قبل سقوط نظام بشار الأسد ودخول المعارضة إلى دمشق رسميا، كانت التكهنات حول تفكك الجيش السوري مطروحة على الطاولة، وذلك على ضوء سيطرة فصائل المعارضة على مدينة حلب بسهولة تامة، إلى درجة أن الهجوم وصف بعملية "تسليم" فقط.
هذا الانهيار المفاجئ للمنظومة العسكرية السورية لم يكن مجرد نتيجة لعملية "ردع العدوان" العسكرية التي قادتها فصائل المعارضة، بل كان أيضا ناتجا عن عدة عوامل ساهمت في تدهور الجيش السوري على مر السنين.
وفي هذا السياق، حصلت وكالة "رويترز" عبر مراسليها في دمشق على وثيقة من مقر المخابرات الجوية، توثق جانبا من الحالة التنظيمية المتآكلة لقوات الجيش السوري. فما هي بعض أسباب الانهيار السريع للجيش النظامي ؟
•الزي العسكري متناثر في شوارع الشام
في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أوامر لجميع القوات بأن "تكون على أهبة الاستعداد القتالي"، أي قبل أسبوع تقريبًا من سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما أفادت وكالة "رويترز" بأن الإدارة العامة للمخابرات السورية اتهمت آنذاك عناصرها "بالتراخي في نقاط الحراسة في مختلف أنحاء البلاد، بعد أن اجتاحت المعارضة المسلحة إحدى نقاط التفتيش في الجنوب في الأول من ديسمبر/كانون الاول"، وحذرتهم من عقاب شديد إذا لم يقاتلوا. وكان هذا التحذير مؤشرا واضحا على القلق الشديد الذي انتاب النظام السوري.
ونقلت الوكالة عن عدد من المصادر قولها إنه "رغم الأوامر والتهديدات، بدأت أعداد متزايدة من الجنود والضباط في الفرار، بدلاً من مواجهة المعارضة المسلحة". وقد شوهد الجنود وهم يغادرون مواقعهم ويرتدون ملابس مدنية ويعودون إلى منازلهم، وذلك في الأيام القليلة التي سبقت سقوط نظام الأسد.
واليوم، بعد أسبوع من انهيار الحكم الديكتاتوري الذي دام لعقود، رصدت "رويترز" أن الزي العسكري للجيش النظامي لا يزال متناثرا في شوارع دمشق.
•الاعتماد على حلفاء أجانب غابوا في لحظة حاسمة
منذ اندلاع الثورة واندلاع القتال سنة 2011، أصبح الجيش السوري يعتمد بشكل متزايد على الحلفاء الأجانب مثل إيران وروسيا وحزب الله اللبناني لمواجهة عناصر المعارضة.
واتفق المراقبون على أن الوحدات الأجنبية كانت، في كثير من الأحيان، الأكثر كفاءة على أرض المعركة، بينما كانت الوحدات السورية تعاني من نقص في التدريب والعتاد.
كما اعتمدت قيادة الجيش السوري بشكل كبير على المستشارين الإيرانيين، خصوصا في ما يتعلق بالاستراتيجيات والعمليات العسكرية. ولكن مع غياب عناصر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في الأسابيع والأشهر الأخيرة، بسبب انشغالهم بالتصعيد في لبنان، واجه الجيش السوري صعوبات في تنظيم دفاعاته.
•40 دولار أمريكي شهريا..
وأدى الفساد المستشري داخل الجيش السوري، وكذلك في النظام بشكل عام، إلى تفاقم الوضع. حيث تشير تقارير وكالة "رويترز" إلى تورط بعض الضباط في قضايا فساد واسعة، مثل بيع المعدات العسكرية و تلقي رشاوى للسماح للجنود بتجنب الخدمة العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التقارير أن الرواتب المنخفضة دفعت العديد من الجنود إلى مغادرة مواقعهم بحثا عن سبل أخرى لتأمين قوتهم. وقال أحد المجندين في حديثه لوكالة "رويترز" إنه كان يتقاضى 500،000 ليرة سورية فقط شهريا، أي ما يعادل نحو 40 دولارا أمريكيا، وهو مبلغ بالكاد يغطي الحد الأدنى من احتياجات الحياة.
كذلك نقلت الوكالة في تقريرها، عن ضابط مخابرات عسكرية كبير في الخدمة قوله، من دون كشف هويته، إن "الغضب في صفوف العساكر تصاعد على وجه الخصوص في العام المنصرم، مضيفا أنه كان هناك سخط متزايد تجاه الرئيس السابق حتى بين كبار مؤيديه المنتمين إلى الطائفة العلوية"، وفق تعبيره.
وبسبب هذه العوامل، كانت الوحدات العسكرية غالباً تعمل بنصف عددها الأصلي.
•انقسام وتفكك جيش بشار الأسد
وتطرق تقرير وكالة "رويترز" أيضا إلى ضعف التنسيق داخل صفوف الجيش السوري. فبينما كانت فصائل المعارضة تنسق عملياتها العسكرية من خلال غرفة عمليات موحدة، كان جيش بشار الأسد يفتقر إلى قيادة واضحة، حيث تلقت الوحدات العسكرية أوامر متضاربة. بعض الجنود أُبلغوا بضرورة الانسحاب، بينما طلب من آخرين التوجه إلى حمص.
هذا الوضع أدى إلى سقوط مدينة حلب في 29 نوفمبر/تشرين الثاني دون أي مقاومة تذكر، إذ تم إصدار أوامر بعدم مواجهة هجوم الفصائل، وغابت التوجيهات في بعض الأحيان، ما جعل الجنود يجدون أنفسهم بلا قيادة واضحة أو استراتيجية موحدة.
كما أن القيادة العسكرية كانت تتغير باستمرار، ليزداد الوضع سوأ بعد مغادرة المستشارين الإيرانيين، الذين كانوا يديرون فعليا العديد من الأنشطة العسكرية الهامة.