تحليل: ماذا يعني فوز دونالد ترامب بالنسبة للشرق الأوسط؟
يمن فيوتشر - The New Arab- ترجمة ناهد عبدالعليم الخميس, 14 نوفمبر, 2024 - 07:46 صباحاً
تحليل: ماذا يعني فوز دونالد ترامب بالنسبة للشرق الأوسط؟

عودة الرئيس المنتخب (دونالد ترامب) إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المقبل ستأتي بآثار عميقة على مستقبل سياسة واشنطن الخارجية في الشرق الأوسط.
 بعد 13 شهرًا من الصراعات المتزايدة والآخذة في الاتساع، هناك العديد من الأسئلة المفتوحة حول كيفية تعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع المنطقة. يعتبر ترامب شخصاً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، والتنبؤ بالكيفية التي سيواجه بها تحديات السياسة الخارجية ليس بالأمر السهل.
 ولكن هناك الكثير مما يجب النظر إليه منذ ولايته الأولى - اتفاقيات أبراهام، والانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، و"الضغط الأقصى" على طهران، ومقتل قائد فيلق القدس الإيراني (قاسم سليماني)، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية بشأن مرتفعات الجولان السورية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وزيادة مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، والرد على مقتل (جمال خاشقجي)، وما إلى ذلك.
ومع ذلك، لن يتمتع ترامب برفاهية الاستمرار من حيث توقف في يناير/كانون الثاني 2021، نظراً لمدى التغير الكبير الذي طرأ على الشرق الأوسط منذ الفترة 2017-2021. وسيواجه حقائق جديدة في المنطقة بعد عودته إلى مكتب البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2025.
 وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن إدارة جو بايدن حافظت على قدرٍ كبير من الاستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ ولاية ترامب الأولى.
و على الرغم من انتقاد ترامب لتخريبه خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو/ آيار 2018، ووصف هذه الخطوة بأنها "خطأ فادح" و"أزمة غير ضرورية"، إلا أن بايدن لم يتخذ الخطوات اللازمة لإعادة صياغة هذا الاتفاق النووي متعدد الأطراف خلال فترة رئاسته.
 ولم يتراجع عن قرارات ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. كما بذل بايدن قدرًا هائلاً من الطاقة الدبلوماسية في السعي للبناء على إرث ترامب في اتفاقات أبراهام من خلال محاولة جلب المزيد من الدول العربية إلى معسكر التطبيع الإسرائيلي.
و قالت الدكتورة (مارينا كالكولي)، زميلة البحث في جامعة كولومبيا، في مقابلة مع العربي الجديد: "ليس من المرجح أن نشهد تحولاً في الجوهر، بل في الأسلوب. و من الجدير بالذكر أنه -على الرغم من انتقاد بايدن لتصرفات ترامب- إلا أنه لم يغير السياسة الخارجية الأمريكية بشكلٍ جذري تجاه الشرق الأوسط".
 وأضافت: "لقد عمل بايدن كثيرًا ضمن إرث ترامب المتمثل في استبدال القانون الدولي بالمراسيم الأمريكية، ويمكننا أن نتوقع أن يأخذه ترامب من هناك فقط بطريقة أكثر عدوانية و وضوح".

 

اتفاقيات أبراهام والحروب في غزة ولبنان:
 أدى التوغل الذي قادته حماس إلى جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة إلى تبديد فكرة أن القضية الفلسطينية لم تعد تهم الدول والمجتمعات العربية ويمكن ببساطة دفنها بموجب الاتفاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
 لذلك، في حين أن ترامب قد يواصل إدارته الأولى وجهود بايدن لتوسيع نطاق اتفاقيات أبراهام، فإن الديناميكيات السياسية والاجتماعية الحالية في العالم العربي ستجعل ذلك أكثر صعوبة بكثير.
 وبغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، إلا أن الأشهر الثلاثة عشر الماضية من الهمجية الإسرائيلية في غزة، ومؤخرًا في لبنان، جعلت الحديث عن التطبيع أكثر سُمّية من أي وقت مضى في العالم العربي. و بالنسبة للدول العربية، فقد زادت المخاطر السياسية المرتبطة بالدخول في اتفاقيات أبراهام بشكل كبير. و المخاوف من ردود الفعل المحلية والإقليمية العنيفة تجعل الأنظمة العربية غير راغبة حتى في تناول التطبيع كموضوع.
ومع ذلك، قد يكون فريق ترامب (مثل فريق بايدن) غير مبالٍ بهذه العوامل، التي لا يمكن للقادة وصُناع السياسات العرب تجاهلها، ويواصلون محاولة جلب المزيد من الدول الإقليمية إلى معسكر التطبيع.
 ومع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ وربما السيطرة على مجلس النواب، يمكن لترامب تقديم الحوافز التي عرضتها إدارة بايدن للسعودية مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، من المرجح أن يصر السعوديون على التزام لا رجعة فيه بحل الدولتين كشرطٍ للتطبيع الكامل.
 و سيظل ذلك أمراً مستبعداً بالنسبة للإسرائيليين، كما أن غياب مثل هذا الالتزام سيظل مستبعداً بالنسبة للجماهير العربية.
و من المرجح أن تستهلك الحروب المستمرة في غزة ولبنان الكثير من طاقة السياسة الخارجية لإدارة ترامب في الشرق الأوسط في وقتٍ مبكر. وبينما من المرجح أن يكون ترامب داعمًا لإسرائيل، فمن غير الواضح ما إذا كانت اليد الحرة التي تلقاها رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) من بايدن ستستمر في عهد ترامب.
 وفي حديثه إلى TNA قبل تسعة أيام من الانتخابات، قال الدكتور (ستيڤن رايت)، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة حمد بن خليفة: "قد يضع ترامب، على وجه الخصوص، نفسه كوسيط للصفقات، ويرى أن التسوية السلمية هي إنجاز حاسم. و أعتقد أن السؤال الرئيسي ليس فقط من سيفوز، بل مدى السرعة التي يمكن بها للإدارة القادمة تطوير سياسة إقليمية فعالة."
منذ بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، زاد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، مما سمح لإسرائيل بمواصلة عملياتها العسكرية. ولكن، "طالما انتقد ترامب بشدة استمرار الانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وسيعارض الكثير من قاعدته الانتخابية، و ليس جميعهم، أي تصعيد عسكري رئيسي قد يقود الولايات المتحدة إلى حرب شاملة مع إيران".
و أشارت الدبلوماسية الأمريكية السابقة إلى خطاب الفوز لترامب الذي تطرق فيه إلى تضمين الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين الأمريكيين في تحالفه. وقالت: "على الرغم من أن هذا لا يعادل تحولًا كبيرًا في السياسات، إلا أنه تحول في النبرة يستحق المتابعة".
وأضافت (سارة ليا ويتسون)، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية للعالم العربي الآن (DAWN)، في مقابلة مع TNA: "لا يمكن للشخص سوى أن يأمل أن يكون ترامب وفيًا لإعلاناته العامة خلال الحملة الانتخابية بأنه سيسارع إلى إنهاء الحرب في غزة، وهو ما يعني فقط إجبار إسرائيل على وقف قصفها وحصارها لسكان غزة".
وأضافت: "عبر ترامب أيضًا عن رفضه لأي حرب موسعة في الشرق الأوسط، لذا يُأمل أيضًا في أن يثني إسرائيل عن جهودها لتوسيع الحرب لتشمل الولايات المتحدة وإيران. ومع ترامب، من الصعب توقع أي شيء بيقين".

و لا تظهر آراء خبراء آخرين أي سبب يدعو للتفاؤل بشأن إمكانية ترويض ترامب لآلة الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان. ومع ذلك، هذا لا يعني تغييرًا كبيرًا في السياسة الأمريكية خلال الـ 13 شهرًا الماضية التي لم يستخدم البيت الأبيض نفوذ واشنطن لممارسة أي ضغط حقيقي على تل أبيب لتغيير سلوكها، بل بدلاً من ذلك قام بتقديم كلام فارغ وعبر عن آراء غير مرتبطة بأي إجراء ملموس.
و وفقًا لتصريحات (تشارلز دان)، دبلوماسي أمريكي سابق خدم في القاهرة والقدس: "أتوقع أن يستمر ترامب في دعم إسرائيل ونتنياهو بشكل كامل في حملاته العسكرية في غزة ولبنان، مع وجود 'خطوط حمراء' أقل من بايدن؛ و يبدو أنه يفضل نهاية سريعة للقتال، ولكن هذا يعني أن تحظى إسرائيل بحرية مطلقة من الولايات المتحدة للقيام بما تحتاج إلى فعله عسكريًا لتحقيق ذلك. و سيتم التركيز بشكلٍ أقل على تلبية الاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين وربما لا يتم التركيز على الإعمار في غزة وعلى آفاق سياسية تقوم على حل الدولتين".
و أضاف: "خلال الأشهر القادمة، أعتقد أن إسرائيل ستتجاهل أي تحذيرات من إدارة بايدن، علمًا بأنها يمكنها الاعتماد على دعم ترامب الكامل عندما يدخل المنصب. هذا لن يؤدي بالضرورة إلى تصعيد كبير في الإجراءات العسكرية ولكن سيعني أن إسرائيل ستشعر بالحرية لتحقيق أهدافها الحربية بأي شكل يراه مناسب. لا يبدو أنه سيختلف كثيرًا عن الوضع الحالي".
لا يتوقع د. نادر الهاشمي، مدير مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم بين المسلمين والمسيحيين في جامعة جورجتاون، تغييرًا كبيرًا في سياسات واشنطن تجاه حروب إسرائيل في بلاد الشام بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في بداية عام 2025.
و وفقًا لتصريحاته لـ TNA: "أعتقد أن التأثير الفوري لرئاسة ترامب على الصراعات في لبنان وغزة سيكون مكتومًا ومحدودًا تمامًا. ذلك لأن كلا الحزبين السياسيين لديهم رؤية مشتركة لما يجب أن تكون عليه سياسة الخارجية الأمريكية تجاه تلك الصراعات، وهي دعم شبه كامل لإسرائيل ولأي شيء تقوم به، وأي سياسة تتبعها".
وصرحت الدكتورة كالكولي: "يمكننا توقع استمرار إبادة غزة وتطهير جنوب لبنان، على الرغم من أن ترامب سيرغب على الأرجح في حث إسرائيل على إغلاق هذه الجبهات بسرعة، حيث سيكون أكثر حذرًا في منح إسرائيل دعمًا عسكريًا أكثر من بايدن".
و أضافت: "قد يؤدي ذلك إلى عمليات عسكرية أكثر شدة وعدوانية مما نشهده الآن. ومن المرجح أن يتغير -بالتأكيد نحو الأسوأ- نوع الدرع الدبلوماسي والقانوني الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل، على الرغم من أن إدارة بايدن قد وضعت العتبة منخفضة بالفعل".

إيران:
 تقييم كيفية تعامل إدارة ترامب الثانية مع إيران ليس بالأمر السهل. والسؤال الرئيسي هو: هل سيكون ترامب منفتحاً على الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية أم سيختار بدلاً من ذلك حملة "الضغط الأقصى 2.0" التي لا تتضمن أي حوار مع القيادة في طهران؟
 كمرشح، أعرب ترامب عن انفتاحه على التوصل إلى اتفاقٍ كبير مع إيران. ولكن ما إذا كان أولئك الذين يخدمون إدارته الثانية والسلطات في طهران سيكونون على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة لمثل هذه الصفقة الشاملة، تعتبر أسئلة منفصلة.
 على الأرجح، سيحافظ البيت الأبيض في عهد ترامب على العداء العلني تجاه إيران، لكنه سيكون على استعداد بشكلٍ سري للتفاوض على صفقة جديدة مع طهران، مما يضمن بشكل أساسي سياسة متناقضة ومختلة تجاه إيران على مدى السنوات الأربع المقبلة.
 ويخشى الدكتور الهاشمي من أن خطر الحرب بين الولايات المتحدة وإيران سيزداد بشكلٍ كبير بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى "مستشاري السياسة الخارجية والمؤيدين لإسرائيل، من حزب الليكود" الذين من المحتمل أن يخدموا إدارته.
و صرح لـ TNA: "تذكروا أنه في فترة ولاية ترامب الأولى في منصبه، كادت الولايات المتحدة أن تخوض حربًا مع إيران في ثلاث أحداث، وأظن أن هذا سيكون هدفًا رئيسيًا لمستشاري ترامب في السياسة الخارجية، لمحاولة متابعة تغيير النظام في إيران على أمل ساذج بأن إذا كان من الممكن غزو إيران والإطاحة بالنظام، فيمكن إحلال السلام في الشرق الأوسط. و أعتقد أن هذا الأمر مدرج الآن على جدول الأعمال، وسيكون له عواقب كارثية على المنطقة بأكملها".

النفوذ العربي الخليجي:
 من بين العوامل المهمة التي ينبغي وضعها في الاعتبار مدى قدرة قادة بعض دول مجلس التعاون الخليجي ــوعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطرــ على إثبات قدرتهم على التأثير على ترامب خلال فترة ولايته الثانية.
وبعد بدء ولاية ترامب الأولى في عام 2017، ضغطت الرياض وأبو ظبي على فريق ترامب لدعم حصار قطر وإخضاع إيران لـ”أقصى قدر من الضغط”. لكن الديناميكيات في الخليج تختلف بشكلٍ كبير اليوم. وفي حال سعى ترامب إلى تكثيف العدوان الأمريكي تجاه طهران، فمن المشكوك فيه أنه سيتلقى الدعم من دول الخليج العربية التي اتخذت نهجًا جديداً تجاه إيران منذ مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021. ومن أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والتنويع، تركز دول مجلس التعاون الخليجي على الحفاظ على الأمن والاستقرار في الخليج قبل كل شيء. ومن الناحية العملية، فإن هذا يستلزم تخفيف التوترات داخل أسرة مجلس التعاون الخليجي والحفاظ على الانفراج الحالي مع إيران من خلال الحوار والدبلوماسية.
و هناك سبب وجيه للاستنتاج بأن أعضاء مجلس التعاون الخليجي وجماعات الضغط لديهم في واشنطن سيسعون لإقناع ترامب بتجنب الإجراءات تجاه الجمهورية الإسلامية التي قد تجعل الدول العربية الخليجية أكثر عرضة للضعف في حالة حدوث حرب محتملة تشمل إيران.
و هم أيضًا يرغبون في أن تضغط الإدارة القادمة على إسرائيل لتقليل حروبها في غزة ولبنان، والتي تعد من العوامل الرئيسية لعدم الاستقرار الإقليمي الذي يهدد مصالح حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الأوثقاء في الخليج.
و ما قد يكون ديناميكية مثيرة في واشنطن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في شهرين ونصف هو صدام بين جماعات الضغط الخليجية والمؤيدة لإسرائيل، حيث يحاول الأولون إقناع ترامب بتهدئة التوترات في الشرق الأوسط بينما يسعى الآخرون لحملة "الضغط الأقصى 2.0" ضد إيران ومحور المقاومة.
و بافتراض أن ترامب سيقود مرة أخرى كرئيس يتعامل بمقايضات لا توجهها المبادئ بل الرغبة في إبرام صفقات مربحة، سيكون من المهم رؤية ما يمكن أن يفعله قادة دول الخليج العربي للتأثير على ترامب بطرق يمكن أن تؤدي إلى تحولات كبيرة في سياسة واشنطن الخارجية في المنطقة.


التعليقات