وصف مراقبون الأنباء المتداولة حول قرب إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تعيين السويدي هانس جروندبرج مبعوثا خاصا إلى اليمن خلفا للمبعوث السابق مارتن جريفيثس، بأنها بمنزلة اعتراف ضمني من لندن وواشنطن، اللتين كانتا تتوليان إدارة الملف، بفشل جهودهما لإحلال السلام في اليمن، وتسليم الملف اليمني للاتحاد الأوروبي، مما يعني استمرار النهج الرومانسي وغير الواقعي في التعامل مع الأزمة اليمنية خلال الفترة القادمة.
وأشارت تقارير صحافية إلى ترجيح كفة المرشح السويدي وسفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن جروندبرج من أجل تعيينه مبعوثا أمميا إلى اليمن.
ووفقا لمصادر دبلوماسية، يمتلك الدبلوماسي الأوروبي سجلا طويلا في الشرق الأوسط، حيث عمل في عدد من البعثات الدبلوماسية السويدية، وبعثات الاتحاد الأوروبي في الخارج، من ذلك توليه مناصب دبلوماسية في القاهرة والقدس، وقد عمل رئيسا لقسم الخليج في وزارة الخارجية السويدية، كما ترأس مجموعة عمل الشرق الأوسط والخليج التابعة للمجلس الأوروبي خلال رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي في العام 2009 قبل تعيينه سفيرا للاتحاد الأوروبي في اليمن مطلع سبتمبر 2019.
واعتبر الباحث السياسي اليمني مصطفى الجبزي أن تعيين مبعوث جديد إلى اليمن قد يبث الروح في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مشيرا إلى أن ذلك القرار وحده لا يكفي "حيث ضاعت كل الجهود السابقة للمبعوث الخاص السابق رغم أنه كان يتمتع بدعم دولي كبير".
وأضاف الجبزي: "لعل أهم أسباب تعثر جهوده هو تعنت الحوثي. وإذا كان المبعوث السابق قد خطف اتفاقا على عجالة، هو اتفاق ستوكهولم، لكن الاتفاق فشل فشلا ذريعا، إذ لم تتمكن الأمم المتحدة، ومن خلفها القوى الدولية، من استخدام العصا أو الجزرة لتقريب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات والذهاب نحو عملية سلام جادة".
ولفت الجبزي إلى أن المبعوث أيّا كان، "ما لم يعمل على رسم خطة سلام جادة، لا تكتفي بمراضاة أطراف الحرب، وتستند على أسس قانونية وأخلاقية، منها مفهوم الشرعية، وعدم استخدام السلاح لتنفيذ أجندات سياسية، فإنه لن يكتب له النجاح، وستستمر معاناة اليمنيين، ولذلك تظل جهود الأمم المتحدة على محك الامتحان في اليمن".
ومن جهته، علق الباحث السياسي اليمني سعيد بكران على الأنباء المتداولة حول تعيين دبلوماسي سويدي خلفا لجريفيثس في اليمن بأنه "مجرد إجراء وظيفي روتيني لن يقدم أو يؤخر ما لم تحدث إعادة تقويم جذري لكل المسلمات والمرجعيات التي عفا عليها الزمن، وتسببت في فشل ثلاثة مبعوثين سابقين ومبعوث أميركي خاص في إحراز أي تقدم بناء عليها".
وأضاف بكران أن "المشكلة ليست في شخص المبعوث وإنما في آليات عمله وتصورات الحل التي تم تكبيلها لتنظير يخدم طرفا معينا، لم يتمكن هو من خدمة نفسه على الأرض رغم كل الدعم الدولي والإقليمي".
وينظر مراقبون إلى شخصية المبعوث الأممي القادم في اليمن من زاوية التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة التي تحيط بالملف اليمني، وفي مقدمة ذلك الإشارات الأميركية التي تحمل في طياتها اعترافا ضمنيا بفشل جهودها في حلحلة الملف اليمني، ودفع الميليشيات الحوثية نحو القبول بخطة وقف إطلاق النار، والدخول في جولة مشاورات نهائية مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وقد كشفت التصريحات الأميركية الأخيرة في أعقاب اللقاء الذي ضم وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وتطرق لوقف إطلاق النار، والانتقال إلى عملية سياسية في اليمن، والأمن الإقليمي، عن حالة من الإحباط الأميركي تجاه الأزمة اليمنية وتبدد هامش الخيارات المتاحة للتعامل مع تعنت الحوثيين، الذي يسير بالتوازي مع رغبة واشنطن في تقليص وجودها في المنطقة، وإبرام اتفاق سريع مع طهران، لا يأخذ في الحسبان مصالح حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، في مؤتمر صحافي الخميس، تعليقا على الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في اليمن "لقد سئمنا. نشعر بالصدمة من الهجمات المروعة المتكررة على مأرب. ندين بشدة الهجوم الصاروخي الحوثي على حي سكني في مأرب في 29 يونيو".
ويرجح مراقبون أن ينعكس تعيين دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي مبعوثا أمميا خاصا إلى اليمن على حجم النفوذ الذي كانت تتمتع به واشنطن ولندن في إدارة الملف لصالح الرؤية الأوروبية التي تبدو أكثر ارتباطا بالرؤية الأوروبية لملف المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي الذي تستضيفه فيينا.
ويشير الباحث اليمني غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط إبراهيم جلال إلى أن "تعيين مبعوث رابع في اليمن يأتي بعد عقد من الدور الأممي، وتشعب متزايد للصراع، وتغيير عكسي في موازين القوى المحلية من أبواب الحديدة إلى أسوار مأرب، ورغبة سعودية حقيقية للخروج وتنامي الدور الإيراني في اليمن بشكل لا يقبل الجدل".
وعن الهامش المتاح أمام المبعوث القادم في ظل التعقيدات التي تحيط بالملف اليمني، يضيف جلال "لا يبدو أن مهمة المبعوث الرابع لليمن ستكون سهلة. فبجانب التعنت الحوثي إزاء المبادرات الراهنة، هناك رغبة دولية لإنهاء ملامح الحرب بشكل سريع، لا علاج أسبابها، مما يجعل المبعوث في وضع صعب عمليا وأخلاقيا قبل مزاولة مهمته".
وبدوره يؤكد الباحث السياسي اليمني رماح الجبري أن "تعيين المبعوث الأممي الجديد لن يحدث فارقا في مسار الأزمة اليمنية، كون تحقيق السلام بيد الأطراف اليمنية وبالأخص بيد الميليشيا الحوثية التي لا تجيد غير الرفض، ولم تقدم أي تنازل يمهد للتوصل إلى اتفاق يتجاوز الحرب ويحقق السلام".
واستدرك "لكن تعيين مبعوث أوروبي يؤكد الفشل البريطاني والأميركي في إحراز أي تقدم لإنهاء الحرب في اليمن، وهي محاولة أخرى لن تجدي نفعا ما دامت الميليشيا الحوثية تمتلك عوامل القوة مع استمرار الدعم الإيراني غير المحدود".
وأوضح الجبري أن "المبعوث الأممي البريطاني السابق مارتن جريفيثس كان يستند إلى بريطانيا، التي وقفت خلفه بكل وسائلها، إلا أنه لم يحقق أي اختراق، ومثله المبعوث الأميركي، وهو الأمر الذي يقلل من حظوظ المبعوث القادم، كونه يستند بشكل أساسي على الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي لم يعد المجتمع الدولي ككل يمتلك أي أوراق ضغط على الميليشيا الحوثية للدفع بها نحو السلام، ومن ذلك سلاح العقوبات أو التصنيفات لقياداتها كإرهابيين أو معرقلين لجهود السلام".
وأضاف الجبري: "قد يكون المبعوث الأممي الجديد أكثر وضوحا في التعامل مع الأطراف؛ كونه يميل إلى البقاء في المنطقة الرمادية أو عبر محاولة الدفع بالحوثيين واسترضائهم، وهي استراتيجية لم ينجح بها جريفيثس، بل كانت تجربة فاشلة كلفت اليمنيين كثيرا سياسيا وإنسانيا واقتصاديا، كما فشلت سياسة المبعوث السابق كذلك في تجزئة الملف اليمني والانشغال بقشور وملفات ثانوية".