بينما يشعر المجتمع الدولي فيه بالارتياح الجماعي بسبب توقف الحوثيين عن هجماتهم التي استمرت 13 شهراً ضد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، إلا أن العمليات الداخلية للجماعة تتصاعد.
فبعد وقتٍ قريب من اتفاق إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار، أشار الحوثيون إلى إنهاء هجماتهم على السفن التجارية، أولاً من خلال رسالة بريد إلكتروني إلى شركات الشحن الدولية، ثم في بيانٍ علني من زعيمهم (عبد الملك الحوثي). ومع ذلك، أوضحوا أنهم يحتفظون بالحق في استهداف السفن التابعة لإسرائيل، وأشاروا إلى أنهم قد يستأنفون هجماتهم إذا لزم الأمر. و هذا الإعلان يحمل أهمية كبيرة حيث كانت عمليات الحوثيين البحرية في المنطقة ضربة كبيرة للملاحة الدولية، مما دفع شركات الشحن إلى الاختيار بين ثلاث خيارات مكلفة: السفر حول القرن الإفريقي لتجنب باب المندب تمامًا، أو دفع رسوم لـ الحوثيين، أو نقل بضائعهم إلى قوارب أصغر لتقليل مخاطر الهجوم.
و على الرغم من أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان المتمردون اليمنيون سيستأنفون إطلاق الطائرات المُسيّرة والصواريخ على السفن، إلا إن تركيزهم قد تحول بشكل واضح إلى العمليات الداخلية ضد الحكومة اليمنية وحلفائها. ففي الأيام التي تلت إعلانهم عن وقف إطلاق النار -ومع إعادة إدارة دونالد ترامب تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية- اتخذ الحوثيون عدة خطوات مقلقة لتوطيد سيطرتهم على الأراضي اليمنية.
ففي مايو/ آيار الماضي، احتجز الحوثيون ثلاثة عشر موظفًا من الأمم المتحدة بالإضافة إلى آخرين من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، مما أجبر الأمم المتحدة على تعليق الحركة في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون وقطع الاتصال عن 70-80% من اليمنيين الذين يعيشون تحت حكم الحوثيين. و في الوقت نفسه، تشير التقارير إلى أن الحوثيين قد نقلوا آلاف المقاتلين إلى الجبهات الأمامية في محافظة مأرب، التي كانت في السابق محور العمليات الرئيسية للمجموعة. وقد بدأوا في تنفيذ بعض الضربات تحضيرًا لهجوم عسكري واسع للسيطرة على المنطقة.
بالإضافة إلى هذه التقدمات العسكرية، أطلق موالون للحوثيين حملة رسائل تستهدف القبائل المحلية في المحافظة، ضاغطين عليهم للتنازل عن السيطرة على المنشآت الإستراتيجية للطاقة، والمباني الحكومية، والقواعد العسكرية في المنطقة. وذكرت التقارير أن العديد من قادة الحوثيين قد تفاخروا على منصة إكس بشأن الضربة النهائية القادمة للسيطرة على كامل اليمن. وذهب أحد المسؤولين إلى حد التحذير علنًا بأن الأصول الأمريكية في الشرق الأوسط أصبحت في مرمى صواريخ الحوثيين إذا استمر الرئيس ترامب في "خصومته" مع الشعب اليمني.
و على الرغم من أفعالهم المزعزعة للاستقرار وانتهاكاتهم الواسعة لحقوق الإنسان في اليمن، نادرًا ما يحظى الحوثيون باهتمام دولي كبير إلا عندما تهدد أنشطتهم الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، يجب النظر إلى تحركاتهم الأخيرة ضد الحكومة المعترف بها دوليًا، ومجلس القيادة الرئاسي (PLC)، كجهد استراتيجي لكسب النفوذ قبيل مفاوضات السلام المستقبلية.
وقد رفض الحوثيون بشكل مستمر الانخراط في مفاوضات مباشرة مع مجلس القيادة الرئاسي. علاوة على ذلك، فقد أوضحوا نيتهم في احتكار السلطة الحاكمة. و دفعهم المتجدد للسيطرة على مأرب -إحدى آخر معاقل الحكومة اليمنية- من شأنه أن يوسع قاعدتهم الاقتصادية ويمنحهم إحساسًا جديدًا بالشرعية في المجتمع الدولي. في الوقت ذاته، سيقلل ذلك بشكل كبير من سيطرة الحكومة اليمنية على الأراضي المحلية، مما يؤدي إلى تقويض مصداقيتها على الصعيدين المحلي والدولي.
إن اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون سيكون له عواقب بعيدة المدى على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. إذ سيعزز هذا السيناريو من وجود إيران في البلاد، مما يمنح طهران وصولاً غير محدود إلى مواقع استراتيجية جديدة على طول مضيق باب المندب والحدود مع السعودية. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يقوي هذا الحوثيين ويتجاوز حدود اليمن، مما يمكّنهم من التعاون مع خصوم الولايات المتحدة الآخرين، بما في ذلك روسيا و الصين.
و تشير التقارير بالفعل إلى أن الحوثيين يتعاونون مع تنظيم القاعدة في الصومال، وقد نشروا قوات في سوريا.
و في الوقت نفسه، ترد أنباء عن مرتزقة حوثيين يقاتلون في حرب أوكرانيا، واتفاق محتمل لإرسال موسكو صواريخ متطورة مضادة للسفن إلى الحوثيين، بالإضافة إلى ادعاءاتٍ بأن الصين تساعد الحوثيين في الحصول على أسلحة. وهذا يظهر أن الحوثيين يفكرون أبعد من التعاون مع جماعات غير دولة أخرى. و إذا استمرت الأمور على حالها، فإن التمرد الذي كان محليًا في يوم من الأيام سيستمر في النمو كأحد التحديات الجيوسياسية للولايات المتحدة.