قالت أوكرانيا أنها "غاضبة" بعد أن قامت سفينة ترفع العلم الروسي بتصدير الحبوب خلسة من ميناء يخضع لعقوبات غربية في شبه جزيرة القرم المحتلة إلى مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن للمرة الثانية خلال أشهر.
إن ما تصفه أوكرانيا بـ "سرقة الحبوب" عبر الموانئ والأراضي المحتلة أصبح حدثاً شائعاً منذ بداية الغزو الروسي الكامل، حيث تنقل عشرات السفن الحبوب من الموانئ المحتلة إلى دول مثل سوريا وإيران ووجهات أخرى.
ولطالما دعت أوكرانيا الموانئ إلى رفض مثل هذه الشحنات إذا كانت على علم بمصدرها، وتقول إنها أثارت هذه القضية مع المنظمة البحرية الدولية.
في هذه الحالة، قامت السفينة (ظفر: 9720263) بتحميل الحبوب في ميناء (سيفاستوبول) في أوائل أكتوبر ووصلت إلى الصليف في اليمن في منتصف نوفمبر، ورست في جيبوتي في الأيام التي سبقت السفر إلى الصليف.
حيث تُلزم جميع السفن التي تنقل البضائع إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون بالتوقف في جيبوتي للتفتيش من قبل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM).
ولم تستجب آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش لطلبات التعليق حول ما إذا كانت (ظفر) قد تم تفتيشها أثناء وجودها في جيبوتي. ولم يفعل ذلك أيضاً مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN OCHA).
ومع ذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع السفن (ظفر) متمركزة في رصيف في جيبوتي في أوائل نوفمبر بعد انتظارها في المرسى لعدة أيام.
وحتى لو تمت الموافقة على (ظفر) من قبل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، لم يكن بإمكانها التصرف لمجرد أن ميناء المنشأ الحقيقي كان شبه جزيرة القرم المحتلة.
ويتمثل دور آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش وتفويضها في تسهيل حركة المواد التجارية إلى الموانئ اليمنية التي لا تخضع لسيطرة الحكومة، مع المساهمة أيضاً في دعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
ومن الممكن أيضاً أن (ظفر) لم تكن منفتحة على آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش بشأن المكان الذي أبحرت منه.
وحقيقة أنها أخفت وجودها في (سيفاستوبول) عن طريق إغلاق نظام التعريف الآلي الخاص بها، ولم يكن من المعروف أنها كانت هناك إلا لأنه تم رصدها في صور الأقمار الصناعية، تشير إلى أنها ربما لم تكن كذلك.
وكان يتعين عليها تقديم سند الشحن والتخليص من ميناء التحميل، على الرغم من أنه من غير الممكن معرفة ما ورد في تلك النماذج دون الوصول إلى وثائق السفينة.
لكن المالك النهائي للسفينة (ظفر) غير معروف ومدير السفينة لم يستجب لطلبات التعليق.
ولا يزال مثل هذا السيناريو يثير تساؤلات للأمم المتحدة وآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش.
وقد قامت (ظفر) برحلة مماثلة في وقت سابق من هذا العام، وهو الأمر الذي أفادت به (Bellingcat) و(Lloyd's) في ذلك الوقت. قال الخبراء لـ (Lloyd's List) و(Bellingcat) في ذلك الوقت أن شحنات الحبوب من (سيفاستوبول) المحتلة تمت الموافقة عليها من قبل آلية الأمم المتحدة للتحقيق والتفتيش، حتى لو لم تكن التفاصيل الكاملة واضحة وخارجة عن تفويضها، فإنها خلقت وضعاً حرجاً للأمم المتحدة نظراً لأن غالبية الدول الأعضاء صوتت مراراً وتكراراً ضد الغزو الروسي لجارتها.
و قد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدداً من القرارات ضد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا يعود تاريخها إلى عام 2014.
كما طالبت روسيا بسحب جميع قواتها العسكرية من الأراضي الأوكرانية بعد غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022.
ولكن على عكس البعض وقرارات مجلس الأمن، الذي تتمتع فيه روسيا بحق النقض، فإن تصويت الجمعية العامة ليس ملزما قانونا.
يخضع ميناء (سيفاستوبول) حالياً لعقوبات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين أن المحطة التي رست فيها (ظفر) في (سيفاستوبول) تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
لكن الأهم من ذلك أنه لا توجد عقوبات من الأمم المتحدة على ميناء (سيفاستوبول) أو روسيا.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية إن الوزارة "غاضبة" من أن (ظفر) أبحرت إلى اليمن من شبه جزيرة القرم، على الرغم من أنها لم تعلق على دور آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش.
وأضاف المتحدث أن أوكرانيا "تواصل بذل كل جهد ممكن لفضح سرقة روسيا المنهجية والواسعة النطاق للحبوب الأوكرانية، فضلا عن نقلها غير القانوني عبر الأراضي الأوكرانية المحتلة مؤقتا والأنشطة غير القانونية في موانئنا البحرية المغلقة".
ولم تستجب الحكومة الروسية ولا وزارة خارجيتها لطلبات التعليق.
وكما هو الحال مع الشحنات السابقة، لم يكن من الواضح أيضاً أين تم حصاد الحبوب التي نقلتها (ظفر) إلى اليمن.
ومع ذلك، فقد سبق أن اتهم بعض المزارعين في شرق أوكرانيا المحتلة القوات الروسية بسرقة الحبوب التي تم تصديرها لاحقًا.
وتعد اليمن واحدة من أفقر دول العالم، وأدت الحرب الأهلية المستمرة منذ عشر سنوات بين الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية وقوات الحوثيين المدعومة من إيران إلى قتل الآلاف والى أزمة إنسانية.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الملايين قد نزحوا وهناك خطر انتشار المجاعة على نطاق واسع. وصلت شحنة الحبوب التي حملتها (ظفر) في نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أيام من إعلان وسائل الإعلام الدولية أن مرتزقة من اليمن يقاتلون على خط المواجهة في حرب روسيا في أوكرانيا.
وذكرت صحيفة (فايننشال تايمز) بالتفصيل كيف أُجبر مئات اليمنيين على القتال من أجل روسيا، حيث قال البعض إنهم تعرضوا للخداع للقدوم إلى روسيا قبل نقلهم إلى الخطوط الأمامية ضد إرادتهم.
وفي حين لا يوجد دليل على أي صلة بين الشحنات والتقارير التي تفيد بنشر يمنيين كمقاتلين، ذكرت صحيفة (فايننشال تايمز) أن دبلوماسيين أمريكيين يعتقدون أن روسيا تحاول استكشاف الاتصالات مع الحوثيين.
ومع ذلك، قال المتحدث باسم البنتاغون، اللواء (بات رايدر) للصحفيين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، إن الولايات المتحدة لم تلاحظ أي مساعدات أو مساهمات "كبيرة" من الحوثيين للتأثير على الحرب في أوكرانيا.
ولم تجب وزارة الخارجية الأمريكية على أسئلة محددة بشأن (ظفر) عندما اتصلت بها (Bellingcat) للتعليق، لكنها عبرت عن أهمية دور آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في تسهيل حركة البضائع بينما وصفت بشكل منفصل سرقة روسيا للحبوب الأوكرانية بأنها "مؤسفة".
•كيف قمنا بتتبع (ظفر)
تم التقاط (ظفر) وهي ناقلة بضائع ضخمة يبلغ طولها 180 متراً، من خلال صور الأقمار الصناعية وهي تحمل الحبوب في ميناء (سيفاستوبول) في 6 أكتوبر.
وتم إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال لنظام التعريف الآلي (AIS)، مما أدى إلى إخفاء موقعها عن المراقبين البحريين وبيانات التتبع البحري.
حيث يعتبر إيقاف تشغيل نظام AIS بشكل متعمد ممارسة شحن خادعة ما لم تكن السفينة في خطر.
وكانت (ظفر) قد أوقفت تشغيل نظام التعرف الآلي في 28 سبتمبر، وكان آخر موقع مسجل لها جنوب مضيق (كيرتش) بين شبه جزيرة القرم وروسيا.
ثم زارت (سيفاستوبول) حيث تم تصويرها على صور الأقمار الصناعية وهي تقوم بتحميل الحبوب قبل إعادة تشغيل نظام التعرف الآلي مرة أخرى في 9 أكتوبر.
وتم التقاط الصورة للسفينة وهي تمر عبر مضيق (البوسفور) في 14 أكتوبر قبل أن تتجه عبر قناة السويس ثم باتجاه جيبوتي، وفقًا لنظام AIS.
وبعد مغادرة جيبوتي، أبحرت إلى الصليف في غرب اليمن حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية تفريغ السفينة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأظهر نظام تحديد المواقع الآلي السفينة في الميناء في نفس الوقت.
وبعد مغادرتها الصليف في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أبحرت (ظفر) عائدة عبر قناة السويس ومضيق (البوسفور) ومرة أخرى إلى البحر الأسود.
وفي وقت كتابة هذا التقرير، كانت (ظفر) قد رست في مضيق (كيرتش)، -وهو مسطح مائي يقع بين روسيا وشبه جزيرة القرم المحتلة-، ووفقاً لبيانات AIS كان هذا هو نفس المكان الذي اختفت فيه آخر مرة من نظام AIS قبل أن يتم التقاطها في صور الأقمار الصناعية وهي تحمل الحبوب في ميناء (سيفاستوبول).