يعكس مقتل "أكثر من 120 شخصا، بينهم مدنيون"، في مدينة مأرب اليمنية، منذ الخميس الماضي فقط، حجم تدهور الوضع الإنساني في المدينة التي تكتنف نحو خمسة ملايين نسمة، مع تواصل المعارك بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية.
منذ فبراير 2021، شن الحوثيون حملة عسكرية واسعة ضد مدينة مأرب، آخر معاقل السلطة المعترف بها دوليا في شمال البلد الغارق في الحرب، بهدف السيطرة عليها، لكن إراقة الدماء تتواصل بعد أشهر مع عدم الالتفات إلى التحذيرات الدولية بشأن الأوضاع الإنسانية السيئة أصلا، وأيضا رغم جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة لوقف الحرب.
وكانت مأرب قبل بدء محاولات الهجوم الحوثي ملاذا للنازحين، حيث يسكنها نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون نازح، بحسب وزير الإدارة المحلية اليمني السابق، عبد الرقيب سيف في حديثه مع موقع "الحرة"، مشيرا إلى أن "هذا يعني أن هذه المدينة يسكنها حاليا أكثر من خمسة ملايين نسمة، وأي هجوم يؤثر بصورة رئيسية على النازحين وعلى الوضع الإنساني" فيها.
•معظم القتلى من المدنيين
ويشير سيف، الذي ترأس سابقا اللجنة العليا للإغاثة، إلى أنه لا توجد معلومات دقيقة عن عدد القتلى، "لكن كثيرا من المعلومات تقول إن معظم القتلى من المدنيين في اليومين الأخيرين وصل إلى أكثر من 120 قتيلا، معظمهم من المدنيين"، متهما الحوثيين باستخدام صواريخ باليستية ضد التجمعات السكانية.
ويقول: "على سبيل المثال تم ضرب أحد المخيمات منذ فترة، وقبل يومين ضرب صاروخ باليستي تجمعات سكانية قريبة من مخيمات النازحين".
وفي الخامس من يونيو الجاري، تسبب استهداف صاروخي لمحطة وقود في مأرب بمصرع 14 مدنيا، وإصابة 5 آخرين، فضلا عن احتراق 7 سيارات وسيارتي إسعاف، كانت قد هرعت لمداواة الضحايا، إثر استهدافها بطائرة مفخخة أطلقتها الميليشيا بعد دقائق من إطلاق الصاروخ"، بحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة للحكومة الشرعية.
ويقول سيف إن "هذه ظاهرة سيئة لدى الميليشيات الحوثية، كلما هزمت في الجبهات أو تعز أو في مأرب أو مناطق المواجهات، تلجأ إلى ضرب المدنيين كنوع من إيجاد التعبئة العامة والانتصار المعنوي، ولذلك هي لا تراعي قوانين المعارك".
في المقابل يقول الإعلامي الحوثي، حامد البخيتي، "بالتأكيد خصوم صنعاء سيقومون باتهام الجماعة، بارتكاب جرائم، لكن لم يثبت على الحوثيين خلال سبع سنوات أنهم قاموا بضرب مدنيين".
وشدد البخيتي في حديثه مع موقع "الحرة" على أهمية "وجود تحقيق في هذه المزاعم والحوادث لمعرفة مرتكبيها"، لكنه استدرك قائلا: "بالنسبة لجماعة الحوثي فالمدينة بمثابة منطقة عسكرية، والضربات تأتي ضمن ترتيبات عسكرية، وما يحدث هو سيناريو طبيعي تمضي فيه قوات صنعاء.. لتحقيق أهداف معينة".
وكان اليمنيون يختارون مأرب للهروب إليها من وقع المعارك، "لأنها كانت أكثر المناطق استقرارا وأمنا.. كما أنها كانت تقبل كل أبناء اليمن دون تفرقة، وكانت تتميز بالتنوع السكاني، لكن مأرب تغيرت الآن بنسبة 90 في المئة من حيث التنمية والاستقرار الأمني"، بحسب الوزير السابق.
ويضيف سيف "مع كل دعوات السلام وإنهاء حالة الحرب ومع قبول الحكومة الشرعية لإنهاء هذه الحرب والدخول في مفاوضات السلام تلجأ الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران إلى إيجاد فرص على الأرض، حيث تعتقد أن اكتساحها لمدينة مأرب والسيطرة عليها سيعطيها دفعة في المفاوضات، كما أن المواجهات في مأرب هي معركة إيران وحزب الله".
لكن البخيتي يقول إن تكثيف الهجمات يأتي "بعد أن فشلت المفاوضات ولم تحقق الوساطات أي نتيجة فيما يخص الجانب الإنساني".
لكن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن الحوثيين هم من لا يقبل المفاوضات.
وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكنزي، قد عبر في إيجاز صحفي، الثلاثاء الماضي، عن قناعته برغبة السعودية في إنهاء الصراع اليمني، لكنه شكك برغبة الحوثيين، قائلا: "لا أعتقد أن الحوثيين مستعدون لاغتنام اللحظة مع أن لديهم فرصة للانخراط في مفاوضات".
ويشهد النزاع في اليمن الذي اندلع عام 2014، مواجهات دامية بين الحوثيين وقوات الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية.
وبينما تدفع الأمم المتحدة وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء الحرب، يطالب المتمرّدون بفتح مطار صنعاء قبل الموافقة على وقف إطلاق النار والانضمام إلى طاولة المفاوضات.
•وضع إنساني كارثي
ويؤكد سيف أنه "نتيجة لاستمرار الحرب والضغوط، سيظل الوضع في عموم اليمن مأساويا، وخاصة في مأرب، رغم وجود مراكز إغاثة سعودية وكويتية والمنظمات الأممية فيها، إلا أن الصراع يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بصورة يومية".
وأضاف أن "إنهاء هذا الوضع الإنساني، سيأتي في النهاية عبر المفاوضات وفق المرجعيات المحددة والقبول بعملية سلام شامل تستند إلى إقامة دولة يعيش فيها جميع اليمنيين في سلام وفقا لقاعدة قوة القانون وليس تحت قانون القوة".
وخلّف النزاع عشرات آلاف القتلى ودفع نحو 80 في المئة من السكّان للاعتماد على الإغاثة وسط أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً للأمم المتحدة. وتسبّب كذلك بنزوح ملايين الأشخاص وتركَ بلداً بأسره على شفا المجاعة.
وتقود السعودية، منذ 2015، تحالفا عسكريا دعما للحكومة المعترف بها دولياً التي تخوض نزاعاً داميا ضدّ الحوثيين منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى في 2014.