لم يكن سامي (اسم مستعار)، الشاب اليمني البالغ من العمر أربعة وعشرين عاماً، يتخيل أن ينتهي به المطاف على جبهات قتال ضارية تتناثر فيها أشلاء رفاقه، وتتطاير من حوله الرصاصات وشظايا القذائف على بُعد سنتيمترات قليلة من جسده المتجمد. معركة لا تعنيه، في أرض غريبة لا يعرف عنها شيئاً. لقد وقع ضحية خدعة براقة، بحصوله على فرصة عمل في روسيا؛ بعدما استغلت جهات مُجنِّدة حاجته الاقتصادية وظروفه الصعبة، ليجد نفسه فجأة في قلب معركة نيابة عن الروس، فاضطر إلى الانسحاب زحفاً تحت وابل من قذائف مسيّرات تلاحقه أينما توجه.
في تسجيلات صوتية أرسلها لأصدقائه عبر تطبيق "واتساب"، حذّر سامي من الوقوع في فخ الوعود الكاذبة، أو الرضوخ للضغوط التي تمارسها قيادة المعسكرات الروسية لإرسالهم إلى جبهات القتال. أخبرهم كيف أقنعه القادة هناك، مع رفاقه، بأنهم سيحظون بدعم جوي لحمايتهم، لكنّه وجد نفسه مصاباً، مكشوفاً، وعلى بعد خطوات قليلة من "العدو"، حيث استهدفتهم طائرات مسيرة تابعة للجيش الأوكراني، بقذائف أودت بحياة ثلاثة من رفاقه أمام عينيه في منطقة توكماك.
يتتبع هذا التحقيق عمليات تجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا لصالح الجيش الروسي، بتنسيق من شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار. تستغل هذه الشركة الشباب اليمنيين بتقديم وعود بتوفير فرص عمل في روسيا، لكن بمجرد وصولهم، يُنقلون إلى معسكرات تدريب لبضعة أيام قبل أن يُدفع بهم إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال.
يوثّق التحقيق أيضاً التحاق 227 مجنداً يمنياً بصفوف الجيش الروسي، قتل ستة منهم وأصيب سبعة آخرون، كما أن بعض المصادر والشهود تشير إلى ارتفاع عدد المجندين إلى نحو 429 يمنياً، إضافة إلى حصيلة مجهولة من المفقودين. في حين يُحتجز آخرون حالياً في معسكرات روسية، ويجبرون على أداء أعمال شاقة؛ مثل قطع الأخشاب وحفر الخنادق لأكثر من 14 ساعة يومياً، عقاباً لهم بعد إضرابهم عن الطعام ومطالبتهم بالعودة إلى اليمن، ورفضهم الانخراط في القتال. ورغم هذا، ما تزال عمليات التجنيد قائمة حتى 17 من تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
حالة المجندين اليمنيين، تشابه معسكرات التجنيد العثمانية الإجبارية لأهالي الشام والمدنية المنورة، التي عُرفت باسم "سفر بلك".
شركات عالمية تنشط في تجنيد اليمنيين، من خلال شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار، المملوكة للواء العسكري والبرلماني السابق، عبد الولي الجابري، المحسوب على جماعة الحوثي، والمقرب من قيادتها. وبحسب سِجل الشركة ومقرها سلطنة عُمان، فإن تاريخ تسجيلها كان في الرابع من تشرين أول/أكتوبر 2022، وبرأس مال قدره 20 ألف ريال عُماني، أي ما يعادل 52 ألف دولار أميركي.
بالتدقيق في العقود التي حصل عليها معد التحقيق، والتي تمّ الاتفاق عليها مع المُجنَّدين، يتبيّن حجم التضليل الذي تعرضوا له؛ فعلى الرغم من أن البند الثاني من العقد ينص على أن "يتولى الطرف الأول (الشركة الوسيطة) مسؤولية توفير العمل المناسب واللائق للطرف الثاني في الأراضي الروسية، بناء على ما يحمله الطرف الثاني من مؤهلات وخبرات وإمكانيات"، فإن العقد تضمن أيضاً جملة فضفاضة تتيح للشركة توظيفهم في "مجالات مدنية أو أمنية أو عسكرية"؛ رغم أن الغالبية ليست لديها أي خبرة عسكرية، وبالتالي تمّ تدريبهم وأجبروا على خوض المعارك.
عقد شركة الجابري
يشرح علي ناصر (اسم مستعار)، الموجود حالياً داخل معسكر روسي، كيف تمت عملية تجنيده وآخرين: "كنت أعمل في مجال التوصيل بالعاصمة العُمانية مسقط، وبسبب عدم وفرة العمل، وعجزنا عن الإيفاء بالالتزامات الشهرية لعائلاتنا في اليمن، كنا نبحث عن أعمال أخرى، حتى وجدنا محمد العلياني في سلطنة عمان، قال لنا إنه يعمل في شركة توظيف وأنها توفر أعمالاً في روسيا، وتعرفنا على عبد الولي الجابري وشركته، بعدها استدرجونا بالكلام الحلو ووعدونا بوظائف في روسيا، حتى قالوا لنا ممكن نأخذ جنسية روسية".
بعد تلك المقابلة مع الجابري، سلموا جوازات السفر في نيسان/إبريل 2024، حيث تأخرت داخل السفارة الروسية في مسقط، وأُخبروا أنهم لن يحصلوا عليها إلا في يوم السفر، وأن التراجع عن السفر غير مسموح.
التأشيرات الروسية
في الثاني من آب/أغسطس من العام نفسه (2024)، ذهبوا إلى مطار مسقط، وتسلموا عند بوابته جوازات السفر، وأُجبروا على توقيع عقود لم يستلموا نسخة منها.
كان 38 يمنياً على متن تلك الرحلة، حيث رافقهم شخص يدعى ديمتري، روسي الجنسية، ساعدهم على تخليص المعاملات في مطاري مسقط ودبي؛ ثمّ اختفى بمجرد الوصول إلى مطار دوموديدوفو الدولي في العاصمة الروسية موسكو.
دميتري.. الروسي المتعاون مع شركة الجابري
بمجرد وصولهم موسكو، سُحبت جوازات السفر من اليمنيين، وأصبحت الهواتف الخلوية تحت المراقبة، بحسب ما روى أكثر من مجند يمني.
وقّعت المجموعة من جديد على عقود باللغة الروسية، لم يعرفوا تفاصيلها، ومُنعوا من تصوير هذه العقود بحجة أنها عقود أمنية سرية.
بعدها استقبل المجموعة هاني الزرقي، مندوب شركة الجابري في روسيا، وكان برفقته شخصان مفتولا العضلات، ثمّ انتقلوا جميعاً مباشرة إلى معسكر في منطقة روستوف نا دون، قرب الحدود الأوكرانية. أخبروهم هناك أنهم بحاجة إلى تدريبات عسكرية بهدف "الدفاع عن النفس"، حيث استغرق التدريب، الذي شمل الرماية واستخدام القذائف والألغام الأرضية وحفر الخنادق، مدة تتراوح بين 15 إلى 25 يوماً، وفق المجندين.
بعد مرور عشرة أيام، اكتشفت المجموعة عن طريق طبيب مصري روسي يُدعى حسن، ويعمل مترجماً وطبيباً في وزارة الدفاع الروسية، بأنهم تعرضوا للاحتيال، وأنهم سيُرسلون للقتال، كما أن الشركة التي جلبتهم هي شركة عسكرية. وبالفعل، أُجبروا بعدها على الذهاب إلى جبهات القتال.
منذ تسع سنوات، يواجه اليمن أزمة إنسانية هي الأكبر عالمياً، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، نتيجة الحرب التي اندلعت في 26 آذار/مارس 2015، بعد انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية، وما تلاها من تدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات. اليوم، تسيطر جماعة الحوثي على نحو 22,8 في المئة من مساحة اليمن، وتحديداً في عشر محافظات تقع في الشمال والشمال الغربي، بالإضافة إلى المحافظات الجنوبية والشرقية والجنوب الغربي أيضاً. هذه الحرب أفرزت مأساة إنسانية يعانيها اليوم 22 مليون يمني؛ نتيجة تدمير الاقتصاد كلياً، ما أدى إلى تفاقم معدلات البطالة بين الشباب، ودفع الملايين إلى حافة الفقر.
يقول عبد الواحد العوبلي، الباحث في الاقتصاد اليمني: "الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اليمن، دفعت العديد من الشباب اليمنيين إلى البحث عن أيّ فرصة للخروج من دائرة الفقر والبطالة... وبسبب هذه الظروف، أصبح الشباب عرضة للاستغلال، بعضهم كان يُدرك بأنه سيذهب للقتال، ولكنّه بسبب اليأس وانعدام البدائل، يجد نفسه مجبراً على قبول المخاطر".
لم يتوقف الاحتيال الذي تعرض له الشباب اليمنيون عند طبيعة العمل المُكلفين به في روسيا، بل وصل الأمر إلى توقيعهم عقوداً، تُخوّل شركة التجنيد الروسية بأخذ مستحقاتهم المالية. هذه التفاصيل عرفوها فيما بعد عن طريق الطبيب المصري. الأمر الذي حدث بالفعل عند استلامهم بطاقات بنكية من دون أيّ تأمين، وجدوا فيها مبلغ 350 دولار أميركي فقط (36 ألف روبل)، خلافاً لعشرة آلاف دولار متفق عليها في مسقط.
وبحسب الطبيب المصري -الذي أوضح لمعد التحقيق بأن المجندين أُجبروا على توقيع هذه المستندات تحت الضغط والتهديد- فإن راتب المجند الرسمي في الجيش الروسي يبلغ نحو 36 ألف روبل، لكنّ راتب الحرب يصل لـ 195 ألف روبل. في المقابل، حصل اليمنيون على 36 ألف روبل فقط، فيما احتفظت شركة التجنيد الروسية بباقي المستحقات المالية. ووفق الإجراءات الرسمية المُتبَعة، يحصل مصابو الحرب على ثلاثة ملايين روبل، وأهل القتيل على 12 مليون روبل، لكنّ الشركة الروسية تحتال على المجندين اليمنيين بموجب التفويض الموقع منهم.
كما أكد الطبيب وجود شركات تجنيد، يديرها ضباط روس متقاعدون، تستغل الشباب الأجانب، من بينها شركة جندت يمنيين عبر شركات أخرى في اليمن وسلطنة عُمان، وعند وصولهم موسكو تمّ توقيعهم عقوداً باللغة الروسية، مستغلة جهلهم بالقانون واللغة الروسية.
يشرح الطبيب ذلك قائلاً: "تُجبرهم الشركة على توقيع مستندات سرية من دون قراءتها، وتمنعهم من تصويرها، وعند وصول المجندين، يُعطَون بطاقات بنكية بها مليون و900 ألف روبل، لكن الشركة تسحب منها مليوناً و500 ألف روبل لاحقاً، ولا يتمكن المجندون من ملاحقتها قانونياً، لأن وسطاء يمنيين (شركة الجابري) يسهلون الاتفاق مع الشركة الروسية".
من خلال التتبع والتقصي، تبيّن وجود علاقة قديمة بين عبد الولي الجابري وجماعة الحوثي، تعود إلى عام 2015، بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، حيث تحالف معهم أثناء قيادته للواء 115 مشاة، وقام بتسليم عتاد المعكسر للمسلحين الحوثيين، وهو ما أقره حكم للمحكمة العسكرية في مأرب عام 2020، بإدانة عبد الولي الجابري.
وقد زاره صالح الصماد، رئيس ما يُسمى بالمجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، أثناء مرضه في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، ولكنّه غادر إلى مسقط أواخر عام 2018، على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة لتلقي العلاج هناك، ليعود إلى اليمن في 2020. تكررت زياراته لسلطنة عمان عبر طائرات الأمم المتحدة والوساطة العُمانية، التي كانت تنقل الوفود التابعة للحوثيين من صنعاء إلى مسقط.
لم يكن عبد الولي الجابري الوحيد من بين أسرته الذي تربطه علاقة بالحوثيين؛ فيعمل شقيقه (عبد الواحد عبده حسن الجابري) في جهاز المخابرات التابع للجماعة بمحافظة تعز، وتمّت ترقيته ضمن ضباط وزارة الداخلية التابعة للحوثيين عام 2018، وتمّ تعيين ابن شقيقه الآخر (جميل هزاع عبده حسن الجابري) عضواً في مجلس الشورى التابع للجماعة عام 2021.
وثّق معد التحقيق عبر مقابلات مع أسر مفقودين يمنيين في روسيا، عدم معرفة مصير أبنائهم.
يقول علي الضراسي، شقيق عبد الرحمن الضراسي، أحد المجندين اليمنيين المفقودين في روسيا: "كان شقيقي يعمل في محل لبيع الخضروات في سلطنة عمان، تمّ خداعه من قبل شركة الجابري في مسقط، واستغلوا وضعه المادي، وأخبروه بأنه سيعمل في روسيا في مزرعة خضروات، وبأنه سيصبح مؤهلاً لأخذ الجنسية الروسية وكل أسرته، وهو ما جعله يذهب ويسلم جواز سفره لهم".
يواصل شقيق عبد الرحمن بأن أخاه التقى الجابري شخصياً بمنطقة نائية في مسقط، عندما علم بأنه سيذهب للتجنيد، خاصة أنه من الدفعة الثانية، وطلب من الجابري إعادة جواز سفره، لكنّه طمأنه بأنه سيعمل في مزرعة خضروات، وهدّده بأنه سيدفع ألفي دولار تكلفة المعاملات الرسمية؛ إذا أصر على موقفه.
يضيف شقيق عبد الرحمن: "عندما وصل إلى روسيا، أُخذ للمعسكرات كبقية الشباب، وسُحبت هواتفهم، وانقطع الاتصال معه إلى قبل يوم الحادثة التي فُقد فيها، حيث تواصل معنا وأخبرنا بأنهم أُجبروا على التدريب العسكري، وبأنه سيذهب للقتال في اليوم التالي".
في 25 أيلول/سبتمبر 2024، انقطع الاتصال مع عبد الرحمن، بعد انفجار مدرعة كان بداخلها في الأراضي الأوكرانية، لكن لم يُعثر على جثته، ولا يُعرف مصيره حتى اليوم، بحسب شقيقه.
صور القتلى وأرقامهم العسكرية
يوضح علي ناصر بأن احتمالية أن تكون نسبة المفقودين في الأسر ضئيلة جداً، لأن الأوكرانيين يهتمون بأسر الجنود والضباط الروس فقط.
وعن كيفية تمييز المقاتلين الروس عن غيرهم، يقول ناصر: "يتمّ وضع إشارات حمراء على كتف وخوذة كل مقاتل غير روسي، وهي الإشارة التي تظهر في صور وفيديوهات القتلى من المجندين اليمنيين أثناء العمليات العسكرية".
ويضيف بأن الأوكرانيين يقومون بالشيء نفسه لتمييز جنودهم عن المقاتلين الأجانب، حيث يميز الجيش الروسي مقاتليه بإشارات بيضاء اللون، في حين يميز الجيش الأوكراني جنوده باللون الأصفر.
تحاول السلطات اليمنية التابعة للحكومة الشرعية، والمسيطرة على منفذ صرفيت بين محافظة المهرة اليمنية وسلطنة عمان، الحد من دخول الشباب اليمنيين للسلطنة، حيث يُعتقد أنهم سيتجهون إلى روسيا.
في 11 آب/أغسطس 2024، ضبطت السلطات في منفذ صرفيت نحو 26 شخصاً كانوا في طريقهم إلى سلطنة عمان للسفر إلى روسيا؛ بعضهم لديه تأشيرات سفر طلابية إلى روسيا، تمّ استخراجها لهم من قبل شركة الجابري، بحسب وثيقة حصل عليها معد التحقيق من سلطات المنفذ، وهي كشف بأسماء من ضُبطوا، ضمن ملف تمّ إرساله إلى وزارة الداخلية اليمنية.
وثيقة لوزارة الداخلية تظهر تفاصيل ضبط 26 مواطناً في طريقهم إلى روسيا عبر سلطنة عُمان
تواصل معد التحقيق مع أشخاص كان قد تم التنسيق معهم للسفر إلى روسيا، عبر مكاتب شركة الجابري في محافظة تعز اليمنية؛ كان من بينهم أمجد محمد، الذي شرح طرق التجنيد في الداخل اليمني، حيث قرر عدم السفر في اللحظات الأخيرة، على الرغم من الانتهاء من إجراءات السفر كافة.
وبحسب أمجد، يتم التقديم في مكتب شركة الجابري بتعز، بشكل فردي أو جماعي، ثمّ تُرسل الجوازات إلى سلطنة عمان، ومنها إلى روسيا بعد تجميعهم في دبي.
في الرابع من كانون الثاني/يناير 2024، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يمنح الجنسية الروسية للمواطنين الأجانب، الذين وقعوا عقوداً لمدة عام مع الجيش الروسي ووزارة الدفاع؛ وذلك لاستقطاب المزيد من المجندين من خارج روسيا، للانضمام لصفوف الجيش الروسي، أو التشكيلات العسكرية.
وينص المرسوم على تسريع حصول المجندين على الجنسية، بعد قضاء ستة أشهر في الخدمة العسكرية، وهي إحدى استراتيجيات الحكومة الروسية لمعالجة نقص الموارد البشرية العسكرية، خاصة أثناء الحرب الحالية في أوكرانيا.
وخلال العمل على التحقيق، تواصلت ضابطة سابقة في الجيش الروسي مع معد التحقيق، وطلبت منه تزويدها بأسماء وتفاصيل المجندين اليمنيين في المعسكرات الروسية، بحجة مساعدتهم في الحصول على حقوقهم.
طلبتْ "الضابطة" السابقة صور التأشيرات وصور جوازات السفر، وأكدت أن الجيش الروسي يدفع ثمانية آلاف دولار لكل مجند، وأنها تريد هذه التفاصيل للمساعدة والمتابعة لإعطاء المجندين حقوقهم، ليتضح فيما بعد أن اسمها بولينا إلكسندروفا، وهي تمتلك شركة للتجنيد أيضاً.
إلكسندروفا جندت 31 يمنياً في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وحصل معد التحقيق على صور جوازاتهم، من مصدر ضمن الجالية اليمنية بروسيا، والذي أكد وصول هؤلاء المجندين لموسكو، وترحيلهم إلى معسكرات التدريب داخل الأراضي الأوكرانية، وأنها لا تزال تقوم بالتجنيد عبر وسطاء يمنيين متعاونين معها، من داخل الأراضي الروسية.
جوازات آخر دفعة من المجندين
يرى محمد أمين الوتيري، الباحث في القانون الدولي والعدالة الانتقالية، أن ما تقوم به روسيا من تجنيد لمقاتلين من دول مختلفة للقتال في صفوفها، هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني الذي يجرم تجنيد، أو تمويل أو تدريب المرتزقة، وفقاً للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد، واستخدام، وتمويل أو تدريب المرتزقة، الصادرة في كانون الأول/ديسمبر 1989.
يشرح قائلاً: "وفقاً للاتفاقية، فإن الشخص الذي يقاتل في أراضي دولة لا يحمل جنسيتها، ولا يوجد لديه ارتباط قانوني بها، بغرض تحقيق أهداف خاصة، مثل مكاسب مالية أو غيرها؛ فإنه بحسب الاتفاقية مرتزق، ويتم التعامل معه باعتباره مجرماً، ولا يتمتع بأيّ من الحقوق التي يتمتع بها الجنود في الجيوش؛ بما في ذلك التعامل معهم باعتبارهم أسرى حرب حال أسرهم، إلى جانب فقدانهم الحماية وغيرها من الحقوق، التي كفلها القانون الدولي الإنساني للمقاتلين".
يضيف الوتيري: "هناك تخوف آخر وهو أن يرتبط تجنيد المقاتلين من الدول النامية، ذات الدخل المنخفض، واستغلال حاجة مواطنيها للمال بالاتجار بالبشر؛ خاصة في الحالات التي يتم فيها تجنيد أطفال دون 18 عاماً، والذي تجرمه اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2000 لمكافحة الاتجار بالبشر".
صورة من الرسالة المرسلة للسفارة اليمنية بموسكو
ويبقى مئات اليمنيين عالقين في صفوف الجيش الروسي، يناشدون الجهات الحكومية اليمنية بالتدخل لإنقاذهم؛ من بينهم سامي، الذي ما زال جريحاً بأحد المعسكرات داخل الأراضي الأوكرانية.
يضيف سامي: "والله وضعنا يُرثى له للأمانة، وضعنا سيء جداً، نطالب بخروجنا، نشتي نرجع بلادنا، ضحكوا علينا وغشونا ومشوا معانا من بداية المسار بالخداع والكذب للأسف".
تلقينا رداً من السفير أحمد الوحيشي، سفير الجمهورية اليمنية في روسيا، أكد من خلاله متابعة القصة مع الجانب الروسي: "بموجب توجيهات من وزارة خارجيتنا، تمّ اللقاء ومخاطبة الجانب الروسي وعودة مجموعة من هؤلاء المواطنين، والسفارة بخدمة المواطنين ومستمرة بجهودها في ذلك".
في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أطلق غنام يحيى، أحد اليمنيين في إحدى الجبهات الروسية داخل أوكرانيا النار على نفسه؛ احتجاجاً على المعاملة السيئة التي يتعرض لها من قبل الجيش الروسي، حيث تعرض للاعتداء الجسدي بسبب رفضه أوامر عسكرية.
لم يكن غنام الوحيد الذي أصاب نفسه احتجاجاً على المعاملة السيئة التي تلقاها، فقد قام مجندان آخران بالشيء ذاته أمام القادة الروس، بعد الاعتداء عليهما وإهانتهما.
أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج.