وسط انخفاض درجات الحرارة وموجات الصقيع في اليمن تتأثر المحاصيل الزراعية في بلد يعاني اقتصاديا واجتماعيا منذ سنوات بسبب الحرب لا سيما محصول القات المخدر الذي ارتفع سعره مؤخرا أكثر من 200 بالمئة.
والقات هو نبات من نفس فصيلة الشاي ينمو في المناطق المرتفعة ويوجد منه ما لا يقل عن 100 نوع، وأكثر الطرق شيوعا لاستهلاكه هو مضغ الأوراق الطازجة عن طريق الفم في جلسات تسمى “المقيل” أو “المفرج”، أما في الريف فيمضغ المزارعون القات وهم يعملون في الحقول بغرض زيادة نشاطهم وتبديد الشعور بالجوع.
ويعد القات أهم محصول زراعي رابح تجاريا ورائج استهلاكيا في اليمن نتيجة الأموال الطائلة التي يحركها في الأسواق والتي تصل إلى نحو 20 مليون دولار يوميا، طبقا لدراسات اقتصادية.
وتتباين الإحصاءات بشأن نسبة متعاطي القات في اليمن إلا أن التقارير الدولية تشير إلى أن نحو 70 بالمئة من اليمنيين البالغ تعدادهم أكثر من 35.6 مليون نسمة، غالبيتهم من الرجال يتعاطونه.
وذكرت تقارير رسمية حكومية سابقة أن ما يتم إنفاقه على القات، التي تعد زراعته سهلة وينمو على مدار العام، يصل إلى نحو 35 بالمئة من دخل الأسر اليمنية.
وقال مستهلكون للقات في عدن لرويترز إن بائعي هذه النبتة، المصنفة كمخدر من قبل منظمة الصحة العالمية، دائما ما يستغلون الظروف السياسية والتغيرات المناخية لرفع سعر القات عند شح المنتج.
وذكروا أن أسعار بيع القات منذ منتصف ديسمبر كانون الأول وحتى الآن وصلت إلى “أرقام خيالية” وسجلت “مستويات قياسية” لم تشهدها البلاد منذ بدء الحرب الأهلية في 2015، مما اضطر كثيرين للتوقف عن استهلاكه.
وقال مراقب للأسواق “رغم أن ارتفاع أسعار القات خلال فصل الشتاء أمر معتاد نتيجة الصقيع والبرد، فإن هذه المرة الأولى التي يكون فيها الارتفاع مبالغا فيه وبأسعار خيالية وكبيرة، ما أجبر المئات من متعاطيه على العزوف عن الشراء تحت ضغط تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية الناس وتدني الأجور والرواتب”.
•أعباء مادية
تداول نشطاء ومتابعون على منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع خلال الأيام القليلة الماضية، مقطع فيديو يظهر بيع “ربطة قات” في عدن بسعر قياسي بلغ أربعة ملايين ريال يمني (نحو 1800 دولار) وهو سعر يعتبر مرتفع جدا بالنسبة للمستوى الاقتصادي للمدينة الساحلية، ما أثار استياء واستغراب بعض المواطنين في ظل تدهور الأوضاع المعيشية.
وقال مستهلكون للقات إن ارتفاع تكلفة المعيشة التي فاقمها ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات جعلهم غير قادرين على مواجهة الصعوبات المعيشية مع قلة الأجور وأجبرهم على إعادة التفكير في العادة اليومية المفضلة لدى اليمنيين.
وقال خالد محمد ناجي (55 عاما) الذي يعمل موظفا حكوميا في عدن “هذه الأيام مع ارتفاع تكلفة المعيشة تم إعادة النظر بموضوع القات والأشياء الأخرى غير الضرورية، ومع ارتفاع أسعار القات تم تحديد يومين بالأسبوع لتعاطيه بدلا من كل أيام الأسبوع حتى نستطيع توفير حياة كريمة لنا ولأولادنا”.
ويتفق معه في الرأي أسامة الخضر (40 عاما) الذي يعمل فرد أمن في عدن إذ قال لرويترز “هذه الأيام مع غلاء الأسعار بصورة جنونية لكل شيء منها القات فضلنا تناوله يوما واحدا بالأسبوع لأن القدرة الشرائية لا تسمح لنا بشرائه كما كان في السابق”.
وأضاف أن “المواطن يئن ويعاني من الفقر والجوع والعوز وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتدني صرف العملة المحلية بعد أن وصل الصرف للدولار اليوم إلى 2160 ريالا”.
ويبرر تجار القات ارتفاع الأسعار مؤخرا بقلة الإنتاج وتأثر المحصول بالطقس البارد خاصة في المناطق الجبلية.
وقال بائع القات يوسف علي حسين لرويترز إن “ارتفاع الأسعار ليس من البائعين في عدن، فنحن نشتري القات ممن يجلبه من محافظة الضالع شمالي عدن ونبيعه مع تحقيق ربح معقول”.
وأضاف “مع اشتداد الصقيع هذا العام رفع من يجلب القات سعره بشكل كبير لم نعهده من قبل مما تسبب في انخفاض الطلب عليه بعد امتناع كثيرين عن شرائه”.
ويصل متوسط قيمة ما يشتريه المواطن اليمني من القات إلى نحو خمسة آلاف ريال يمني (دولاران) فيما يبلغ نوع القات الجيد إلى الممتاز ما بين (15 دولارا و30 و40 دولارا).
وتعد الضالع المصدر الرئيسي لإنتاج القات الذي يزرع بكثرة فيها وينتقل منها إلى عدن ومعظم محافظات الجنوب اليمني، فضلا عن جلبه إلى أسواقه من مناطق الشمال الأكثر إنتاجا له.
•خسائر فادحة
مثلما يشكو المستهلكون والبائعون من شح محصول القات وارتفاع أسعاره يقول المزارعون أيضا إنهم يتكبدون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تمر بها البلاد وتستمر حتى نهاية الشهر الجاري حسب توقعات خبراء الأرصاد الجوية.
وقال مزارعون في محافظتي الضالع الجنوبية وذمار الشمالية إن أوراق القات تضررت كثيرا جراء الصقيع مما تسبب في خسائر كبيرة لهم خاصة مع انعدام وسائل مواجهة الطقس السيء واتباعهم طرقا متعددة لمحاولة تدفئة الحرارة في مزارعهم خلال الليالي الأشد برودة.
وقال المزارع فارس مسعد من منطقة شكع في الضالع لرويترز إن البرد الشديد هذا العام تسببا في ما يسميه السكان المحليون “ضريب” وهو كلمة عامية تعني تلف وفساد المحاصيل الزراعية والقات.
وأضاف أن هناك أسبابا أخرى تسببت في ارتفاع أسعار القات إلى جانب الصقيع منها ارتفاع سعر الديزل، والذي أدى إلى زيادة الأعباء على أصحاب المزارع نتيجة ارتفاع تكلفة النقل، وأسعار الأسمدة والمبيدات التي يأتي معظمها من الخارج.
ويعمل مزارعو القات على إشعال النار والشموع داخل مزارع القات لحمايتها من انخفاض درجات الحرارة.
ويقول الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية ماجد الداعري لرويترز إن ارتفاع أسعار القات خلال أشهر الشتاء أمر معتاد لجملة من الأسباب الطبيعية.
وأضاف أن المزارعين “يرفعون الأسعار لتعويض خسائرهم من موردي القات بالجملة قبل أن يقوم الموردون بدورهم بتعويض ما دفعوه للمزارعين برفع سعر القات على المستهلك النهائي”.