسود الاعتقاد بأن الرجل لا يمكن أن يكون هو السبب في عدم الإنجاب؛ ما يزيد الضغط النفسي على المرأة الضحية.
ورغم ذلك، تكشف شجاع الدين عن وجود حالات نادرة تكون فيها الأسرة أو المجتمع متفهمين لهذه القضية، لكن حتى في هذه الحالات، تظل المرأة تحمل داخلها مشاعر النقص، حتى لو لم تفصح عنها.

 

•دعم نفسي
تقترح الأخصائية نادية شجاع الدين على النساء اللواتي يكتشفنّ عدم قدرتهنّ على الإنجاب أن عليهنّ ألا ينكرنّ الواقع أو يرفضنه، بل يجب تقبله.
وتنصح بالعديد من الحلول التي يمكن أن تساعد المرأة، مثل ضرورة التوجه إلى جلسات الإرشاد الأسري والعلاج النفسي عند الشعور بأي تغييرات مفاجئة، والاندماج بأنشطة تُخرجها من حالتها، والمضي قدمًا في حياتها.
شجاع الدين تُسلط الضوء على الأعراض النفسية التي تعاني منها العديد من النساء العقيمات، أهمها الاكتئاب، الذي يُصنف بأنه الأكثر شيوعًا، وهو رد الفعل الأول الذي يظهر على المرأة.
ثم يأتي القلق، خاصة عند التفكير في احتمال الطلاق أو اقتران الزوج بأخرى، كما أن الشعور بتأنيب الذات والذنب يكون حاضرًا، حيث تلوم المرأة العقيم نفسها على شيءٍ لا يمكنها تغييره.
وتشير شجاع الدين إلى أن هذه المشاعر السلبية قد تؤدي إلى نزاعات مستمرة بين الزوجين؛ ما يزيد من احتمالية الجفاف العاطفي والانفصال.
وتواصل: "قلة تقدير الذات أيضًا يمثل أخطر الآثار النفسية، إذ تشعر المرأة بأنها غير مفيدة كزوجة؛ ما يدفعها إلى الانسحاب الاجتماعي والانعزال".
تشدد نادية شجاع الدين على أهمية الاستعانة بأخصائيين نفسيين لمساعدة النساء على تجاوز هذه الصعوبات، وإيجاد حلول لهذه "الفخاخ النفسية".
وهي مشكلات مرتبطة بالعقم، لا يمكن الكشف عنها سوى بالوعي، ومعالجتها بطرق آمنة ودون اللجوء إلى الأدوية.

 

•ضغوطات اجتماعية
الثلاثينية الأخرى رشا -اسم مستعار- تزوجت في عمر العشرين، وكانت تتوقع أن تصبح أمًا، لكن هذا الحلم طال انتظاره.
تقول لمنصة هودج: "في البداية، كنتُ متفائلةً وأعتقدتُ أن الأمور ستسير بشكل طبيعي، مرّت السنوات دون أي إشارة لحمل، وبدأت الشكوك تملأ عقلي، خضعت للفحوصات والعلاجات، لكنها لم تُفسّر عدم حدوث الحمل".
كانت السنوات الأولى من محاولات العلاج الأصعب بالنسبة لرشا، حيث شعرت بضغط كبير من أقاربها وعائلة زوجها.
وتكشف رشا أن والدة زوجها كانت تلقي باللوم عليها دائمًا وتخبرها أنها ليست مؤهلة لدور الأم، كلمات جارحة لم تستطع رشا الرد عليها.
ومع مرور الوقت، تزايدت الضغوطات، ولم تقتصر على العائلة فقط، كانت رشا تسمع تلميحات من الجيران والأقارب في كل مناسبة، حتى أن بعضهم بدأ يدعوها لتقبل فكرة ارتباط زوجها بأخرى.
في النهاية، قرر زوجها بالفعل الزواج، تقول رشا: "عندما أخبرني زوجي بقراره أدركت أن الضغوطات كانت أكبر من قدرتنا على التحمل".
كان القرار قاسيًا على رشا، وشعرت أنها فقدت جزءًا من هويتها كزوجة وشريكة حياة، ولم تجرؤ على الحديث مع أحد عن مشاعرها.. حتى الآن.

تم نشهر هذه المادة في منصة هودج


التعليقات